خبر : ساحة قتال حقيقية: استراتيجية الحرب القضائية الفلسطينية ..جلعاد شار

الأربعاء 31 ديسمبر 2014 03:14 م / بتوقيت القدس +2GMT
ساحة قتال حقيقية: استراتيجية الحرب القضائية الفلسطينية ..جلعاد شار



غزة سماأطلس للدراسات ترجمة خاصة
بالإضافة الى ساحات الحرب الكلاسيكية – الساحة العسكرية (التقليدية وغير التقليدية) والساحة السياسية المباشرة – تتطور بالتوازي معها ساحات حرب الانترنت والاقتصاد والاعلام، الغرض من جميع الساحات القتالية المختلفة هو تحقيق أهداف سياسية ودولية، الحرب الدائرة فيها جميعاً أو بكل واحدة منهن على حدة لأنها بحد ذاتها تستطيع الإضرار بإسرائيل بشدة، والى جانبها مجتمعة تطفو أيضاً الحرب القضائية الدولية، وإلى فترة وجيزة كانت أقل من غيرها جدوى، والفلسطينيون ومن يدعمونهم يحسنون استخدامها ضد إسرائيل بطريقة فعالة بتنفيذ الخطوات أو التهديد بتنفيذها.
ومن بين الكثير من الأمور يدور الحديث هنا عن قرارات في المجمع الاقتصادي، ولجان الامم المتحدة، وتعيين تقارير خاصة بالأمم المتحدة بشأن "المناطق المحتلة"، وتشكيل لجان تحقيق للتحقق من النشاطات العسكرية الاسرائيلية وشكاوى قضائية مدنية وجنائية في المحاكم الدولية في جميع أنحاء العالم، من خلال استغلال الصلاحيات القضائية العالمية والتوجه الى المؤسسات القضائية مثل محكمة العدل الدولية ومحكمة الجنايات الدولية.
الأحداث القضائية والدولية المتتالية في الأسابيع الأخيرة تظهر تمسك السياسة الدولية بالقوانين التي تخدم نزع الشرعية عن دولة إسرائيل بشكل جيد وتهوي بمكانتها الدولية، والتي تكون أحياناً كثيرة التكرار، لقد ضبطت هذه الخطوات إسرائيل بينما لم تكن مستعدة، تُجر الى الرد بطريقة غير كافية.
في الـ 17 من ديسمبر 2014، نشر تصريح من قبل الدول الأعضاء في ميثاق جنيف الرابع بعد ان قررت سويسرا وهي (الدولة المؤتمنة على تطبيق ميثاق جنيف) دعوة الدول للمؤتمر رغم جهود اسرائيل والولايات المتحدة لمنع انعقاده، وكانت هذه هي المرة الثالثة منذ العام 1949 الذي اجتمعت فيه الدول الأعضاء؛ والاجتماعان السابقان كانا في العام 1999 والعام 2001، وفي جميعها بمحور المؤتمرون حول اسرائيل والمناطق الفلسطينية المحتلة، وكان اجتماع الدول الاعضاء بعد التشاور المستمر مع الدول الأعضاء بما يناسب قرار الهيئة العامة للأمم المتحدة رقم 10/64 في الخامس من نوفمبر 2009.
قرار الهيئة العامة هذا اتخذ إثر عملية "الرصاص المصبوب"، وأوصى من بين ما أوصى باجتماع الدول الأعضاء بهدف اتخاذ خطوات لفرض ميثاق جنيف الرابع على المناطق الفلسطينية المحتلة، التقارير الخاصة بالمناطق ولجان التحقيق التي شكلت ضد اسرائيل دعت هي الأخرى، وعلى طول السنين وبشكل خاص، وفي ذات الوقت الى اجتماع اللجنة، غير ان جهود الكبح الدبلوماسية الواسعة التي قامت بها اسرائيل وحليفاتها في نفس الفترة، وبعد ذلك بعام أيضاً في الامم المتحدة، وكذلك جهود الاقناع الني بذلتها الدول الأعضاء أدت الى الغاء الاجتماع، وهذه المرة أعلنت سويسرا انه "بالتشاور خلال الأربعة أشهر الأخيرة كانت الكلمة الإقليمية الأخيرة للدول الأعضاء التي طالبت بالاجتماع، ومثلما حدث في العام 1999 وفي العام 2001 لبعض الدول التي أبدت معارضتها للمشاركة في المؤتمر"، وما عدا الاعلان الرسمي الذي نشر بعيد انتهاء المؤتمر، والذي ينتقد إسرائيل فإن المؤتمر نفسه، وكما هو يظهر مدى خسارة اسرائيل للتأييد والدعم المهمين من قبل الكثير من الدول الأوروبية، ويدل على مواصلة تدهور مكانتها الدولية.
