بعد حادثة "شارلي إيبدو"، يمكن رصد أربعة مواقف للمفكرين والكتاب العرب.
الأول كان شديد الوضوح وصادراً عن نخبة من مثقفي تونس شاركهم فيه عدد آخر من المثقفين العرب وعبروا عنه في بيان جاء فيه بعد التأكيد على أهمية إجراء إصلاحات حقيقية لإعلاء قيم "المواطنة والمساواة وحريّة الضّمير ودولة القانون وحقوق الإنسان"، أن الرد على الحرب المعلنة من الإرهابيين لا "يتمثّل في القول بأنّ الإسلام براء منها، لأنّ هذه الأعمال الإرهابيّة تتمّ باسم قراءة معيّنة للإسلام. بل لا بدّ من الاعتراف بتاريخيّة مجموعة من النّصوص التي يتضمّنها موروثنا الدّينيّ، ولا بدّ من التّأكيد على عدم إمكان تطبيقها اليوم، ومن تحمّل تبعات هذه الاستحالة". هذا الموقف يفترض خصوصية للإسلام موجودة في الأديان الأخرى بحسب البيان، لكنها تجاوزتها.
الثاني يريد أن يخرج "الإسلام" من حادثة "شارلي إيبدو" لأن مشكلة "الأخوين شريف وسعيد كواشي مشكلة فرنسية في الأساس". هما نتاج "أزمة الهوية التي تضرب الأجيال الجديدة من الشباب العربي والمسلم في الغرب، والتي لم يتم بذل أي مجهود حقيقي لحلها"، كما يقول الدكتور خليل العناني.
الثالث يرى أن المبادئ لا تتجزأ وأن حملة التضامن مع "شارلي إيبدو" فيها الكثير من النفاق. فإما أن نعترف بأن هنالك حدودا لحرية الرأي منها "احترام معتقدات الآخرين وعدم المساس بها" أو الموافقة على حرية سقفها السماء بما في ذلك "إعطاء الحق لمن يرغب بأن ينكر أن "الهولكوست" قد حدث تاريخياً"، أو أن "يسخر حتى من ضحايا الجرائم التي ارتكبت في 11 أيلول في نيويورك أو حتى من ضحايا شارلي إيبدو أنفسهم". في نفس السياق يرى البعض من أصحاب هذا الرأي أن مشاركة قادة "أياديهم تقطر دماً" مثل نتنياهو في مسيرة باريس الى جانب هولاند تأكيد على ازدواجية معايير الغرب في التعامل مع القضايا الإنسانية ذاتها.
الرابع يريد تحميل الغرب مسؤولية ما جرى، فهم أولاً من "فتحوا باب الجهاد في أفغانستان" في بداية ثمانينيات القرن الماضي، وهم ثانياً من دمروا العراق وجعلوه أرضاً خصبة لنمو التيارات "الجهادية" وفعلوا نفس الشيء في ليبيا وسورية. لماذا إذن، يبكي "الغرب" على جرائم هي من فعل يديه ويريد أن يحمل "الإسلام" أو "العرب" أو كليهما المسؤولية.
هذه هي مختصر الآراء التي تملأ الفضاء الإلكتروني في المسألة المتعلقة بالموقف من إرهاب جماعات مجرمة. الجميع يدينها، الجميع يرفضها. في الوقت نفسه، الجميع لا يتفق على توصيف للظاهرة أو لأسبابها. البعض يراها في "عدم القدرة على تجاوز نصوص دينية قديمة لا تتفق والحياة المعاصرة". البعض الآخر يرى أن مجرد إضافة كلمة "إسلامي" لتوصيف جماعات مجرمة هو تجني على عقيدة يؤمن بها أكثر من سدس البشرية على هذا الكوكب لأن المشكلة في الأساس لا علاقة لها بالإسلام وإنما بالتمييز الذي تتعرض له بعض الجاليات المسلمة في الغرب والتي تخلق مشكلة "هوية" تؤدي الى العنف. فيما البعض الآخر يرى أن سياسات الغرب في العالم العربي والإسلامي عموماً مسؤولة عن الجرائم التي يرتكبها البعض باسم الإسلام لأن هذه السياسات هي التي تغذي هذه الظاهرة.
