رام الله – بديعة زيدان
في بيان تم تداوله بكثرة على المنتديات الجهادية في نهاية تشرين الثاني (نوفمبر) 2014، صادر عن ما يطلق على نفسه «مجلس شورى المجاهدين في أكناف بيت المقدس»، مدحت مجموعات سلفية جهادية في غزة ثلاثة من الجهاديين السلفيين الذين قتلوا خلال اشتباكات مع قوات الاحتلال الإسرائيلية قرب الخليل في 26 من الشهر نفسه. وأشاد البيان في حينه، بمن وصفهم بالشهداء الثلاثة في الخليل، وهم: موسى عبد المجيد فناشة، ومحمود خالد النجار، ومحمد نيوروخ (خلية يطا)، واصفينهم بـ «الأنقياء الأطهار»، وأن رفاقهم سيجعلون «اليهود يتذوقون طعم الموت بنكهة السلفية الجهادية»، وهو البيان ذاته الذي أكد نشوء «مجموعة من المجاهدين جاءت لتعلن بوضوح أن اليهود سيتذوقون طعم الكون بنكهة السلفية الجهادية».
وقالت مصادر عسكرية إسرائيلية، إنها لم تكن على علم بأية صلات مباشرة بين الجهاديين الثلاثة في الضفة الغربية والجماعات الجهادية في غزة، بينما حذر بيان جديد للمجموعة نفسها (مجلس شورى المجاهدين في أكناف بيت المقدس)، بأن «الجهاد ماض إلى يوم القيامة»، وأن «الجهاد ضد الطغاة في السلطة الفلسطينية مشروع». ولفت البيان إلى أن «طريق السلفية الجهادية انتشر في الضفة الغربية»، وأن «الشهداء الثلاثة ليسوا سوى جزء صغير من بنية السلفية الجهادية في الضفة الغربية»، وأن «ما هو مخفي أعظم»، داعياً المسلمين في الضفة للتوحد وإثبات أن هذا التيار بات «يضم رجالاً يحبون الموت في سبيل الله».
وأشار مصدر أمني فلسطيني، إلى أن أعضاء سابقين في حركة «حماس»، باتوا يطلقون على أنفسهم «مجلس شورى المجاهدين في أكناف بيت المقدس»، وهو اسم تجتمع تحت إطاره عدد من الجماعات السلفية الجهادية العاملة في قطاع غزة، ولا تقتصر على «التوحيد الجهاد في القدس، وجماعة الشيخ أنس عبد الرحمن»، وأن الفريق يهدف إلى «محاربة اليهود لعودة حكم الإسلام، وليس فقط في فلسطين، بل في جميع أنحاء العالم»، كما جاء في اعترافاتهم.
ويرى خبراء ومحللون أنه في ظل الركود السياسي الحالي، والانقسام بين حركتي فتح وحماس، قد يحاول الشباب التنفيس عن غضبهم، من خلال تنظيم صفوف المقاتلين على المستوى المحلي، أو عبر بناء روابط مع مجموعات جهادية تعمل في البلدان المجاورة، واللافت أنهم يقاتلون الاحتلال، ويتخذون مواقف عدائية من فتح وحماس على حد سواء، ما جعلهما عرضة للاستهداف من الجانبين في الضفة والقطاع. ويرى خبراء نفسيون أن الشباب بدأوا يتجهون إلى هذه الجماعات من باب فقدان الأمل، وكأنه «نوع من الانتحار»، وليس بالضرورة «من باب القناعة»، لدرجة أن «داعش» بات ظاهرة تهكمية في المجالس وحتى في برامج الكوميديا الفلسطينية.
وساهمت عوامل كثيرة في دفع الشباب إلى التمرد على حركة «حماس» والتوجه نحو الحركات السلفية الجهادية ذات الفكر الداعشي، أو التي تقترب منه، ومنها قرار الحركة المشاركة في الانتخابات الفلسطينية عام 2006. ثم وبعد فوزها بالانتخابات، عادت وخسرت العديد من أفرادها اعتراضاً على المشاركة السياسية في عملية ديموقراطية ضمن سقف اتفاقيات أوسلو، وهو ما كانت رفضته حماس نفسها في انتخابات 1996.وعلى رغم عدم تصريحه للإعلام بهذا الخصوص، كان اللواء عدنان الضميري، الناطق باسم الأجهزة الأمنية الفلسطينية، كتب على صفحته في «فايسبوك»، أن الاحتلال يهول في شأن ما يحدث في الضفة عبر تقديم «روايات إعلامية يستفيد منها وجود القاعدة والسلفية الجهادية في فلسطين»، في حين قال خالد عمايرة الخبير في الحركات الإسلامية إن «المجموعات الجهادية في غزة أفلحت في إيجاد نواة في الضفة الغربية، لكننا لا نعلم إن كانت مسلحة أم لا، أم أنها تقوم فقط بتجنيد الأنصار المتبنين للأفكار الجهادية. وكان خرج في غزة، قبل الحرب الأخيرة، مقاتلون ملثمون يرتدون الزي العسكري، ويرفعون رايات سوداً كتب عليها «لا إله إلا الله»، وقالوا إنهم من جماعة تحمل اسم «النصرة المقدسية للدولة الإسلامية»، معلنين ولاءهم لـ»داعش». وقال حسن جبر المتخصص في شؤون الحركات الإسلامية: «وفق قائد سلفي في غزة، فضل عدم ذكر اسمه، فإن «داعش» ظهرت في غزة، وتعمل بسرية كبيرة، وتمتلك أسلحة متطورة، وتكونت من شبان رأوا فيها التيار الأقرب إلى تنظيم «القاعدة»، بل إن عدداً منهم قاتل في سورية بالفعل.
ولعل في حكاية الشاب الذي كنى نفسه بـ»أبو بكر الأنصاري»، ما يختصر حكاية «داعش وأخواته» في غزة، وربما في الضفة، وإن كانت أقل انتشاراً. فهو عضو سابق في حركة حماس، بل في جهازها العسكري، وما أن قررت الحركة المشاركة في انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني (البرلمان)، حتى قرر هو ومجموعات كبيرة من جيل الشباب الانفصال عن الحركة التي قال إنها «رفضت الاستماع إلى نصائح الغيورين عليها»، مشيراً إلى أنهم جوبهوا بحملات تشويه كبيرة من القيادات لا سيما بعد أن دعا المنفصلون، وهو واحد منهم، إلى عدم المشاركة في الانتخابات.
ولذلك اتبع هؤلاء المنهج السلفي الجهادي اعتماداً على منهج القيادات العسكرية السابقة في كتائب القسام (الجناح العسكري لحركة حماس)، وعلــــى رأسهم إبراهيم المقادمة. ولا يغفل الشـــاب الحديث عن المعارك العسكرية بين فصائل السلفية الجهادية وقوات حماس، وكيف اعتقل أكثر من مرة في سجون غزة، وتعرض للتعذيب، مؤكداً أنـــهم نجحوا في تشكيل كيان موحد للسلفية الجهادية في غزة، يهدف إلى إقامة دولة الخلافة الإسلامية مهما كانت الظروف.


