خبر : أثقل من رضوى ... رضوى عاشور ...عادل الاسطة

الأحد 21 ديسمبر 2014 09:00 ص / بتوقيت القدس +2GMT



“أثقل من رضوى” (2013) هو آخر ما صدر للأكاديمية والروائية المصرية المرحومة رضوى عاشور، والغلاف الذي زُيّن بصورة لامرأتين سمينتين، على يد إحداهما طفل أو طفلة، يحتوي، إلى جانب العنوان الرئيس، على عنوان فرعي، أدرج أسفل العنوان الرئيس، وهو: مقاطع من سيرة ذاتية.

وتعود معرفتي بإنتاج رضوى الأدبي إلى العام 1978، العام الذي أصدرت فيه دار الأسوار في عكا كتاب المؤلفة “الطريق إلى الخيمة الأخرى: دراسة في أعمال غسان كنفاني”، وقد صدرت طبعته الأولى في العام 1977، ومنذ أخذت أدرس مساق الأدب الفلسطيني في جامعة النجاح الوطنية، في العام 1982، غدا كتابها هذا ملازماً لي، إذ قررت منه صفحات على طلبة المساق، تخص روايتي غسان “رجال في الشمس” و”ما تبقى لكم”، وأعتقد أنه كتاب ممتاز، إذ يعطي تصوراً جيداً عن مسيرة الشهيد كنفاني، وفيه تبرز ثقافة الكاتبة واطلاعها على الأدب العالمي، هي التي أنجزت كتاباً نقدياً آخر هو “التابع ينهض” عن أدب السود في أميركا.
ولن أنقطع عن متابعة أعمال الكاتبة، فما أن أرى كتاباً لها إلاّ اقتنيته وتصفحته، باستثناء عملها الأخير “الطنطورية”، وهو كتاب أعيدت طباعته في فلسطين، ولم أتشجع لقراءته لسبب يخصني يتمثل في التوقف عن متابعة أعمال كتاب يكتبون عن مكان لا صلة مباشرة لهم به، مكان لم يألفوه ولم يتحسّسوا تفاصيله أو يتشمّموا هواءه، وربما أكون مخطئاً.
في مكتبتي ثلاث روايات لرضوى؛ الأولى “ثلاثية غرناطة”، وقد أهدت طبعتها العربية الثانية (1998) إلى ابنها تميم، والثانية “أطياف” (1999) والثالثة “قطعة من أوروبا” (2003).
وأنا أقرأ الأولى آثرت السؤال الذي أثيره عن كتابة مؤلف عن مكان لا صلة مباشرة له به، ولكن بشكل مختلف قليلاً: كيف يكتب كاتب نصاً ما عن زمن آخر لم يكن شاهداً عليه؟
هل حلّت روح (هيوبوليت تين) (ق19) الناقد الفرنسي في؟ كان (تين) ركز على ثلاثة عوامل في أثناء دراسة الأدب هي: البيئة والعصر والعرق ـ المعيش والمشاهد والموروث. وعلى هذا، إلى حد ما، اتكأ طه حسين في دراسة الأدب، إذ ذهب إلى أن الأدب مرآة العصر، وكل من قرأ كتابه “حديث الأربعاء” سيتوقف أمام دراستيه حول عمر بن أبي ربعية وأبي نواس، ركز على البيئة تركيزاً لافتاً، ودرس خمريات أبي نواس في ضوء خمريات من سبقه وبين صلتها بعصره.
وأنا أقرأ “ثلاثية غرناطة” تساءلت إن كانت رضوى تكتب حقاً عن غرناطة! وقلت يبدو أنها تكتب عن فلسطين أكثر مما تكتب عن غرناطة، بخاصة فيما يمس مرايا الذات والآخر والصورة الإجمالية لكل منهما، ليس في تفاصيلها.
ومؤخراً قرأت مقالة مطولة للناقد المصري صبري حافظ ذهب فيها إلى أن رضوى وهي تكتب عن الأندلس لم تنس واقعها الراهن، وأن الكتابة عن الماضي لا تخلو من تأثيرات اللحظة الحاضرة ـ أي أن زمن الكتابة يترك أثره على الزمن الروائي المتخيل، وهو في الرواية التاريخية لا يتطابق، بأي حال من الأحوال، مع الزمن الكتابي، الزمن الذي أنجز فيه الكاتب روايته، وهذا يذكرنا بمقولات نقاد برجوازيين أدانوا فيها النقاد الماركسيين حين قرؤوا أعمالاً لكتاب غير ماركسيين، فضحوا الواقع بغير قصد، ورأى فيها النقاد الماركسيون أعمالاً تدين الرأسمالية.
هنا يذكر المرء تفسيرات (جورج لوكاتش) لنصوص كاتب مثل (كافكا)، أو لنصوص، كاتب برجوازي مثل (بلزاك)، كان يدافع في مواقفه السياسية عن طبقته، ولكن نصوصه الروائية كانت تعكس واقعاً مغايراً للطبقة، واقعاً يفضحها.
