تحولت جماعة الحوثيين في اليمن منذ سبتمبر (أيلول) 2014، إلى القوة الوحيدة التي تتحكم بمقاليد حكم البلاد، بعد أن كانت طوال عقد من الزمان جماعة متمردة ومطاردة من قبل الدولة التي خاضت معها 6 حروب، قتل فيها آلاف اليمنيين، وتغلغلت الحركة رويدا رويدا بعدها، إلى مؤسسات صنع القرار، مرتكزة على قوتها العسكرية وتحالفاتها السياسية مع الرئيس السابق علي عبد الله صالح الذي كان يحكم البلاد منفردا قبل 2011، فضلا عن استغلالها للسخط الشعبي ضد الحكومة السابقة بسبب الأزمات المفتعلة التي ضيقت من حياتهم المعيشية وخلفت رأيا عاما ضدها. خلال 4 أشهر فقط، حققت هذه الجماعة الشيعية المدعومة من إيران، ما لم تكن تحلم به، فقد أحكمت قبضتها على 7 مدن في شمال البلاد أهمها العاصمة صنعاء وميناء الحديدة الاستراتيجي على البحر الأحمر، حتى أصبحت بحلول نهاية العام الحالي، تمارس سلطات الدولة الأمنية والإدارية والمالية، وتحولت إلى دولة داخل الدولة، لها ممثلون ومندوبون في كل وزارة ومؤسسة حكومية ومعسكر للجيش والأمن، وكل ذلك عمل على إعادة رسم الخارطة السياسية العسكرية والاجتماعية، في بلد يعد الأفقر والأكثر فسادا على مستوى العالم.
انطلقت الرصاصة الأولى في معركة الاستحواذ على السلطة، من بلدة دماج السنية، في أقصى شمال اليمن، وخاضت الحركة الحوثية هناك مواجهات مسلحة مع مقاتلين من مركز «دار الحديث» السلفي انتهت في يناير (كانون الثاني) 2014، بطرد أبناء دماج وجميع الطلاب الذين كانوا يدرسون في المركز إثر اتفاق توصلت إليها لجنة رئاسية بين الطرفين، بعدها جاء الدور على قبيلة حاشد المشهورة، بمحافظة عمران التي كانت مسرحا لأشد المعارك قوة، وكان يقود مقاتلي حاشد أشقاء شيخ القبيلة صادق الأحمر، من أمثال حمير وحسين وهاشم، وغيرهم، لكنهم خسروا المعركة بعد أن نجح الرئيس السابق في شق صفوف قبيلة حاشد، عبر استخدام المشايخ القبليين الموالين له، حيث تخلى كثير منهم عن أولاد الأحمر الذين وجدوا أنفسهم وحيدين في ساحة المعركة، وأجبرهم ذلك على الانسحاب من خروجهم من معقل القبيلة التاريخي في منطقة «العصيمات»، كما شهدت منازل آل الأحمر حملة انتقام من قبل الحوثيين الذين اقتحموا منازل زعيم القبيلة الراحل الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر، ونهبوا محتوياته، قبل أن يقوموا بتفجيره تعبيرا عن النصر وكوسيلة ترهيب ضد خصومهم الأخيرين.
لم تتوقف الحركة الحوثية عن السيطرة على معاقل قبيلة حاشد، بل أصبحت تنظر إلى الوضع من منظور القوة القادمة، واستمرت في التمدد نحو مدينة عمران البوابة الشمالية للعاصمة صنعاء، فخاضت معارك عنيفة مع اللواء 310 الذي يقوده العميد حميد القشيبي المعارض للحوثيين واستمرت 4 أشهر، وكان مبرر الحركة محاربة الفساد وتغيير قيادات محلية وعسكرية، وبحسب شهادات لقيادات عسكرية وحكومية، فقد شارك مع الحوثيين المئات من ضباط وجنود ينتمون إلى قوات الحرس الجمهوري المنحل، الموالي للرئيس السابق علي عبد الله صالح، إضافة إلى مسلحين ينتمون إلى حزب المؤتمر الشعبي العام.
