خبر : مركز أطلس للدراسات اﻻسرائيلية : "ما بين تفكيك السلطة واستبدال قيادتها"

الأحد 04 يناير 2015 03:41 م / بتوقيت القدس +2GMT
مركز أطلس للدراسات اﻻسرائيلية : "ما بين تفكيك السلطة واستبدال قيادتها"



غزة /سما/اصدر مركز اطلس للدراسات تحليلا حول القرار الاسرائيلي بتجميد تحويل عائدات الضرائب الخاصة بالسلطة الفلسطينية الذي أعلنت عنه مصادر إسرائيلية، أول أمس السبت، هو واحد من مجموعة قرارات تضمنتها سلة العقوبات التي أقرتها حكومة نتنياهو، وفضلت إبقائها طي الكتمان؛ وذلك في سياق ردود الفعل العقابية على تجرؤ السلطة لتقديم طلب الانضمام لمحكمة الجنايات الدولية، وبضوء أخضر من حليفتها أمريكا التي لم تكتفِ باستخدام الفيتو ضد الطلب الفلسطيني في مجلس الأمن، بل إنها هددت وتوعدت بوقف المساعدات الأمريكية للسلطة، وهي المقدرة بربع مليار دولار سنوياً، لكن أمريكا عندما توقف مساعداتها للسلطة يضطر المانحين الدوليين والعرب الى الاستقامة مع رغباتها.

الموقف جدي وخطير في ظل عجز موازنة السلطة الكبير ومضاعفة احتياجاتها المالية، لا سيما بعد التداعيات الاقتصادية الاجتماعية للحرب العدوانية على غزة، وستزداد خطورته في حال استجاب العرب للرغبة الأمريكية الإسرائيلية في معاقبة السلطة وإجبارها للعودة لبيت الطاعة الأمريكي الإسرائيلي ولم يوفوا بتعهدهم بتوفير شبكة الأمان المالية التي أقرتها الجامعة العربية.

كل من السلطة وإسرائيل تدركان العواقب الكبيرة لتجميد عائدات الضرائب؛ الأمر الذي يعنى مباشرة عدم قدرة السلطة على توفير فاتورة الرواتب لموظفيها البالغ عددهم أكثر من 160 الف موظف في الضفة والقطاع، بالإضافة للموازنات التشغيلية للوزارات والأجهزة الحكومية، وحيث ان الرواتب التي تبلغ أكثر من مائة وخمسون دولار شهرياً، تعتبر المحرك الرئيسي لعجلة الاقتصاد الفلسطينية فإن الأزمة ستكون شاملة وعميقة، وستشل مختلف القطاعات الاقتصادية والاجتماعية، وسينتج عنها أزمات متتالية مرتبطة بها؛ الأمر الذي يهدد عملياً بتآكل السلطة ويهدد قدرتها على البقاء وينذر عملياً ببدايات تفككها وانتشار الفوضى في حال طول الأزمة.

التهديد بتفكيك السلطة أو حلها قيل على لسان أكثر من مسؤول فلسطيني سابقاً كنوع من التهديد الذي قد تلجأ إليه السلطة في حال استمرار التعنت الاسرائيلي والتوسع الاستيطاني والممارسات الاحتلالية، فقد هدد أبو مازن بإعادة المفاتيح لضابط الإدارة المدنية، بدروها إسرائيل، وعلى لسان كبار وزرائها، استخفت بمخاطر تهديدات حل السلطة لنفسها؛ بل وذهبت أبعد من ذلك في التهديد الفعلي بحل السلطة في حال انتهجت السلطة ما سمته اسرائيل بالخطوات أحادية الجانب، في إشارة للجوء السلطة الى المحافل الدولية وتدويل الصراع، ويوم أمس هدد الوزير شتاينتس بتفكيك السلطة إذا لم يتراجع أبو مازن عن الذهاب لمحكمة الجنايات الدولية.

ويبدو أن وزير الخارجية ليبرمان، الذي لم يُدع الى اجتماع الحكومة الذي ترأسه نتنياهو قبل أيام للرد على توجهات السلطة لأسباب تعود لتوتر علاقة نتنياهو مع ليبرمان، قام بعقد لقاء سري مع محمد دحلان – حسب الاذاعة العبرية – في باريس في إطار الحرب على عباس.