جانب آخر لما يدور في الساحة القضائية الدولية تبدى هو أيضاً في الـ 17 من ديسمبر؛ محكمة العدل الأوروبية قررت إخراج حماس من قائمة التنظيمات الإرهابية، وجاء في اعلان الاتحاد الأوروبي ان القرار مبني على سوابق إجرائية ولا تحتوي على أي تقييم للمحكمة متعلقة بالظروف الأساسية لوضع حماس على قائمة التنظيمات الإرهابية، "انه قرار قانوني من قبل المحكمة، وليس قراراً سياسياً لحكومة الاتحاد" هكذا أوضحوا الأمر، ولكن هذه الخطوة تفصح عن استخدام آخر للأدوات القضائية، وهذه المرة من قبل تنظيم حماس الذي توجه الى محكمة العدل بشكوى ضد قرار الاتحاد بوضعه على قائمة التنظيمات الإرهابية.
واقعة ثالثة توجت الاجراءات القضائية الدولية في الـ 17 من ديسمبر، وهي تقديم الاقتراح الفلسطيني لمجلس الأمن رغم الجهود الدبلوماسية الحثيثة التي قامت بها اسرائيل لمنع حدوث ذلك في الدقيقة الأخيرة؛ هذا الاقتراح الذي قدمته الأردن يدعو الى الاعتراف بالدولة الفلسطينية على حدود العام 67، وإلى انهاء الاحتلال الاسرائيلي خلال عامين، بعد ان أجريت عليها عدة تعديلات؛ قدمت مسودة المقترح النهائية الى مجلس الأمن في الثلاثين من ديسمبر، ولكن ما يزال من غير الواضح فيما إذا كان لهذا المقترح أغلبية بين أعضاء المجلس، وكيف ستتصرف الولايات المتحدة أثناء التصويت عليه في المجلس.
ومع ذلك، فإذا كان المقترح الفلسطيني في نهاية الأمر لن يمرر في مجلس الأمن؛ فإن هناك في واقع الأمر تقديم الحملة التي سبقته بهدف التسبب بضرر سياسي واعلامي كبير لدولة إسرائيل، والتي اضطرت مرة أخرى إلى الدفاع عن نفسها في مواجهة مبادرات الطرف الآخر، والتي تضاعف من خطوات نزع الشرعية الدائرة في حقها، ويجب ان نذكر ان هذا المقترح جاء على خلفية تآكل قرارات تتضاعف كل يوم في البرلمانات الأوروبية التي اعترفت بالدولة الفلسطينية، وتشارك في هذا التآكل دول أوروبية صديقة لإسرائيل مثل اسبانيا وايرلندا والسويد وبريطانيا وفرنسا والبرلمان الأوروبي.
في حال الاعتراف بدولة فلسطين حسب قرار مجلس الأمن؛ فإن لذلك انعكاسات داخلية ودولية مهمة وحقيقية على الموقف من الاتفاقيات التي وقعت بين اسرائيل ومنظمة التحرير، وعلى موقف اسرائيل القانوني في المناطق، ولا سيما المستوطنات المقامة على أراضي الصفة الغربية، وسينبع من موقف الدولة الفلسطينية آثار بعيدة المدى في مجال المواطنة وإنشاء الجيش، والانضمام الى المؤسسات الدولية والمنظمات الدولية والحد من الصلاحيات الاسرائيلية في المناطق، وخصوصاً في المجال الجوي والطيف الكهرومغناطيسي والمدى البحري، وأمور أخرى كثيرة، هكذا سيحقق الفلسطينيون عدداً كبيراً من الانجازات التي لم يسبق لهم ان طلبوها من إسرائيل، وليس من خلال المفاوضات طبعاً.