جميع هذه الآراء لا تجانب الحقيقة في أجزاء عديدة منها، لكنها لا تكفي لتفسير الظاهرة نفسها وهو وجود هذا الكم الهائل من العصابات المجرمة التي تدعي القتل باسم الإسلام وتتنافس فيما بينها ليس فقط على قتل "المختلف عنها" ولكن حتى على قتل بعضها البعض.
القائلون بوجود نصوص في "الدين الإسلامي" تسمح للبعض بتفسيره لإجازة ما يقومون به من جرائم ليسوا مخطئين كلياً. جميع الأديان جُيرت في وقت ما لإثارة حروب استمرت مئات السنين وما كان لها أن تستمر لولا عملية "مسح الدماغ" باسم الدين. وصول الإسلام لأقاصي الأرض في جزء منه له علاقة بالحروب التي خاضها المسلمون الأوائل "لإعلاء راية الإسلام".
القول إن الأديان تدعو "فقط" للتسامح ليس حقيقياً.. الأديان تدعو الى ما يدعو إليه البشر: بعضهم يستخدمها لنشر ثقافة التسامح والعيش المشترك وبعضهم يستخدمها لإشعال الحروب والقتل. مثلاً، بينما كان البعض يدعو الله أن ينقذ العراق من حرب بوش وان "يهلكه وجنده" فيها، كان بوش نفسه في الكنيسة يدعو الله أن ينصره في الحرب. وبينما كان البعض ينطق بالشهادتين ويهتف "الله أكبر" وهو يطيح ببرجي مبنى التجارة العالمي، كان حاخامات يهود يجيزون قتل كل عربي باسم "التوراة".
حقيقة الدين (أي دين) وجوهره هو ما نُسقطه عليه نحن البشر من فهم وليس ما هو حقيقي فيه لأن الأنبياء الذين يدركون حقيقته لم يعودوا بيننا.
لكن هذه المجموعة ليست محقة في الادعاء بأن هنالك خصوصية للإسلام في نصوصه تجاوزها الآخرون في أديانهم بينما لم يتمكن المسلمون الى اليوم من تجاوزها. هؤلاء يفصلون الظاهرة عن سياقها التاريخي الذي ظهرت فيه. لماذا مثلاً لم نشاهد هذه الظاهرة قبل ثمانينيات القرن الماضي. النص الديني هو نفسه لم يطرأ عليه تغير.
الدين الإسلامي سابقاً لثمانينيات القرن الماضي تم استخدامه فقط كأداة ثقافية للتعبئة في حروب التحرر الوطني من الاستعمار مثلما جرى في الجزائر وفلسطين.
البعد "الجهادي العالمي" للإسلام لم يجر تحريكه من "داخله" ولكن من "خارجه" خدمة لهدف الانتصار في الحرب الباردة على المعسكر الاشتراكي. بريجينسكي، مستشار الرئيس الأميركي للأمن القومي في عهد الرئيس كارتر يذكر كيف اشتركت الولايات المتحدة، والسعودية، ومصر ودول أخرى في عملية "التجنيد والتسليح والتمويل" لنقل "المجاهدين العرب" الى أفغانستان. فيلم "حرب شارلي ويلسون" يوثق كيف قام هذا النائب الديمقراطي عن ولاية تكساس برعاية أكبر عملية للمخابرات المركزية الأميركية (Operation Cyclone) لتسليح "المجاهدين" في أفغانستان والتي تضمنت من بين أشياء عديدة، اجتماعات سعودية - باكستانية - إسرائيلية لتأمين وصول أسلحة متطورة "للمجاهدين".
تزامن ذلك مع مسألتين أساسيتين أعطتا زخماً للبعد الجهادي العالمي. الأول هو الثورة الإيرانية الإسلامية والتي كان من الصعب كسر جموحها دون حرب لإجهاضها ودون "النفخ" في المسألة الطائفية (سني- شيعي). العراق تولى مسؤولية الحرب نيابة عن دول الخليج وبدعم غربي، والسعودية تولت عملية "التطييف المذهبي". انتهت الحرب، لكن عملية "التطييف" استمرت بجنون خصوصاً مع الخوف من الانتصارات التي حققها حزب الله (الشيعي) على إسرائيل، وتمدد نفوذ إيران في العراق وسورية ولبنان. العشرات من الفضائيات جُيرت لخدمة "الإرهابيين" الذين يحاربون النفوذ "الشيعي" ومئات الملايين من الدولارات تم إيصالها لهم عبر المؤسسات غير الحكومية والتبرعات "الخيرية" من معظم دول الخليج العربي.