انفجار الأزمة
لعبة العلاقات العامة السياسية تحت غطاء المفاوضات التي استمرت لعقود طويلة وصلت الى نهايتها، وبات لابدّ من كسر قواعد اللعبة السياسية، وفي مقدمتها تغيير استراتيجية عباس التي قامت على ان المفاوضات المباشرة هي الخيار الرئيسي الوحيد، فأصبحت القيادة تتبنى خيارات أخرى أبرزها خيار تدويل الصراع بكل يستدعيه ذلك من تفعيل المواجهة الديبلوماسية والقانونية والمقاطعة ونزع الشرعية، بالإضافة للاقتراب أكثر من التبني الجدي لخيار المقاومة الشعبية والاقتراب أكثر من تفهم مراجعة الموقف من التنسيق الأمني، باعتباره ليس مقدساً يحرم المساس به.

من جانبها؛ إسرائيل وحكوماتها المختلفة استنفذت كل رصيدها من التلاعب وخداع الفلسطينيين والرأي العام الدولي، ولم يعد في جعبة سحرتهم ما يمكن ان ينجح في لعبة الخداع والتضليل وإضاعة الوقت؛ مما خلق لديهم أزمة حقيقية مع الوصول الى ساعة الحقيقة، وحيث لم يعد أمامهم متسع من الوقت للمزيد من المناورات، وبات لزاماً عليهم إعلان حقيقة نواياهم، فهل هم جاهزون لدفع استحقاقات التسوية أم يختارون استمرار الاستيطان والاحتلال؟ الأمر الذي أصبح يشكل أزمة حقيقية لكل المعسكر الصهيوني على اختلاف تلونه السياسي، أزمة مع الفلسطينيين الذين سئموا المناورات الاسرائيلية وكشفوها للعالم ولم يعد بوسعهم الاستمرار في اللعبة، وأزمة اسرائيل مع العالم الغربي الذي أصبح أكثر تفهماً للموقف الفلسطيني، ويقترب من بلورة سياسة أكثر حزماً تجاه إسرائيل.

التعنت الاسرائيلي وانكشاف حقيقة موقفهم من جهة، واضطرار القيادة الفلسطينية لتغيير أدواتها السياسية وتبني نهج سياسي جدي، بفعل العامل الاسرائيلي وعوامل داخلية؛ أدى الى الصدام وانفجار أزمة كبيرة.

الخيارات الإسرائيلية في مواجهة الأزمة
ليس أمام اسرائيل المتمسكة بالاحتلال والاستيطان والتنكر للحقوق الفلسطينية سوى المواجهة، سواء كان ذلك أثناء الانتخابات أو بعد تشكيل الائتلاف الجديد، فهي دولة لا تفهم الا لغة القوة ودفع الثمن، وطالما لم تدفع ثمناً جدياً وكبيراً لن تغير سياساتها ولن تتراجع عن مشروعها القائم على رفض دولة فلسطينية ذات سيادة على أراضي الـ 67 وعاصمتها القدس الشرقية المحتلة عام 67.

والمواجهة الاسرائيلية لتوجهات السلطة ستتم – حسب تقديرنا – على عدة مستويات تتصف بالشمول والمبادرة لتحقيق ثلاثة أهداف: ردع السلطة، واستبدال قيادتها، وتأكيد دورها الوظيفي الخدماتي لا تفكيكها.

مستوى العقوبات المباشرة
تجميد تحويل عائدات الضرائب هو أحد أبرز أشكال العقوبات الجماعية التي تسارع اسرائيل الى اتخاذها عادة، وقد جرى فرض هذه العقوبة مرتين سابقاً على الأقل، وكان آخرها نهاية 2012 بعد التوجه الفلسطيني الى الأمم المتحدة، وتصادفت في ذلك الوقت مع انتخابات للكنيست واستمرت التجميد قرابة أربعة أشهر، ولا نرجح هذه العقوبات هذه المرة طويلاً، وربما ستعيد إسرائيل تحويل الأموال بعد تشكيل الحكومة القادمة الذي قد يكون في شهر مايو أو يونيو القادم، فهي تدرك انها لا تمتلك أي شرعية لتجميد الأموال وأن العالم سيرى في هذه الخطوة شكلاً من أشكال القرصنة والسطو على أموال فلسطينية شرعية وقانونية، تتلقي اسرائيل نصيبها جراء جمعها وتحويلها يبلغ 3%.

