خبر : تبرئة النظام وشيطنة الثورة ...بقلم: ماجد عزام

الثلاثاء 09 ديسمبر 2014 09:33 ص / بتوقيت القدس +2GMT
تبرئة النظام وشيطنة الثورة ...بقلم: ماجد عزام





بدت أحكام البراءة للرئيس المصري المخلوع حسني مبارك نجليه ومعاونيه من قضايا قتل المتظاهرين والفساد صادمة، ولكن غير مفاجئة في سياقها العام وتحمل في طياتها دلالات قضائية، وحتى سياسية وفكرية لا يمكن تجاهلها أو القفز عنها.

الأحكام كانت متوقعة قياساً إلى السياق السياسي والقضائي العام في مصر، حيث المصطلحات عن الاستقرار ومحاربة الارهاب، كما اللغة السياسية والإعلامية المعتمدة تجاه الملفات المحلية والخارجية تشبه إلى حد كبير تلك التي كانت متداولة زمن الرئيس المخلوع، ونحن أمام تغليب واضح لفكرة أو وهم تكريس الاستقرار، واستخدام الحل الأمني والقبضة الحديدية، بل وتكفير وتخوين كل من من يتجرأ على الاعتراض أو نقد المنهج السائد والمعتمد الآن في أرض الكنانة، وببساطة نحن أمام عودة إلى زمن الطوارىء المشؤوم وسيء الصيت.

قضائياً غابت أو تم تغييب بالأحرى الأدلة التي تدين مبارك نجليه وزبانيته، كما أن كثيرين حرفوا أو غيروا شهاداتهم، بحيث لم يجد القاضي بين يديه أي أدلة أو براهين إدانة قاطعة يمكن الاستناد أو الاحتكام إليها -هذا طبعاً إذا أحسنا الظن - غير أن الأهم من ذلك أنه وبعد الثورات، وقياساً إلى ما أحدثه المخلوع من تدمير منهجي ومتواصل في مصر، وعلى المستويات كافة السياسية التنظيمية والمؤسساتية الاقتصادية الاجتماعية الأمنية، ما كان يقتضي بالضرورة محاكمته أمام محكمة ثورية أو هيئة خاصة بحيث تتحول المحكمة إلى محكمة سياسية وقضائية بامتياز لكامل عهده الكارثة.

ورغم ذلك، وفي السياق العام لا يمكن تجاهل أو إنكار أننا أمام أحكام مسيسة سعت من البداية لتبرئة المعزول ما يظهر هيمنة متنامية للسياسة على القضاء في ملفات وقضايا عدة، حيث يفقد هذا الأخير حياديته استقلاله ونزاهته، بينما تبدو السلطة المستبدة مصممة على فرض وصايتها وسيطرتها على كافة مناحي الحياة، بما في ذلك القضاء. بينما الهيمنة على السياسة الإعلام والاقتصاد في أعلى درجاتها تماماً كما كان الوضع منذ انقلاب 52 حتى ثورة 25 يناير 2011.

أما سياسياً. فنحن أمام عهد جديد يعتبر نفسه أقرب إلى زمن وعهد حسني مبارك شكلاً ومضموناً، وهو يعتبر مبارك واحد منه والقيادة العسكرية الحالية – والسابقة - تصرفت دائماً على أن المخلوع جزءاً منها، ولم تكن تود إهانته أو النيل منه، باعتبار ذلك إهانة أو نيل من المؤسسة العسكرية برمتها، وهي أرادت إعادة الاعتبار له بأي طريقة كانت، خاصة قبل وفاته وسعت وستسعى لتكريمه حياً قبل أن يتم تكريمه ميتاً، حيث يتم الحديث عن جنازة عسكرية رسمية وترتيبات أخرى ذات صلة.

سياسياً أيضاً نحن أمام ارتداد أو تجاوز لثورة يناير، وما أفرزته أو سعت إليه من بيئة سياسية شفافة ونظيفة ترتكز إلى مبادىء الثورة الثلاث عيش – خبز - حرية عدالة اجتماعية فلا اقتصاد تحسن بينما الحريات مقموعة والعدالة القضائية والاجتماعية غائبة، وبدا الثأر أو الانتقام من الثورة قاسياً بارداً، وفي أشرف وأغلى ما قدمته أي دماء الشهداء.