وفي يوليو (تموز) سيطر الحوثيون على عمران وقتلوا العميد حميد القشيبي وقاموا بالتمثيل بجثته، ونهبوا معسكرات الجيش ومنازل قيادات عسكرية وقبلية، كما عينوا قيادات موالية لهم. كما خاضت الجماعة بالتزامن مع حرب عمران مواجهات عنيفة بمحيط العاصمة صنعاء مع قبيلة همدان ومقاتلين قبليين في منطقة بني مطر، وتمكنت ميليشيات الحوثي من السيطرة عليها بقوة السلاح ودعم مشايخ قبليين موالين للنظام السابق، الذين كانوا يمهدون الطريق أمامهم للاقتراب من صنعاء عبر اتفاقيات قبلية تسمى «الخط الأسود» وهو اتفاق يسمح لمسلحي الحوثي المرور بالمنطقة بجميع أسلحتهم وعدم قطع الطريق أمامهم.
وقد رفض زعماء قبائل هذه الاتفاقيات وخاضوا مواجهات عنيفة مع الحوثيين على مشارف صنعاء، وبسبب فارق القوة بين الطرفين لصلح الحوثيين حقق الأخير انتصاره على قبيلة همدان.
وفي كل مرة يسيطر الحوثيون على منطقة يقوم مسلحوهم بنهب منازل وممتلكات خصومهم وأغلبهم زعماء قبليون رفضوا التحالف مع الجماعة، مما جعل منازلهم هدفا للتفجير والهدم وهو أسلوب اتبعوه في كل حروبها، ويتضمن أيضا تفجير المساجد والمدارس ومركز تحفيظ القرآن الكريم التي يعتبرونها مراكز لمن يسمونهم التكفيريين وهو الوصف الذي يطلقها الحوثيون على كل من يعترض طريقهم.
المرحلة الثانية
اتجهت أنظار زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي، بعد عمران، صوب العاصمة صنعاء، حيث أعلن في 17 أغسطس (آب) ، عن حركة احتجاجية ضد الحكومة، وحددوا لهم 3 مطالب هي: «تغيير الحكومة، ومحاربة الفساد، وتشكيل حكومة كفاءات»، ونصبوا 8 مخيمات اعتصام لمسلحيهم الذين حاصروا صنعاء من مختلف الجهات مدججين بمختلف أنواع الأسلحة، حيث تركزت المخيمات بالقرب من معسكرات الحرس الجمهوري في مناطق الصباحة غربا، وحزيز جنوبا، والصمع شمالا، حيث كانت تتهم هذه المعسكرات بمد المخيمات بالغذاء والمؤن بتوجيهات من وزير الدفاع السابق اللواء محمد أحمد ناصر، إضافة إلى مخيمات داخل العاصمة. وأوقف الحوثيون حركة الملاحة الجوية في مطار صنعاء الدولي ومؤسسات حيوية، عبر قطع الشوارع والطرق المؤدية إليها، وبعد بضعة أسابيع اندلعت مواجهات مسلحة بين الحوثيين ووحدات الجيش في المنطقة السادسة «الفرقة أولى مدرع» استمرت 6 أيام، انتهت في يوم 21 سبتمبر، باقتحام العاصمة صنعاء والسيطرة على معسكرات الجيش ونهب أسلحتها الثقيلة والمتوسطة، فيما بقت معسكرات الجيش من قوات الحرس الجمهوري وقوات الأمن المركزي والقوات الجوية التي كانت في الأغلب موالية للرئيس السابق علي عبد الله صالح كما هي. وكان هدف الحوثيين في هذه الحرب رأس المستشار العسكري للرئيس هادي اللواء علي محسن الأحمر الذي يعتبرونه خصمهم، لكنه تمكن من الخروج من اليمن بعد أن كان قاب قوسين أو أدنى من تصفيته في معسكر الفرقة الذي تعرض لقصف عنيف من معسكرات الحرس الجمهوري في الصباحة كما يقول قادة عسكريون تمكنوا من الانسحاب من مقر الفرقة التي تقع على تبة عالية في غرب العاصمة، وسيطرت ميليشيات الحوثي