الثانية، كانت رغبة أنظمة الاستبداد بالقضاء على عدوها "القومي واليساري". لم تكن التنظيمات الإسلامية، المعتدلة أو المتطرفة منها قوية في سبعينيات وبداية ثمانينيات القرن الماضي. الخوف من اليساريين والقوميين دفع أنظمة الاستبداد لغض النظر عن نمو الجماعات الإسلامية التي لم تر في بداية عملها عدواً لها غير الفكر القومي واليساري. بقصد أو دون قصد، هذه التنظيمات تجاهلت أنظمة الاستبداد في البداية وتخصصت في محاربة القوى اليسارية. البعض يريدنا أن ننسى مثلاً أن أولى مشاركات التيار الإسلامي الفلسطيني "حماس" في الصراع مع إسرائيل كان مع بداية الانتفاضة الاولى، بينما مشاركتها الحقيقية قبل ذلك كانت في حرب الجامعات ضد القوى اليسارية والقومية. نفس الموقف كان موجودا للتيارات الإسلامية في دول عربية أخرى. المعادلة ستنقلب لاحقاً في التسعينيات ليتم الاستعانة ببقايا اليسار والقوميين لمحاربة الإسلاميين.
السياق التاريخي يقول إن فكرة "الجهاد العالمي" باسم الإسلام، وقتل الآخر المختلف باسم الإسلام أيضاً، جاءت من خارج الإسلام نفسه، من دول إقليمية وغربية لخدمة أجندات سياسية.
للذين يقولون إن هنالك نصوصاً في الدين الإسلامي تسمح بكل هذا الإجرام باسمه، نقول لهم إن هذه النصوص هي نفسها الموجودة منذ مئات السنين لكن ما هو مطلوب تفسيره اليوم هو لماذا تم اكتشاف هذه النصوص مع بداية ثمانينيات القرن الماضي ومن اكتشفها. أفكار سيد قطب التي تبنتها الجماعات الإسلامية لم تأخذ بعداً عالمياً إلا في غمرة الحرب على أفغانستان وفي سياق الخوف من الثورة الإسلامية في إيران.
سلاح وإعلام (مقروء ومسموع ومرئي ومنابر مساجد) ومئات الملايين بل البلايين من الدولارات صرفت من أجل هزيمة الروس في أفغانستان ومن أجل قهر الثورة الإيرانية وتضييق الخناق عليها، وأيضا من أجل إضعاف القوى اليسارية والقومية في العالم العربي. هل يمكن فصل هذا السياق التاريخي عن ظاهرة "المجاهدين القتلة"؟
مكمن الخلل في تحليل ظاهرة "الجهاد الإسلامي العالمي" هو في السعي لتحليل الظاهرة بسلخها من سياقها التاريخي الذي وجدت فيه وهو سياق لا علاقة "للمسلمين" أو "لعقيدتهم" فيه.
لو وضعت هذه الدول هذه الإمكانيات الهائلة لتغذية التطرف بين المسيحيين أو اليهود أو الهندوس أو البوذيين لكانت قد لاقت نفس النجاح وربما أكثر.
لا خلاف بأن الجميع اليوم يريد الخلاص من هذه الظاهرة بعد ان أصبح متضرراً منها. لكن علينا ألا ننسى أن هذه الرغبة في الخلاص ولدت يوم أمس فقط. قبل أشهر قليلة كان القتلة في سورية يسمون ثواراً (هذا لا يعني أن نظام بشار ليس قاتلاً) وكانت دول في الشرق والغرب تعمل على تسليحهم. لكن حتى لو افترضنا أن هذه المجموعات لم تتلق دعماً من أحد، وهو افتراض منافٍ لكل الحقائق، فإن الدعم الذي تلقته هذه الجماعات سابقاً كان كافياً لبناء شبكات للتسيير الذاتي تمتد في عدة قارات.
