غزة سمانظمت مؤسسة الضمير لحقوق الإنسان وشركائها في الشبكة الأهلية لحماية الحق في حرية تشكيل الجمعيات، شبكة المنظمات الأهلية، مؤتمرها السنوي الرابع الذي عالج قضية (انضمام فلسطين للعهدين الدوليين وأثر ذلك على أعمال الحق في حرية تشكيل الجمعيات والانضمام إليها) وذلك يوم الأربعاء الموافق 24 ديسمبر (كانون الأول) 2014 في قاعة فندق الكومودور، بمشاركة ما يزيد عن 350 مشارك من بينهم شخصيات عامة، وممثلين ونشطاء في الجمعيات والمنظمات الأهلية الفلسطينية، ولفيف من الشباب والشابات الجامعيين والمجموعات الشبابية المختلفة.
هذا، ويأتي المؤتمر تنفيذاً لأحد أهم أنشطة مشروع ممول من الاتحاد الأوروبي، بعنوان " المساهمة في احترام وحماية وتعزيز الحق في تشكيل الجمعيات والانتماء إليها في قطاع غزة ". وكذلك في إطار تنفيذ الضمير لبرنامج حماية المؤسسات الممول من سكرتارية حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني.
أجندة المؤتمر تضمنت ثلاثة جلسات رئيسه، سبقها جلسة افتتاحية ترأستها الأستاذة نادية أبو نحلة، مدير عام طاقم شؤون المرأة، الجلسة الافتتاحية اكتسبت أهمية خاصة وعالية لما تتضمنه من كلمات قدمها على الترتيب كلا من الأستاذ: خليل أبو شماله، مدير عام مؤسسة الضمير لحقوق الإنسان، والأستاذ محسن أبو رمضان، رئيس مجلس إدارة شبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية بغزة، والأستاذ جواد حرب، من سكرتارية حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني.
اتفق جميع المتحدثين في الجلسة الافتتاحية على أهمية موضوع المؤتمر، خاصة انعقاده في هذا الوقت بالتحديد كونه يأتي استجابة للحاجة الفلسطينية التي تقضي لضرورة تسليط الضوء ومناقشة هذه القضية، خاصة عقب نيل فلسطين عضوية الأمم المتحدة بصفتها دولة مراقباً، وما أعقب ذلك من انضمام فلسطين إلى عدد من الاتفاقيات الدولية المعنية بحقوق الإنسان وبشكل خاص العهدين الدوليين الخاصين بالحقوق المدنية والسياسية، وبالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وبدء حكومة الوفاق الوطني عملها وخاصة دورها المتنظر في معالجة ومراجعة التشريعات والسياسات الفلسطينية المختلفة لتكون أكثر انسجاما مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان، وقد أكد المشاركين على مطالبتهم رئاسة الحكومة الفلسطينية لضرورة إعادة النظر في قرارها المتعلق بتشكيل لجنة وزارية لإعادة النظر في التشريعات التي صدرت في المحافظات الجنوبية ليمتد ويشمل القرار كافة التشريعات التي صدرت خلال فترة الانقسام في كل من قطاع غزة والضفة الغربية وأن يوسع بعضوية اللجنة لتضم ممثلين عن المنظمات الاهلية المختصة وأن يحدد إطار زمني يحكم عملها، وذلك لضمان تمتع المواطنين بحقوقهم كافة التي تضمنتها الاتفاقيات الدولية المعنية بحقوق الإنسان.
بدأت فعاليات الجلسة الأولي للمؤتمر التي حملت عنوان " الوضعية الجديدة لفلسطين في الأمم المتحدة وانضمامها للاتفاقيات الدولية " برئاسة الأستاذ سامر موسى، محامي مؤسسة الضمير لحقوق الإنسان، هذه الجلسة، وقد تضمنت عرض وتقديم ورقتين عمل، قدم الأستاذ كارم نشوان، الورقة الأولي المعنونة بـ" طبيعة الالتزامات الواقعة على دولة فلسطين بعد انضمامها إلى العهدين الخاصين بالحقوق السياسية والمدنية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. "، فيما قدم الدكتور محمد أبو سعدة، ورقة عمل بعنوان " الواجبات الملقاة على عاتق دولة فلسطين بعد انضمامها إلى العهدين الخاصين بالحقوق السياسية والمدنية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية".
أتفق المتحدثون أن حصول فلسطين على دولة مراقب في الامم المتحدة له العديد من التبعات القانونية على مستوى القانون الدولي، منها تغيير المركز القانوني لدولة فلسطين، وأيضاً تغيير أسم فلسطين في هيئة الأمم المتحدة من كيان إلى دولة عضو بصفة مراقب، وهو ترفيع داخل منظومة الأمم المتحدة.