على كل منازل وممتلكات الأحمر والشيخ الملياردير حميد الأحمر، إضافة إلى مقرات حزب الإصلاح، ومنازل قيادات عسكرية ومدنية ونهب محتوياتها، ممن كان لها الدور الأكبر في دعم وحماية ثورة الشباب عام 2011، واتهم مراقبون الحوثيين والرئيس السابق بقيادة ثورة مضادة، استهدفت كل خصوم صالح وممتلكاتهم، في حين أصدرت وزارتا الدفاع والداخلية توجيهات باعتبار الحوثيين أصدقاء للدولة، وأمرت وحداتها بعدم التصادم مع المسلحين الحوثيين، لتتمكن الحركة بعدها من فرض سيطرتها على مؤسسات الدولة العسكرية والمدنية دون أي مقاومة. كما نشرت ما سمتها «اللجان الشعبية» في هذه المؤسسات إلى جوار الوحدات العسكرية والأمنية، ورغم توصل السلطات والحوثيين إلى توقيع اتفاقية السلم والشراكة فإنها ظلت حبرا على ورق فيما يخص الجانب الأمني، منذ الساعات الأولى للاتفاقية، إذ إنهم وبدلا من سحب مسلحيهم من صنعاء، تمددوا إلى مدن أخرى وهي:(ذمار، والحديدة، وحجة، وإب، وريمة، وأجزاء من الجوف)، وتمكنوا خلال هذه الفترة من التحكم بقرارات الدولة، التي تحولت إلى حمل وديع أمامهم، حيث كانت الحركة تعتمد على الموالين لها في مؤسسات الدولة لتبرر لمسلحيها دخول المؤسسات السيادية والحكومية مثل وزارة الدفاع ووحداتها العسكرية، ووزارة الداخلية والأمن المركزي، ويشير كثير من المراقبين إلى أن الحركة الحوثية لم يكن بمقدورها السيطرة على هذه المؤسسات لولا التنسيق مع أتباع النظام السابق الذين تضرروا من ثورة 2011، خصوصا القيادات العسكرية التي كان لها الدور الأكبر في دخول الحوثيين صنعاء عبر التنسيق الأمني المباشر بينهما، ويؤكدون أن أغلب الذين يسيطرون على مؤسسات الدولة هم جنود من قوات الحرس الجمهوري ومن أعضاء حزب المؤتمر الشعبي العام الذي يرأسه علي عبد الله صالح.
نموذج «حزب الله»
تظهر التركيبة التنظيمية لجماعة الحوثيين تشابهها مع «حزب الله»، من حيث القوة العسكرية والمشاركة السياسية وبسط النفوذ، بل إن زعيمها عبد الملك الحوثي دائما ما يظهر في خطابات متلفزة تبثها قناتهم «المسيرة» التي تبث من بيروت، شبيها بحسن نصر الله من ناحية الخطاب العاطفي والاتهامات التي يطلقونها على خصومهم، والقضايا العامة المرتبطة بأميركا وإسرائيل وهي نفس السياسة التي تسير عليها إيران، التي تقف خلف الحوثيين و«حزب الله»، فخلال الفترة التي تم رصدها عن الحركة الحوثية منذ سيطرتها على محافظة صعدة نهاية الحرب السادسة مع الدولة 2010، وحتى سيطرتها على العاصمة صنعاء 2014، فإنها قامت بإنشاء دول مصغرة في معقلها بصعدة المحاذية للمملكة العربية السعودية، من ناحية معسكرات خاصة بها، ومكاتب بديلة عن الحكومة لإدارة الشؤون العامة للمواطنين، ولديها أقسام كثيرة في بنيتها التنظيمية والعسكرية، فهناك المجلس السياسي، وهو المعني بإدارة الحركة سياسيا، والقوة العسكرية التي يقودها شقيق زعيم الجماعة عبد الخالق الحوثي الذي أدرجه مجلس الأمن الدولي ضمن العقوبات الدولية إلى جانب القائد الميداني للجماعة عبد الله الحاكم.