المسلمون ومفكروهم مطلوب منهم تقديم فلسفة إنسانية للإسلام ليس حماية للغرب أو للجاليات المسلمة في أوروبا، ولكن حماية لأنفسهم. لا يوجد أحد في العالم عانى ويعاني أكثر من الشعوب العربية والإسلامية من هذا الجماعات. بل إن معاناتهم مضاعفة لأنهم لا يواجهون فقط إجرام هذه العصابات ولكن أيضا لأنهم يواجهون الموت على أيدي الأنظمة التي تسيطر على دولهم. العراق وسورية أصبحتا خراباً، اليمن مزقت، في ليبيا حرب أهلية منذ ثلاث سنين، الجزائر عانت سابقاً من حرب أهلية لا زالت حية في ذاكرتها، في تونس يقتل جنود كل بضعة أيام، وفي مصر قد يمتد الجنون من سيناء الى داخلها. وهنا لا نريد أن نتحدث عن مالي، نيجيريا، الصومال، أفغانستان ولا عن مذبحة الأطفال في باكستان قبل بضعة أسابيع. يكفي فقط أن نشير إلى أن اليوم الذي وقعت فيه حادثة "شارلي إيبدو" في فرنسا، كان هنالك 37 ضحية في اليمن وحدها، وبعد الحادثة بيومين، كان هنالك أكثر من 2000 ضحية في نيجيريا، وكان هنالك طفل لا يتجاوز عمره الثانية عشرة يقوم بإطلاق النار على رأس شخصين في سورية بعد مبايعته لأحد أمراء "الدمار".
المفكرون الإسلاميون عندما يقدمون خطاباً مغايراً يخدمون أولاً شعوبهم قبل أن يخدموا غيرهم. لذلك من غير اللائق وصفهم بتقديم خطاب اعتذاري أو بأنهم يرغبون في إرضاء الغرب. الأخير لن تهزمه عدة جرائم يمارسها قتلة هنا أو هنالك. في حوادث الطرق والجرائم المدنية يسقط كل يوم في هذه الدول العشرات وربما المئات، لهذا لا تشكل هذه الحوادث في الغرب خطراً على وجودها، هي على الاكثر تفرض عليها تحديات جديدة عليها التعامل معها. لكن في العالمين العربي والإسلامي، المسألة مختلفة تماما كما نلاحظ في سورية والعراق واليمن وليبيا ومصر وغيرها.
للقائلين إن حادثة شارلي "فرنسية" ويجب عدم إخراجها من سياقها الفرنسي وإن سببها هو الفقر والتمييز والعيش في معازل، نذكرهم فقط بأن جاليات عديدة أخرى غير مسلمة تعاني بنفس القدر من العزلة والفقر والتمييز لكن لم يخرج منها هذا العدد من المتطرفين الذين يقتلون باسم دينهم. ما أرغب بقوله، إن نفي العلاقة بين عملية التحشيد للجهاد العالمي التي جرت في ثمانينيات القرن الماضي والتي خلقت منابر ومراكز "للفكر المتطرف" لا يمكن عزلها عن حادثة "شارلي إيبدو" بالقول إن الظاهرة فرنسية. القتلة لم يقتلوا احتجاجاً على الظلم المادي الذي وقع عليهم وإنما قتلوا باسم قضية عامة لا تخص المسلمين الفرنسيين وحدهم. أضف الى ذلك إن عملية "مسح الدماغ" التي جرت لهم، لم تتم فقط في حي سانت دينيس ولكن عبر شبكات التواصل الاجتماعي وفي اليمن. البعد "الجهادي" العالمي في قضية "شارلي إيبدو" كان حاضراً بالصورة والصوت.
أتفق مع الرأي الثالث الذي يقول إن حرية الرأي إما أن يكون سقفها السماء أو أن توضع لها ضوابط. لا يعقل أن تكون هنالك ضوابط على حرية الرأي في قضايا ولا ضوابط عليها في قضايا أخرى. هذه مسألة تتطلب إعلاناً أممياً من الأمم المتحدة حتى يلتزم الجميع بها ومن أجل ألا تكون خاضعة لمقاييس كل دولة على حدة. لكن هذا ليس مبرراً للجريمة التي وقعت ضد صحافيي شارلي وإثارته في إطار الحديث عن حادثة شارلي يعطي الانطباع بأن هنالك من يتفهم دوافع الجريمة على الرغم من أن أصحاب هذا الرأي في غالبيتهم من الداعين لحرية لا حدود لها.