في السياق السياسي، كذلك ستكرّس أحكام البراءة نظرية المؤامرة أو الشيطنة تجاه التيار الإسلامي والإخوان تحديداً، ومعهم حماس وحزب الله - بدرجة أقل - وبما أن مبارك والعادلي لم يقتلوا المتظاهرين السلميين، فإن أحد آخر قتلهم وستزداد االاتهامات وفبركة الأدلة ضد الإخوان وحماس، وستزداد حملة القمع والتنكيل للإخوان في الداخل وستزداد حملات التنكيل والشيطنة السياسية والإعلامية بحق حماس غزة، وربما الفلسطينيين بشكل عام.

في السياق السياسي أيضاً لا يمكن تجاهل البعد أو الجانب الخارجي للأحكام فثمة دول عربية كانت مستعدة لدفع المليارات من أجل إخراج حسني مبارك خارج مصر، ناهيك عن تبرئته، وهي تعتقد أن التبرئة ليس لمبارك، ولكن لمنظومة سياسية عربية كاملة انتمى إليها المخلوع، وهي أي التبرئة لم تدن الثورة والمتظاهرين فقط، وإنما المنطق أو المنهج الثوري بشكل عام، خاصة أن شيطنة الثورات وتحولها إلى حروب أهلية متنقلة تجري على قدم وساق ببرود ولكن بلؤم عناد وتصميم.

في السياق الخارجي لابأس من إلقاء نظرة على ردود أو بعض ردود الأفعال الإسرائيلية، حيث احتفى فؤاد بن اليعزر قاتل الأسرى المصريين في النكبة الثانية - حزيران 67 - ببراءة صديقه، وهو من يتم التحقيق معه الآن، لتلقيه بضعة ملايين من الشواكل الرشوة نتيجة تسهيل أعمال أصدقائه من رجال الأعمال الإسرائيليين لدى صديقه حسني مبارك، ويقال أن احتمالات إدانته عالية جداً، خاصة بعد ضبط خزنة عائدة له في أحد البنوك تحتوي بعض تلك الملايين، أما ردّ الفعل اللافت الآخر فهو تبجّح أبناء الحاخام الراحل عوفاديا يوسف أن تبرئة مبارك جاءت تلبية لدعاء والدهم له كونه صديق إسرائيل وحليفها.

لا بد من قول شيء ما عن الإخوان المسلمين أو حزب الحرية والعدالة، حيث ساهمت أخطاءهم الكارثية من 25 يناير 2011 حتى 30 حزيران 2013، ومن التسواق مع العسكر في إعلان 30 آذار إلى رفض الاستقالة أو أي حلول وسط مشرفة في 30 حزيران، وحتى قبله بكثير ساهمت بشكل أساسي إلى وصول الأوضاع إلى ما وصلت إليه، علماً أن تلك الأخطاء أدت مباشرة إلى شق صفوف أنصار الثورة ومؤيديها، وتقديم السلطة على طبق من ذهب للجنرال السيسي، هذا لا يعني طبعاً بأيّ حال من الأحوال جواز قتلهم أو سحلهم في الشارع أو إقصاءهم من المشهد السياسي لا في مصر، ولا في دول عربية أخرى.

أخيراً، ربما من محاسن الصدف أو ترتيب القدر أن تتزامن الأحكام المشبوهة، وغير البريئة بحق حسني مبارك مع افتتاح البرلمان التونسي المنتخب لأعماله - أول برلمان منتخب بعد الثورة - كما من الانتهاء من الدورة الانتخابية الرئاسية الأولى، التي جاءت شفافة نزيهة وديموقرطية بامتياز، ورغم أن النموذج في تونس الصغرى - بالمعنى الجغرافي - والبعيدة عن قلب العالم العربي، إلا أنه موحى ملهم وقادر على تخطى النموذج البشع المتجّسد الآن في مصر، ليبيا، اليمن، المدعوم بقوة من القوى الحليفة لحسني مبارك ونظامه، والمتضررة من قيام الدولة العربية المدنية الديموقراطية العادلة لكل مواطنيها.

كاتب فلسطيني رئيس تحرير نشرة المشهد التركي