على الرغم من ان اسرائيل تهدد علناً بأنها ستلجأ الى المزيد من العقوبات قد تؤدي الى تفكيك السلطة؛ فإن اسرائيل تجتهد لإخفاء حقيقة مخاوفها من انهيار السلطة، حيث لا زال بقاء السلطة يشكل مصلحة اسرائيلية عليا، فكما لا تريد اسرائيل العودة لاحتلال غزة فهي لا تريد أيضاً العودة لتحمل أعباء الاحتلال المباشر للضفة الفلسطينية، كما ان قرار تجميد تحويل الأموال انتقد من قبل الكثير من المحافل الأمنية الاسرائيلية باعتباره يشكل خطراً حقيقياً على قدرة أجهزة السلطة على الاستمرار في توفير الاستقرار والهدوء الأمنيين، وأحدهم شبه تجميد نقل الأموال بقطع غصن شجرة تجلس علية إسرائيل والسلطة معاً.

فلا إسرائيل ولا المجتمع الدولي يقبل بتفكيك السلطة، كل لأسبابه، إلا في حال التوافق على بديل يملئ الفراغ؛ بديل اقليمي يقبل أولاً ثم يكون جاهزاً ثانياً، ولا يبدو ان ثمة بديل جاهز على الأقل، ما يبقي إسرائيل مع خيار التأكيد على بقاء السلطة اقتراناً بدورها الوظيفي الخدماتي، فحرب اسرائيل تنحصر على الإبقاء على الدور الوظيفي للسلطة، كسلطة حكم إداري ذاتي على السكان وليس على الأرض والموارد.

سلة العقوبات المباشرة ربما تتضمن أيضاً سحب تسهيلات، وممارسة المزيد من تضييق حرية الحركة، وتصعيد الإجراءات الاحتلالية على الأرض، ومن بينها شرعنة بعض البؤر الاستيطانية والمزيد من مصادرة الأراضي والبناء الاستيطاني.

على المستوى القانوني
الطعن بقانونية انضمام فلسطين لمحكمة الجنايات الدولية باعتبارها ليست دولة تملك أرضاً وسيادة، بالإضافة الى دفع مؤسسات وأفراد من الأسرة الدولية لمحاكمة قيادات السلطة، وفي مقدمتهم الرئيس عباس باعتباره "زعيم كيان متحالف مع منظمة إرهابية" حسبما صرح نتنياهو.

على مستوى تغيير قيادة السلطة
اسرائيل التي تعجز عن تبرير سياساتها وتتهرب من تحمل مسؤوليات فشل المفاوضات؛ تلجأ عادة الى شخصنة الأزمة، هذا ما فعلته سابقاً مع الشهيد عرفات الذي اتهمته بالإرهاب وحملته مسؤولية فشل مفاوضات "كامب ديفيد"، وهي تلجأ اليوم لنفس الأسلوب مع الرئيس عباس بعد ان فشلت في تطويعه وثنيه عن توجهاته، وفي هذا السياق عملت منذ سنوات على التشهير به والطعن في جديته وفي قدرته الزعامية وشككت، فوصفته باللاسامي وباللاشريك، وبفرخ لم ينبت له ريش وبعديم القدرة وبإرهابي في بزة رسمية، وادعت كثيراً ان جيشها وأمنها هو الذي يؤمن لعباس الاستمرار في الحكم في مواجهة تهديدات حماس.

إسرائيل باتت على قناعة، في ظل رفضها لتغيير قواعد اللعبة، ان عليها ان تغير اللاعب الفلسطيني بلاعب جديد، وقد يتوافق معها مستقبلاً، وربما حتماً سيصل الى ما وصل اليه من سبقه، لكن اسرائيل تكون قد ربحت المزيد من الوقت الهام والثمين.