“أثقل من رضوى” هو آخر ما اقتنيت من أعمالها، وقد بدأت بقراءته قبل وفاتها بأشهر، ولفت نظري فيه مواقف الكاتبة من المؤسسة الجامعية المصرية، فقد كانت لا تروق لها تصرفات رؤساء جامعات كثر، لأنهم يمالئون النظام القائم ولا تكون لهم شخصيتهم المستقلة (ص142)، ويعد الفصل الثالث عشر “الزعفران” (ص 145 ـ ص159) فصلاً مهماً لإعطاء تصور ما عن جامعة عين شمس من ناحية، وعن صلة كتابها هذا “أثقل من رضوى” ببعض رواياتها.
ستتذكر، إن كنت قارئاً لأميل حبيبي، إشاراته العديدة لأعماله السابقة، وهو يكتب نصه الجديد. في هذا الفصل تأتي رضوى على عنوان روايتها “قطعة من أوروبا” (ص145) وعلى روايتها “أطياف” (156)، كما ستتوقف أمام تدخل المجتمع في الجامعة، وهو تدخل لا يعبر عن استقلالية الجامعات، إذ إن من هب ومن دب يغدو كما لو أنه مسؤول عنك وعن وظيفتك الجامعية، علماً بأن لا صلة له بها من قريب أو من بعيد.
وأرى أن قارئ الكتاب قد يثير أسئلة كثيرة وهو يقرؤه. من هذه الأسئلة مثلاً سؤال التجنيس. تكتب رضوى على الغلاف “مقاطع من سيرة ذاتية”، ما يذكرنا بالجزء الثاني من سيرة جبرا “شارع الأميرات: فصول من سيرة ذاتية”. هنا رضوى لم تدرج دال رواية لكتابها كما فعلت حين أصدرت “أطياف” و”قطعة من أوروبا”. إن دال رواية دال بارز في العملين الأخيرين، وقد برز على غلاف الكتاب، ما يجعل المرء، حين يقدم على شراء الكتاب، يجعله يدرك أنه مقدم على قراءة رواية، ولكنه، وهو يتصفح ما ورد فيهما، يجد أنه يقرأ رواية سيرية، فكثير من سيرة رضوى وردت فيهما، وهذا ما تؤكده علناً رضوى وسيرتها “أثقل من رضوى”، وللأسف فإنني لم أقرأ ما كتبته عن رحلتها إلى أميركا لدراسة الدكتوراه، وهي مذكرات طالبة بعثة.
رضوى عاشور نفسها التي اختارت عنواناً فرعياً لكتابها الأخير، أدرج تحت العنوان الرئيس، لا تلتزم في الكتاب فيه. وفي غير صفحة من كتابها تأتي هي على إشكالية التجنيس: “ولأن هذا الكتاب، ليس رواية بل سيرة ذاتية، تتطابق فيه المؤلفة والرواية والمروي عنها..” و”ولكن ما أقوله ليس صحيحاً في جملته. وإن لم يخل تماماً من الصحة، فهو لا ينطبق إلاّ على جزء منه، وإلاّ كيف أفسر التفاوت بين فصول تكتب بيسر، وهي دائماً الأقوى، وفصول تتعثر كتابتها وتستدعي المراجعة مرة واثنتين وثلاثاً؟” (ص252).
وربما كان الفصل الثالث والعشرون من أبرز الفصول لمعالجة إشكالية التجنيس، فعنوانه هو: بين السيرة واليوميات، وتفتتحه هي بكتابتها: “أعي منذ بدأت في كتابة هذا النص أنني أجمع فيه بين السيرة الذاتية والمذكرات، وهما نوعان مختلفان من الكتابة..” (ص271) وفي الصفحة التي تلي ص271 تكتب عن ميزة اليوميات، وقد ذكرتني بخربشاتي التي أكتبها يومياً على الفي سبوك:
“تتميز اليوميات بأن كاتبتها أو كاتبها لا يسعى لمشاركة الآخرين فيها، فهو يكتبها لنفسه، كأنما يريد أن يتأمل حاله ومجريات يومه، أو يعود إليها ليدقق أمراً اختلط في الذاكرة، وربما استعان لاحقاً ببعض ما ورد فيها، إن كان كاتباً” (272).
ومن الأسئلة التي يثيرها القارئ: ألم تبالغ رضوى، وهي تخاطب قارئها، داخل النص، بهذا كثيراً؟ يحفل الكتاب بتوجه الكاتبة إلى القارئ ومخاطبته لدرجة تشعره بـ ... . هل تذكرت وأنا أقرأ “أثقل من رضوى” كتاب (إدوارد سعيد) “خارج المكان”؟ ربما، فثمة إغراق في تفاصيل لا تهم القارئ.