عندما ننظر الى ما يجري في إسرائيل اليوم ندرك ان حكومة بنيامين نتنياهو المغادرة كانت عبارة عن فشل مركب في كل ما قامت به، وقد تطرقنا في مقال سابق الى أوجه الفشل المختلفة لهذه الحكومة، وليس هناك ما يمكنها ان تفاخر به على مستوى او صعيد، ومع ذلك هناك شيء لا بد من الإشارة إليه ويستحق الإشادة وهو ان الحكومة التي تفشل تذهب وتغادر المشهد قبل أن تكمل الفترة المخصصة لها أي ٤ سنوات، ومنذ عام ١٩٩٩ لم تكمل حكومة إسرائيلية ولايتها، بل إن هذه الحكومة تغادر قبل أن تنهي نصف فترتها. وقد لا تكون الحكومة القادمة أفضل ولكن التغيير حتمي وضروري حتى يأتي الناخب في نهاية المطاف بحكومة تلبي مطامحه او جزءا مهما منها وتستطيع أن تسجل لنفسها إنجازاً بشكل من الأشكال.
هذا في إسرائيل، اما لدينا فسمة العصر هي الثبات، وكلما كنت اكثر فشلاً كلما عمرت إلى ان يأتي الطوفان. ونحن منذ عام ٢٠٠٦ ونحن غارقون في الوضع القاتم وأسوأ من ذلك منذ الانقسام ونحن نعيش أزمة وجودية. وكل يوم بعد يوم نغرق اكثر فاكثر في هذا المستنقع، فالوضع في غزة ليس فقط في حالة مأساوية وبائسة ويندى لها الجبين وتحزن العدو قبل الصديق، بل انه ينذر بكارثة لم يسبق لها مثيل. والموضوع لا يتعلق فقط بمأساة إعادة الإعمار المتعثرة لأسباب تتعلق بخلافات داخلية، فمن جهة حركة "حماس" لا تريد التخلي عن الحكم كما يقول قادتها، إنها تنازلت عن الحكومة وليس عن الحكم وهي تريد ان تبقى الحاكم الأول الذي يقرر في كل شيء، وما حكومة التوافق سوى طربوش مهمته فقط تسيير الأمور من جلب أموال ومساعدات وفتح معابر ودفع رواتب وحل أزمة "حماس"، ومن جهة أُخرى هناك أوساط في السلطة معنية ببقاء الوضع على حاله وعدم عودة قطاع غزة لحضن الشرعية على اعتبار ذلك يهدد نفوذها ومصالحها التي ترسخت على قاعدة الانقسام والتقاسم. بل إن الأسوأ قادم مع بروز براعم "داعش" التي تظهر كجزء من المشهد الانقسامي وكوسيلة لتصفية الحساب مع المجتمع المدني. ولا يستطيع احد ان يقنع عاقلاً بان "داعش" هذه ظهرت بدون علم "حماس" وتشجيعها، كما كل الظواهر المتطرفة التي تستخدم لتنفيذ الأعمال القذرة. والرسالة واضحة: اذا كُنْتُمْ لا تريدون "حماس" وتقبلون بحكمها. وتتفاهمون معها فسترون ما هو اكثر تطرفاً وعنفاً وهو ليس ببعيد.
ما يجري في غزة وخاصة بعد ظهور منشور "داعش" الذي يهدد الكتاب والمثقفين هو مؤشر للمرحلة القادمة التي ستفرض نفسها اذا بقي الوضع الراهن على ما هو عليه. ولا شك ان مأزق "حماس" سيلقي بظلاله على المجتمع اما بحرب جديدة او بـ "داعش" وشاكلتها. فـ "حماس" تهدد بخيارات وأوراق لديها والكل يعلم ان خياراتها باتت محدودة جداً بعد الفشل في تحقيق إنجاز يذكر بعد الحرب الدموية على غزة. وإزاء هذا الوضع الذي تقف السلطة والقيادة إزاءه موقف المتفرج وكأنه لا يعنيها بشيء، لا بد من تسجيل التقدير لموقف النساء في غزة وخاصة القيادات التي بعضها مستهدف بالاسم، فهؤلاء القيادات النسوية تميزن بالشجاعة والبسالة والتحدي.
وبالعودة الى غزة فمن البديهي ان اتفاقا على المصالحة بمواصفات ما تم بين "فتح" و"حماس" لا يمكن ان يقود الى ما هو أفضل من الأزمة الراهنة، فهو اتفاق على لاشيء او في أحسن الأحوال على تغيير الواجهة وتقاسم تحمل المسؤولية وتحويلها من"حماس" حصراً الى "حماس" وحكومة الوفاق التي لاحول لها ولا قوة. وكان الأجدى التوصل الى اتفاق إما بعودة السلطة لحكم غزة بالكامل وتخلي "حماس" الكامل عن الحكم وتحييد قوتها العسكرية. او ببقاء "حماس" وحدها وتحملها المسؤولية الكاملة عن كل ما يجري في غزة.
اما الوضع في الضفة وان كان أفضل نسبياً فحدث ولا حرج. هناك تدهور في كل شيء، لا يتعلق فقط بإجراءات الاحتلال من استيطان وتهويد واستهداف القدس بشكل خاص، بل بتراجع هيبة السلطة واحترام الناس لها في ظل مجموعة كبيرة متراكمة من الأخطاء والتجاوزات في مختلف المجالات وخاصة في مجال القضاء والحفاظ على حقوق المواطن، والتعيينات والوظائف وقطاع الصحة، وأضحت معايير القياس مرتبطة بالولاء والنفاق وأحيانا التلفيق والقدرة على الدجل. وهناك شعور لدى المواطن بعجز السلطة وعدم قدرتها على حل مشاكله. كما أن صورة السلطة في ظل سوء الأداء الإعلامي وتبادل الاتهامات والخلافات التي تتركز أساساً في البعد الشخصي على غرار برنامج "عالمكشوف " الذي شكل فضيحة ومجالا لإثارة الخلافات والإساءة لمكانة السلطة.
والمصيبة أنه لا يوجد مخرج أو منفذ يؤدي الى حل المعضلة وبدون انتخابات عامة تشريعية ورئاسية جديدة تضخ دماء جديدة في مستويات السلطة المختلفة لا يمكن تغيير الوضع، ويبدو أن لا أحد معنيا بالانتخابات، والقوى السياسية عاجزة وفي حالة سبات أو موات سريري. وقوى المجتمع غائبة عن اي قدرة على التأثير ولا يظهر أن شيئاً سيحدث عدا عن المزيد من التدهور والتأزم.
أشرف العجرمي