على خلفية هذا كله؛ هناك التهديد المتواصل بإجراء المزيد من الخطوات القانونية ضد إسرائيل، ضد الضباط الكبار من الجيش الإسرائيلي، وضد مسؤولين كبار في الحكومة بهدف تقديمهم للمحاكمة في المحاكم الدولية أو المحلية، يبدو ان الفلسطينيين ينتظرون ساعة الصفر لكي يطلبوا تدخل محكمة الجنايات الدولية ضد اسرائيل (سواء بالانضمام الى ميثاق روما أو بتقديم الاعلان المخصص لتلقي المستندات القضائية كما حدث في العام 2009).
يمكن تقدير الأسباب التي أدت بالفلسطينيين الى القيام بمثل هذا التدخل من قبل محكمة الجنايات الأممية بالمستوطنات والعمليات العسكرية الاسرائيلية في المناطق الفلسطينية منذ العام 2012 (موعد الاعتراف بفلسطين كدولة مراقب في الهيئة العامة للأمم المتحدة)، وخصوصاً عمليتي "عامود السحاب" و"الجرف الصامد"، بالنسبة للحرب الأخيرة في غزة فقد شكلت منذ فترة لجنة تحقيق تابعة لمجلس حقوق الانسان "لجنة شاباس"، والتي من المتوقع ان تنشر نتائج تحقيقها في الأشهر القليلة القادمة.
وزن القضاء الدولي ازداد كثيراً في السنوات الأخيرة كجزء من خطوات الرئاسة والعولمة، وكعمل ناتج عن تضاعف تدخل المجتمع الدولي في المناطق السيادية لبعض الدول، وها هي اسرائيل على وجه الخصوص، والملتزمة بشكل وثيق بالقانون الدولي، تجد نفسها متعرضة لهجوم لا سابق له مستنداً الى حملة محكمة التدبير.
وكما شهدنا في العمليات العسكرية الأخيرة في غزة، وخصوصاً عملية "الجرف الصامد" وما تلاه من القتال التقليدي الدائر في منطقة حضرية مزدحمة بالسكان؛ كل ضحية – إسرائيلية أو فلسطينية – تخدم الفلسطينيين الذين تعلموا الاستفادة من الانجاز على الجبهة السياسية والاعلامية لصالحهم، الجبهة القضائية المحكمة المنضمة الى تلك الجبهات هي أيضاً ساحة مواجهة بكل ما تعنيه الكلمة، وفي الأساس فإنها بالنسبة للفلسطينيين استراتيجية وعقيدة قتالية تتضمن خطوات تكتيكية واستراتيجية في مسيرة القتال ذاتها؛ بل وأكثر باستخدام التلاعب والتخصصات وأكوان من المحتويات الأخرى مثل الدبلوماسية الفاعلة والاعلام الجماهيري والاستخبارات والتحريض والمقاطعة والعقوبات أمام هذه الجبهة المتحدية تبدو إسرائيل غير مستعدة، ولا مختصة بوضوح.
حرب القانون المنظمة الدائرة ضد إسرائيل تلزمها بالتعامل المناسب والاستعداد والمبادرة الخلاقة، وتكون الحكومة الاسرائيلية قد أحسنت فعلاً إذا اتخذت في المقابل مبادرة سياسية أيضاً لإنهاء الصراع، وألا تبدو كمن مهمته الأساسية هي مواجهة الهجمات وصد المحاولات الآخذة في التنامي لفرض اتفاق ملزم عليها؛ من أجل ذلك ان تبلور سياسة راقية تنفذ تدريجياً كمحادثات اقليمية متعددة الأطراف ومفاوضات ثنائية مع الفلسطينيين، وكذلك خطوات مستقلة لترسيم حدود الدولة حول بيت قومي ديمقراطي آمن للشعب اليهودي، مكونات هذه الصيغة يمكن ان يعبر عنها عبر جهود متوازية ومتبادلة ويكمل بعضها بعضاً، وبكل خطوة منها يمكن التقدم بخطوات مؤقتة وفترات انتقالية تسبق اتفاق جزئياً، وواقع حل الدولتين لشعبين، حتى في ظل عدم وجود اتفاق طويل الأمد.
مركز دراسات الأمن القومي - مبات عال