خبر : الفقر والعنصرية والاستبداد = إرهاب ...مهند عبد الحميد

الثلاثاء 13 يناير 2015 12:57 م / بتوقيت القدس +2GMT






اهتزت أوروبا عامة وفرنسا خاصة جراء أعمال القتل الوحشية التي تعرض لها رسامون وصحافيون فرنسيون في صحيفة شارلي ابدو، إضافة لمقتل أربعة مدنيين في متجر يهودي في باريس. استنفار أوروبا وخروج حوالي أربعة ملايين فرنسي تضامنا مع الضحايا، حدث غير مسبوق. البعد الإنساني الذي ينطلق من الحق في الحياة الذي شطبه القتلة ببساطة يحفز على التضامن والاستنفار، هذا صحيح وغير مستغرب، فقد شاركت شعوب وقوى واتجاهات غير أوروبية في رفض واستنكار جريمة القتل. رفض القتل واستباحة الحق في الحياة يعتبر من الواجبات الملقاة على عاتق اي شخص او مؤسسة او دولة في العالم. القانون الدولي اعتبر هذا النوع من القتل جرائم بحق الإنسانية. وبهذا المعنى كان التضامن الفرنسي والأوروبي والعالمي مع الضحايا سليما وبناء ومطلوباً.
تأسيساً على ما سبق، وليس في مواجهته، يحق للشعوب التي تعرضت وتتعرض لقتل يومي ولجرائم وفظائع وإرهاب وخنق وتجويع ان تتساءل عن التضامن والاستنكار والإنقاذ. يحق للشعب السوري الذي خسر اكثر من 130 ألف ضحية اكثرهم من الأبرياء، ويحق للشعب الفلسطيني الذي تعرض لتطهير عرقي وما يزال، وللشعوب الكردي والعراقي والأفغاني التي خسرت مئات الآلاف من الضحايا وعاشت وما تزال تعيش ويلات الحروب ان تطالب أوروبا والنظام الدولي بالتضامن والتعاون لوقف جرائم القتل والحفاظ على حق البشر في الحياة. الحق في الحياة حق لكل البشر، وينطبق على كل الشعوب، وحقوق الإنسان لا تتجزأ، ولا تخص شعب وشعوب دون أُخرى. هذا ما يقوله القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة والعهد الدولي لحقوق الإنسان.
جريمة شارلي ابدو طرحت العديد من الأسئلة : لماذا تتعامل دول الغرب بازدواجية المعايير؟ حساسية مفرطة واستنفار إلى الحد الأقصى دفاعا عن حياة اقل من عشرين ضحية فرنسية، ولتفادي سقوط ضحايا جدد داخل فرنسا وأوروبا، هذا الموقف صحيح ومشروع. ولكن عندما تتلاشى حساسية دول الغرب إزاء موت وتشرد وعذابات السوريين والفلسطينيين والأكراد وغيرهم، وعندما لا تتنادى هذه الدول ولا تستنفر لوقف نزيف الدم والتشرد المستمر منذ اربع سنوات ويزيد، فإن هذا الموقف المنسجم في جهة والمتناقض في الجهة الأُخرى يحيلنا الى سياسة التمييز بين دم ودم، لون ولون، شعب وشعب. ليس هذا وحسب، بل ان المعايير المزدوجة تعيدنا الى سؤال تحالف وتعاون دول الغرب مع أنظمة مستبدة تقمع شعوبها؟ وسؤال دعم دول الغرب للتنظيمات الأصولية والإسلام السياسي في ليبيا وسورية ومصر وتونس؟ وسؤال تهاون دول الغرب في تدفق المتطوعين الجهاديين من حملة الجنسيات الأوروبية الى سورية والعراق واليمن؟ فقد كشفت الحكومة الفرنسية يوم امس عن مغادرة 1400 مقاتل فرنسي البلاد الى سورية والعراق، وعن مقتل 70 مقاتلاً أثناء المعارك في البلدين.