كما أكد المشاركون على انضمام فلسطين إلى العهدين الدوليين يلقي على عاتق الدولة الفلسطينية مسؤوليات مختلفة يتمثل أهمها بضرورة العمل على تقديم التقارير المختلفة إلى اللجان التعاقدية لهذه الاتفاقيات، فضلا عن ضرورة الحرص على مراجعة التشريعات الفلسطينية لضمان انسجامها مع المعايير الدولية، واتاحة الفرصة للقضاء الفلسطيني وكذلك الشكاوى الفردية أمام الجهات الدولية التعاقدية لاستقبال ومعالجة شكاوى المواطنين حول عدم تمكينهم من ممارسة حقهم في تكوين الجمعيات وعملها دون تدخل الجهات الحكومية.
" اليات إدماج معايير حقوق الإنسان الواردة في العهدين في التشريعات والسياسات الفلسطينية " كان عنوان الجلسة الثانية التي ترأستها الأستاذة هالة القيشاوي، من مركز شئون المرأة، وقد تضمنت ورقتين عمل، قدم أولها الأستاذ محمد أبو هاشم، الباحث القانوني في المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، وقدم الورقة الثانية الدكتور عدنان الحجار، مدير السياسات والدراسات في مركز الميزان لحقوق الإنسان، عالجت الورقتين قضية آليات إدماج معايير حقوق الإنسان الواردة في العهدين في كلا من التشريعات و السياسات الفلسطينية لضمان حماية وتعزيز الحق في حرية تشكيل الجمعيات الخيرية.
أستعرض المتحدثون في هذه الجلسة الكثير من التشريعات والسياسات الفلسطينية المطبقة في كلا من قطاع غزة والضفة الغربية بحق عمل الجمعيات الخيرية، مؤكدين إنها بحاجة ماسة للتعديل، حيث أنه مع مرور اربعة عشر عاما على نفاذ قانون الجمعيات الفلسطيني، فأن هذه الفترة الزمنية كافية باعتقادهم لإعادة النظر في هذا القانون وغيرها من التشريعات والقرارات والسياسيات الفلسطينية المعلنة وغير المعلنة بحق الجمعيات، وأن انضمام فلسطين للعهدين من شأنه أن يعطي ويمنح مطالبات المجتمع المحلي بمراجعة القوانين والسياسيات الفلسطينية طابعا قانوناً لممارسة الضغط على الجهات المختصة الفلسطينية لقيام بواجباتها لضمان الحق في حرية تشكيل الجمعيات الخيرية، وقد استعرض المتحدثون الكثير من السياسيات التنفيذية لوزارة الداخلية وغيرها من الجهات الحكومية على مدار سنوات الانقسام الداخلي الفلسطيني التي عرقلة حق المواطن الفلسطيني بحرية تشكيل وعمل الجمعيات الخيرية والانتماء إليها، مؤكدين على أهمية امتثال دولة فلسطين للمعايير الدولية التي تضمنها العهدين، وبالبدء الفوري بإدماجها في التشريعات الفلسطينية المختلفة.
الجلسة الثالثة ترأسها الأستاذ أمجد الشوا، المدير التنفيذي لشبكة المنظمات الأهلية في قطاع غزة، تعالجت قضية، سبل التصدي للعقبات وتحسين تمتع المواطن الفلسطيني بحقوقه المنصوص عليها في العهدين الدوليين بما يخص الحق في حرية تشكيل الجمعيات الخيرية، عرض كلا من الأستاذ جميل سرحان، مدير برنامج غزة في الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان، والأستاذ إبراهيم أبو شمالة، نائب مدير برنامج سيادة القانون , برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، ورقيتن عمل تناولت الاولي بيان العقبات المادية والقانونية، والثانية دور المجتمع المدني والأهلي في حث السلطات لوضع أو تنقيح التشريعات والسياسات والمعايير والآليات التنظيمية الخاصة بالحق في حرية تشكيل الجمعيات .
أكد المشاركون في هذه الجلسة على أنه بالرغم من ندرة الشكاوى التي تلقتها الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان من قبل المواطنين في قطاع غزة والضفة الغربية في العام 2014 مقارنة بالأعوام الماضية إلا أن ذلك لا يعني عدم وقوع انتهاكات بحق الجمعيات وممثليها إلا ان مرد ذلك باعتقاد المشاركين قيام المواطنين برقابة ذاتية تخضع لذات المعايير التي تفرضها وزارة الداخلية، مطالبين بضرورة إعادة النظر في السياسات والتشريعات الفلسطينية المختلفة وبشكل خاص جملة القرارات والتشريعات التي صدرت في فترة الانقسام.