في نفس السياق، يتم الحديث عن "النفاق الأوروبي"، إذ كيف يمكن أن يشارك قتلة مثل نتنياهو في مسيرة تدافع عن حق "المقتولين" في إبداء رأيهم.. في مسيرة ضد الإرهاب. "تنصيب زعماء أنفسهم قيّمين على حقوق الإنسان في باريس جعل من المشهد طقساً من طقوس غسيل الدم وتبرئة النفس من إجرامهم، ماضياً وحاضراً، من احتلال الجزائر إلى غزو العراق، وإلى المجازر ضد الشعب الفلسطيني، وكل ما سبق ذلك كله وتبعه". هكذا كتبت لميس أندوني في "العربي الجديد".. من يجرؤ منا على مخالفة هذا الرأي؟
المسألة هنا هي أن بإمكاننا ومن حقنا وواجب علينا أن ننتقد "مشهد غسيل الدم" الذي شاهدناه في مسيرة على رأسها نتنياهو. لكن علينا في نفس الوقت أن نميز بين الشعوب وبين الدول. خطاب التضامن بين الشعوب هو خطاب إنساني مبني على المساواة وعلى حق الجميع بالحرية والحياة الكريمة. خطاب الدول هو خطاب مصالح لا علاقة له بالبعد الإنساني الذي يجري توظيفه من قبلها لخدمة أجنداتها. علينا أن نشكر مخترع القنبلة الذرية حقيقة لأن امتلاك العديد من الدول لها قد منع وقوع حرب عالمية ثالثة!
ما يتعلق بالموقف الرابع الذي يحمل التدخل الغربي في المنطقة العربية المسؤولية عن الحوادث الإرهابية التي وقعت في أوروبا وأميركا. هذه الرؤية تبقى ناقصة إن لم توضع في السياق التاريخي الذي أشرنا إليه سابقاً. لماذا لم تخرج حركات إرهابية من اليابان التي دمرتها أميركا بقنابل نووية؟ لماذا لم تخرج من فيتنام التي قتلت أميركا من أهلها 2 مليون؟ لماذا لم تخرج من صربيا التي أمطرتها الدول الغربية بالصواريخ؟ لماذا لم تخرج من كوبا التي حاصرها الغرب نصف قرن؟ السبب كما أشرنا إليه سابقاً أنه في الحالة "الإسلامية" تم استنهاض "الجهاد العالمي" في عملية جرى التحشيد والتعبئة والتمويل والتسليح لها في مشهد لم يعرف التاريخ له مثيلاً بقيادة دول قادرة مالياً وتقنياً وإعلامياً.
لقد تم إطلاق مارد الدمار من قمقمه. البعض "مبسوط" لأنه بين الفينة والأخرى يضرب الغرب. البعض يطالب المسلمين - ضحايا الإرهاب والاستبداد - بالاعتذار عن تصرفات قتلة لا علاقة لهم بهم. والبعض يريد جلد الذات وكأن الإسلام مسؤول عن جرائم هذه العصابات. وآخرون يريدون تبرير ما يجري إما خوفاً من نتائجه أو من باب الدفاع عن الذات.
لكن الحقيقة أن علينا أن نتذكر أن الغالبية العظمى من الضحايا هي من المسلمين، وأن دولهم قد أصبحت بلا مستقبل، وأنهم يدفعون من دمهم ثمن سياسات فرضت عليهم ولم يختاروها بأنفسهم.
ماذا بعد. يقال إن فهم أسباب المرض هو الخطوة الأولى في الطريق الى العلاج. السياق التاريخي الذي يفسر الظاهرة أصبح مفهوماً. العلاج لا يكمن قطعاً بالقول إن الغرب يتحمل المسؤولية... هذا لن يغير ما يجري في سورية أو العراق أو ليبيا أو اليمن أو مصر. العلاج هو أن تتحمل النخب العربية مسؤوليتها بأن تتفق على أن عدوها الأساسي هو هذه الجماعات ومعها أنظمة الاستبداد التي ساهمت في رعايتها.