ورغم سيطرتها على كل المكاتب التنفيذية للدولة في المناطق التي تسيطر عليها، لكنها تفضل ألا تحكم باسمها، ساعدها في ذلك ضعف المؤسسات الحكومية وانتشار الفساد المالي والإداري، الذي تراكم خلال 3 عقود من حكم الرئيس السابق علي عبد الله صالح، ويؤكد محللون مختصون في شؤون الحركة الحوثية أن إيران تمكنت من نقل نموذج «حزب الله» إلى اليمن عبر سنوات كثيرة، قامت فيها بتدريب وتأهيل المئات من مسلحي الحوثي في لبنان، إضافة إلى إرسالها خبراء عسكريين من الحزب ومن الحرس الإيراني، لتدريب عناصر الحركة وتزويدهم بالأسلحة الحديثة المتطورة كما حدث في العملية المشهورة للسفينة «جيهان1» التي أوقفتها السلطات وتمكنت الحركة فيما بعد من إطلاق سراح طاقم السفينة الإيرانيين وإغلاق ملفها، كما أن إيران هي الدولة الوحيدة التي رحبت بسيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء، واعتبرت ذلك امتدادا للثورة الخمينية في إيران.
كرسي هادي
بعد أن أحكمت الحركة الحوثية قبضتها على مؤسسات الدولة، بنهاية شهر ديسمبر (كانون الأول)، دخلت الحركة في معركة جديدة مع مؤسسة الرئاسة التي ينظر إليها على أنها آخر مراكز الدولة التي لا تزال تحفظ ما تبقى منها، فقد شن زعيم الحركة عبد الملك الحوثي انتقادات لاذعة ضد الرئيس الانتقالي هادي ونجله، واتهمه بأنه «مظلة للفاسدين»، وهدد «بأنهم لن يتغاضوا عن ذلك إلى ما لا نهاية»، ليعلن بعدها المستشار السياسي لهادي الدكتور عبد الكريم الارياني هجوما عنيفا ضد الحوثيين، وقال الارياني في حوار صحافي إن «ما يقوم به الحوثيون يهدم الدولة ولا يبنيها»، مضيفا: أنهم «حركة تسعى لتحقيق أهدافها بالوسائل العسكرية، خارج نطاق النظام والقانون»، وعد الوضع الذي تعيشه اليمن بالوضع الشاذ، الذي تتحكم فيه حركة سياسية غير مدنية ولا يحكمها القانون، بمؤسسات وهياكل الدولة، وحول مبررات قيادة الحركة الحوثية في حربها على المناطق القبلية بزعم محاربة «القاعدة»، اتهم الارياني الحركة بالمساعدة في زيادة أعداد المنضمين إلى تنظيم القاعدة، وقال: إن «الدولة ومؤسساتها هي المخولة بهذا الدور، ما عمله أنصار الله زاد من عدد المنضمين إلى (القاعدة) ولم ينقصهم».
وكلام الارياني في هذا الوقت له وزن كبير ودلالة عميقة، فالرجل يعتبر رجل دولة، وهو من أهم السياسيين المخضرمين في البلد، وسبق أن تقلد عشرات المناصب الحكومية من أهمها وزارة الخارجية، ورئاسة الحكومة في فترة نظام صالح، إضافة إلى أنه من مؤسسي حزب المؤتمر الشعبي العام وشغل فيه منصب النائب الثاني لرئيس الحزب، وتمكن جناح صالح قبل شهرين من إزاحته من المنصب بسبب معارضته لصالح وموقفه الرافض للتحالف مع الحوثيين.