البعد الثاني لجريمة» شارلي ابدو» الذي استنفر الملايين من الفرنسيين والأوروبيين وكل دعاة حق التعبير عن الرأي هو المس بحق حرية التعبير ومعاقبة الرأي الآخر بأشد أنواع العقاب، وهو القتل وإرهاب وردع المختلفين في محاولة لأبطال مفعول القوانين السائدة التي تسمح بتلك الحرية بما في ذلك نقد المسيحية واليهودية ورموزهما في فرنسا ودول أوروبا واميركا وغيرها. مبدأ حرية التعبير يستحق مثل هذا الاستنفار الفرنسي والعالمي، فهذا الحق لم تقدمه أنظمة الحكم على طبق من ذهب للشعوب، بل جاء بفعل نضال وتضحيات كبيرة استغرقت ما يقارب القرن ويزيد. ان تنفيذ حكم الموت بحق مجموعة من الرسامين والصحافيين لأنها مارست حقها في التعبير من وجهة نظرها، خلق صدمة كبيرة، وهدد الإنجاز التاريخي المتمثل بحرية التعبير. إهانة الرموز الدينية هي محط اختلاف. كثير من معتنقي الديانة المسيحية لا يتبنون النقد والسخرية من الدين المسيحي باستخدام الكاريكاتور وبالأفلام والكتب، لكنهم يعتبرون ذلك رأيا خاصا بأصحابه، ولا يتوقفون كثيرا عنده. البعض يعتبره إهانة ويعترض عليه بالدفاع والتفنيد في إطار حرية التعبير والقوانين السائدة التي تسمح بحرية المعتقد بما في ذلك ان لا يكون الفرد منتسباً لأي دين او في اختيار وتبديل دينه. لقد نجحت الثورات الأوروبية في فصل الدين عن الدولة وتحويله الى حرية للأفراد وقضية خاصة بالأفراد والمجموعات. هذا النوع من التعامل مع الدين لا ينطبق على دول ومؤسسات إسلامية بما في ذلك قوى الإسلام السياسي التي تعاقب وتكفر كل من تسول له نفسه نقد الدين الإسلامي وحتى تقديم تفسير آخر لنصوص القرآن الكريم غير التفاسير المعتمدة لدى هذه المدرسة او تلك. كذلك فإن كل محاولات الإصلاح الديني الإسلامي ومدارسها جرى تكفيرها واستبعادها من التاريخ الإسلامي الرسمي ومؤسساته. المشكلة مستمرة حتى أيامنا هذه، فقد حكم على المدون السعودي الشاب رائف بدوي بألف جلدة والسجن 10 سنوات بتهمة الإساءة للإسلام. وحكم على الشاب الموريتاني محمد الشيخ ولد المخيطير بالإعدام بتهمة الردة، وأحيلت الشاعرة المصرية فاطمة ناعوت الى محكمة الجنح بتهمة ازدراء الإسلام لأنها نقدت مبالغة البشر في ذبح الأضاحي. المشكلة ليست في الإسلام والمسلمين بل في المؤسسة والإسلام السياسي الذين يحتكرون تفسير الدين. معظم الجالية الإسلامية في أوروبا لم توافق على رسوم «شارلي ابدو» لكنها لم تدخل الحرب في مواجهتها. البعض يطرح سؤال : لماذا تحيل الحكومة الفرنسية للقضاء كل من ينكر وجود الهولوكوست؟ منتهكة بذلك حرية التعبير، ولا يوجد من يعترض على هذا الانتهاك الفادح سوى القليل من الفرنسيين.
السؤال الأهم، لماذا تطوع 1400 مقاتل فرنسي واكثر من ضعفهم من بلدان أوروبية أُخرى في صفوف «داعش» للقتال في سورية والعراق؟ لماذا قام سعيد وشريف كواشي وكوليبالي وحياة بومدين وكلهم تولد فرنسا وأصحاب جنسية فرنسية بتنظيم هجمات إرهابية داخل فرنسا وعلى أهداف فرنسية؟ قوى من اليسار الفرنسي ترجع هذه الظاهرة إلى: الوضع الاقتصادي المأزوم الذي تعيشه الجالية الإسلامية بفعل التدابير الاقتصادية الحكومية التي أهدرت المكتسبات الاجتماعية السابقة للطبقات الشعبية لمصلحة حفنة من الرأسماليين. وبفعل الحملات العنصرية ضد مختلف الأقليات القومية وبخاصة المسلمين، ونتيجة لمشاركة فرنسا في الحرب داخل إفريقيا وفي الشرق الأوسط ليس من اجل الديمقراطية وحرية الشعوب وليس دفاعا عن مبادئ الجمهورية، بل للدفاع عن الأطماع الإمبريالية الفرنسية. إن السبب الجوهري للإرهاب والأصولية هو الفقر والعنصرية والاستغلال والحروب ودعم الأنظمة المستبدة وجميع أشكال الاضطهاد التي يعاني منها الملايين وبخاصة المسلمين.