عندما تم التوافق على تشكيل حكومة التوافق فإن القرار حمل بعدا سياسيا يهدف الى وحدة السلطة ومعالجة تداعيات الانقسام الداخلي بين جناحي السلطة ، وهذه الحكومة قامت على إرث ثقيل ستتحمله ، وتبعات مرحلة سابقة بكل ما لها وما عليها ، واستبشر البعض خيرا من هذه الخطوة الأساسية والتي كان من المفترض ان تكون بداية لخطوات أخرى تم التوافق حولها .
ولكن ومنذ اللحظات الأولى لعمل حكومة التوافق كان واضحا غياب شبه كامل لسياسة واضحة وصريحة وحاسمة يلتزم بها كافة أعضائها من الوزراء ولا يجوز أن يتجاوز أي وزير نطاق تلك السياسة الموضوعة وخاصة فيما يتعلق بالقضية الأهم والأبرز وهي التعاطي مع الموظفين الذين تم تعيينهم بعد الانقسام الذي طرأ في العام 2007 ،، ولا يخضع التعاطي مع هذه المسألة لحسابات شخصية لكل وزير او مواقف مسبقة لهم وعدم ارتهان ذلك الى مواقف حزبية سابقة .
وللأسف الشديد كان التخبط في هذه المسألة سيد الموقف فهناك وزراء منذ اللحظة الأولى تعاملوا مع موظفي وزاراتهم بشكل طبيعي وباحترام الواقع الموجود - الى حين انتهاء اللجنة الخاصة بمناقشة وضع هؤلاء الموظفين - ، وهناك من الوزراء الذين رفضوا التعامل مع موظفي وزاراتهم بأي شكل من الأشكال بحجة أن هؤلاء الموظفين غير معترف بهم وهم نتاج " الانقلاب " الذي وقع في غزة وبالتالي قاطعوا وزاراتهم في غزة بالكامل ، وهناك من الوزراء الذين تعاملوا مع جزء من الموظفين " الغير منتمين لحركة حماس " داخل وزاراتهم في غزة ورفضوا التعامل فقط مع الموظفين المحسوبين على حركة حماس ، وهكذا تعامل كل وزير حسب مزاجه ورأيه وموقفه الشخصي وكل واحد منهم يدعي انه ينفذ سياسة الحكومة ،، بل زاد الأمر اكثر وضوحا عندما خرج احد الوزراء عند التعديل الوزاري الأخير وكان لا يتعامل بالمطلق مع وزارته في قطاع غزة وعندما جاء الوزير الجديد فتح فورا علاقة مباشرة مع وزراته في غزة وقاد عمل الوزارة بشكل مباشر ، ولم يراجعه أحد بذلك ، وهذا يدل بشكل واضح وصريح ان سياسة كل وزارة مرتبطة بموقف السيد الوزير وطريقة تفكيره ..
هذه إشكالية مهمة يمكن إسقاطها على كثير من القضايا الخلافية فلا يوجد موقف واحد واضح امام كل قضية مطروحة للنقاش بل هناك تعدد في المفاهيم والتفاسير لكل قضية بين الإخوة المسئولين ، منهم من يقول أنه لا استثناء لأي موظف من الموظفين العاملين في قطاع غزة ، ومنهم من يقول لن نعترف بهؤلاء ولن نمنحهم الشرعية ولن نعطيهم رواتب ولكن ممكن على هيئة مساعدات عبر الشئون الاجتماعية ، ومنهم من يقول نحتاج الى تصنيف هؤلاء الموظفين وعليهم أن يخضعوا للجنة الخاصة ، وهكذا نستمر في حلقة مفرغة وتمر الشهور وتزداد المعاناة ، والأسوأ ان تتدخل بها أطراف خارجية تدعي ان هناك أطراف فلسطينية رافضة لحل المشكلة ، أي أن الأطراف الخارجية أكثر حرصا على الموظفين من بعض الأطراف الداخلية .
البعض يعتقد أن هذا الغموض الإيجابي يساعد في حل المشكلة أو في فضح نوايا كل طرف وهذا من المضحك المبكي ان يعتقد البعض بذلك وهو في الحقيقة تلاعب في مصير جزء مهم من شعبنا في قطاع غزة وزيادة معاناته .
وما ينطبق على السياسة الغير واضحة تجاه الموظفين تجدها تنطبق تماما على بقية القضايا الأخرى مثل أزمة الكهرباء والمعابر وغيرها لا تكاد تسمع موقف موحد واضح وصريح قد تتفق أو تختلف معه ..
لذلك لم تعد أزماتنا واضحة أو مفهومة ، وكل الذكاء والإبداع العقلي هو كيف تحمل طرف مسئولية الفشل ،، بدلا من ان يتحول الإبداع لإيجاد وسائل حل لكل قضية .
رئيس مركز آدم لحوار الحضارات