سيناريوهات مفتوحة
تعددت السيناريوهات الخاصة بمستقبل اليمن التي ترتبط بما يحدث على الصعيد الإقليمي كما يشير المراقبون، فأبواب الصراع من أجل السلطة في اليمن مفتوحة، إضافة إلى ما تسبب في أعمال العنف في اليمن خلال هذا العام من تصاعد عمليات الانتقام بين الأطراف المتحاربة سواء كانت سياسية أو قبلية، لذا فهناك توقعات بأن تشهد الفترة المقبلة عمليات عنف دامية وظهور جماعات مناهضة للحوثيين، تنفذ عمليات انتقامية ضدهم، فالمجتمع القبلي الذي يمثل أكثر من 70 في المائة من المجتمع، لن يبقى صامتا تجاه ما تعرض له من حروب وتفجيرات، خصوصا وأن ملف الثأر لا يزال مفتوحا فيما بين القبائل نفسها.
وينفي الحوثيون من جانبهم سيطرتهم على الدولة ويقولون، إن «ما تقوم به لجانهم الشعبية للحفاظ على مؤسسات الدولة الأمنية»، ويقول محمد عبد السلام المتحدث الرسمي باسم جماعة أنصار الله (الحوثيين) لـ«الشرق الأوسط»: إن «اللجان الشعبية تقوم بدور وطني وأخلاقي ومسؤول، تجاه انهيار المؤسسات الأمنية التي فككتها أيادي الفساد والإجرام بسبب استخدامها في الحروب الداخلية والأجهزة الأمنية». مضيفا: أن «هذه المؤسسات تحتاج إلى إسناد شعبي حتى تستطيع القيام بمهامها المطلوبة منها شعبيا بعد ثورة 21 سبتمبر»، وأكد عبد السلام أن هذه اللجان ليست بديلا عن الدولة، عندما تكون دولة الشراكة والمواطنة العادلة، مشيرا إلى أن «عقيدة اللجان الشعبية القتالية هي حماية الشعب لا الاستقواء عليه تحت رغبة قوى النفوذ والفساد». وحول موعد انسحاب هذه اللجان من شوارع العاصمة ومدن البلاد أوضح ناطق الحوثيين أن «اتفاق السلم والشراكة واضح ولا يجوز تنفيذه بشكل مجزأ وإنما حزمه واحدة في إطار الإصلاحات الاقتصادية ومكافحة الفساد»، وحول الأسلحة التي تم الاستحواذ عليها من معسكرات الجيش، اعتبر عبد السلام هذه القضايا تناولتها مخرجات مؤتمر الحوار الوطني واتفاق السلم والشراكة، وقال: «عندما يكون هناك نيات صادقه لإصلاح الوضع المختل في البلاد لن يكون هناك مشكلة في بحث كل شيء»، واستدرك «سندافع عن أنفسنا تجاه أي عدوان أو مخاطر تستهدف الشعب اليمني».
وعن المرجعية التي تخضع لها اللجان الشعبية لفت الناطق باسم الحوثيين إلى أن «اللجان الشعبية تعبر عن إرادة الثورة الشعبية وحارسة لها ومحافظة على الوضع الأمني من الفشل خاصة وهناك أطراف تتربص باليمن واليمنيين شرا وهي تعبر عن رغبة الشعب الذي خرج في الثورة الشعبية من أجل تحقيق مكاسب الشعب ومكافحة الفساد».