وكذلك اتفق المشاركون على أن القانون الوطني المتعلق بعمل الجمعيات الخيرية قدد عزز الرقابة الرسمية الخارجية على عمل الهيئات الأهلية من قبل وزارة الداخلية أو من قبل وزارات الاختصاص التي تتبع لها الهيئات الأهلية في نشاطاتها، وبالتالي يمكن تفسير هذه النصوص في غير مكانها واستخدامها من قبل هذه الوزرات كأدوات لتقييد العمل الأهلي تبعا للمناخ السياسي الذي يحكم تشكيل الحكومات، على حساب المسائلة داخل هذه المنظمات، كما غيبت المجتمع كلاعب أساسي في هذا الموضوع، مما يجعل الهيئات الأهلية تتعامل مع مسائل الشفافية والمسائلة بوصفها أدوات للرقابة الحكومة وليست وسيلة للحكم الصالح داخلها.
أما فيما يخص دور الجمعيات في تنقيح التشريعات فقد طالب المشاركون بضرورة تبني المنظمات الأهلية الفلسطينية لاستراتيجية عامة هادفة إلى "تعزيز مكانة المجتمع المدني في الحوار العام وتطوير وتنفيذ استراتيجيات تنموية بالتكامل مع استراتيجيات السلطة الفلسطينية وأنشطتها" وعلى هذا الأساس تم تحديد ثلاث استراتيجيات رئيسية بصدد تحقيق هذه الأهداف، وهي: دعم انتقال التركيز في عمل منظمات المجتمع المدني من تقديم الخدمات إلى الحوكمة وما قد يتطلب ذلك من زيادة انخراط المنظمات في عملية وضع السياسات العامة، والرقابة على تنفيذ السياسات وإدارة الخدمات العامة، علاوة على المشاركة في إطلاق الحوار ودعم المشاركة المجتمعية العامة في عملية صنع القرار.
مع ضرورة دعم إدماج المنظمات القاعدية في المجتمع المدني وتحسين علاقاتها مع منظمات المستويين الأول والثاني، خاصة من خلال التوصل إلى وضع رؤية مشتركة للمجتمع الفلسطيني، وتعزيز علاقات التعاون بين منظمات المستويات المختلفة، وزيادة الاعتراف بمنظمات المستوى الأول بوصفها قطاعا فاعلا ومستقلا، دعم إيجاد فضاء خاص بوضع الأجندات المحلية والحوار بشأن السياسات العامة والتي تقوم من خلالها هذه المنظمات بتمثيل وجهات النظر المجتمعية على مستوى القاعدة.
وتجدر الإشارة أنه في إعقاب كل جلسة كان المشاركون ينقشون بجدية الأفكار التي تم تداولها، حيث بلغت عدد المداخلات خلال الجلسات الثلاثة قرابة 40 مداخلة، ساهمت فعلا في إجراء مناقشة ومراجعة دقيقة لواقع الحق في حرية تشكيل الجمعيات الخيرية والهيئات الأهلية، وكشفت المناقشات عن عمق تطلعات ممثلين المنظمات الأهلية والشباب الفلسطيني لقانون وطني معاصر يضمن لهم ممارسة عملهم في الجمعيات بحرية مسؤولة، وينسجم مع المعايير الدولية الواردة في العهدين، وتطلعهم لتطبيق سياسات فلسطينية جديدة ترتكز على تجاوز التجارب السيئة الماضية وتحمل افاق تعاون و شراكة وتكامل فيما بين الجمعيات الخيرية والهيئات الأهلية و الجهات الحكومية والفلسطينية، و مداخلات الجمهور لم تخلو من مطالبة المجلس التشريعي الفلسطيني للانعقاد بصورة قانونية لممارسة دورة الرقابي على الجهات التنفيذية أثناء تنفيذها لقانون الجمعيات، وكذلك تطلعهم لقيام الجهات القضائية الفلسطينية بدورها المناط بها باعتبارها حارسة القانون وحامية حقوق الإنسان.
تجدر الإشارة، أن مؤسسة الضمير لحقوق الإنسان ستقوم بطباعة أوراق العمل والمناقشات التي جرت خلال المؤتمر وتوزيعها على جميع المشاركين خلال الربع الأول من العام 2015.