من جانبه يوضح رئيس مركز أبعاد للدراسات والبحوث عبد السلام محمد الهبيط أن استراتيجية الجماعات المسلحة هي الوصول إلى صناعة القرار والسيطرة على الأرض والنفوذ، من خلال أدوات عسكرية مسلحة كما هو الحال مع حركة الحوثيين، ويقول في حديث لـ«الشرق الأوسط»: إن «الحوثيون بدءوا استخدام العنف في شكل مقاومة للظلم، كما يقولون لكنهم كانوا في الحقيقة يبنون قوة عسكرية موازية للدولة في شمال البلاد، بمحافظة صعدة، على مرأى ومسمع من النظام السابق الذي ساعد الحركة في التمدد في فراغاته التي كانت بعيدة عن التنمية والاستقرار». ولفت إلى أن «الحركة الحوثية عملت على التدرج في إقامة التحالفات مع البيئة المحيطة بها، بداية باستغلال المظلومين من الفئة الفقيرة ثم التحالف مع الحالة الاجتماعية مثل زعماء القبائل والشخصيات الاجتماعية، التي كانت معارضة للدولة، وانتقلت الحركة في عام 2011، إلى التحالف مع طيف واسع من التيارات الساخطة من النظام السابق، ونجحت في بناء تحالفات سياسية».
ويشير رئيس مركز أبعاد إلى أن الأحزاب والمجتمع الدولي والإقليمي، فشلوا في تمدين الحوثيين عبر إدخالهم في العملية السياسية عبر مؤتمر الحوار الوطني في وقت رفضت الحركة التخلي عن سلاحها وهو ما عزز من تمددها وتقوية بنيتها العسكرية والسياسية، وبذلك تمكن الحوثيون من تحقيق الهدف السياسي من خلال الحوار الوطني، وتحقيق الهدف العسكري عبر التحالف مع علي عبد الله صالح وهو ما مكنه من السيطرة على العاصمة صنعاء وبسط نفوذه داخل مؤسسات الدولة، يرى الهبيط أن الحركة لا ترتكز على بنية مؤسسية، وإنما على قرارات شخصية، ولهذا فهي تكون سهلة الاختراق لتحريكها وتحقيق أهداف جهات أخرى.
وحول رفضها المشاركة في الحكومة وإدارة المؤسسات بشكل مباشر، يقول رئيس مركز أبعاد: إن «طبيعة الحركات المسلحة تكون فاشلة في إدارة الحكم، فهم لن يقدروا على إدارة دولة، لأنهم يريدون أن يمارسوا مهام الدولة الإيجابي، ويحملون السلبيات للآخرين، وبالتالي فهي حركة تقوم على الفساد المالي ونهب السلاح». ولفت إلى أن الحوثيين يراهنون على الوقت والوضع غير المستقر لابتلاع الدولة. وحول التحالف بين الحوثيين والنظام السابق يوضح الهبيط أن الخلافات السياسية تحولت إلى صراع عسكري بالوكالة، فصالح وحزب المؤتمر يريد العودة للسلطة عن طريق الحوثي و«القاعدة» وعن طريق نشر الفوضى والأزمات، وهذا وضع خطير جدا على مستقبل البلد.
أما مستقبل اليمن في ظل الوضع القائم فإن الفوضى هو السيناريو الأقرب لما يحدث، وبحسب عبد السلام الهبيط فإن «أفق السلام الدائم بعيد المنال، لكن يمكن تجاوز ذلك في حالة واحدة وهو أن تقبل الحركة الحوثية تمدين نفسها وتدعم السلام وتحل الميليشيات المسلحة وهذا أمر مستحيل»، متوقعا أن تشهد الفترة المقبلة مزيدا من الجماعة المسلحة المضادة للحوثيين ومزيدا من العنف، وتشكيل جماعات انتقامية، تكون قريبة من الواقع الاجتماعي وبفكر أيدلوجي، مناهض للحوثيين وهذا سيدخلنا في حرب أهلية وطائفية كما حصل في العراق وسوريا، ويستدرك الهبيط «وهناك سيناريو آخر وهو أن يفرض المجتمع الدولي بالقوة السيطرة على قراراته، ودعم العملية السياسية الانتقالية، لكن للأسف المجتمع الدولي يتعامل مع اليمن بتساهل غريب، خصوصا أنه ترك الحركة تسيطر على العاصمة صنعاء وكان قادرا على إيقافها بعد سقوط معسكرات عمران».
ـ الشرق الأوسط ـ