خبر : عن اللحظات الحرجة في صراع القوى المتدافعة، ورسائل "حماس" من تحت الطاولة ..بقلم : حسين حجازي

السبت 06 ديسمبر 2014 09:20 ص / بتوقيت القدس +2GMT
عن اللحظات الحرجة في صراع القوى المتدافعة، ورسائل "حماس" من تحت الطاولة ..بقلم : حسين حجازي



يمكن الافتراض بل الاعتقاد أنه يوجد هنا في غزة أيضا معجبون ولا سيما في أوساط الشباب بتنظيم الدولة الإسلامية، تماماً كما أن هناك اليوم معجبين بهذا التنظيم والنجاحات التي يحققها في أوساط هذه الفئة العمرية في الدول العربية والجاليات المسلمة في أوروبا وأميركا وآسيا بل وفي استراليا واليابان. وحيث الشباب غالباً في هذه السن او الحقبة البطولية والحالمة من العمر ما يكونون أكثر استعداداً وميلاً للانجذاب نحو الأفكار الراديكالية، وهو انجذاب يكشف بالأساس عن المركب الأوديبي الجاثم في حلم قتل او الثورة على الأب الذي يرمز الى تجسيد الأفكار القديمة. وهي الحقبة التي يتداخل فيها هذا الحلم بنزعة برومثيوسية التي تقوم على التضحية والفداء باعتبارها المحرك الأول للتقدم والتاريخ، في نشدانها سرقة النار المقدسة النار الإلهية وإعطاءها للبشر.
ان هذه الحقبة هي الحقبة البطولية في تاريخ اي شعب اذا كان الشيوخ الأكثر تشاؤماً وخوفاً من المستقبل وهم على مسافة قريبة من القبر ليسوا هم الصانعين للثورات، وإنما هم أولئك الشباب الذين لهم الغد، الذين هم صناع الثورة ووقودها على حد سواء.
إنهم جيل الفدائيين الأوائل في معسكرات الثورة في الأردن وجنوب لبنان زمن انطلاقة "فتح" وصعودها، بل هم جيل عرفات ورفاقه زمن الخمسينات والستينات الذين استطاعوا بحلمهم تغيير وجه التاريخ، وهم اليوم أيضاً أولئك المقاتلون القساميون في "حماس" والمقاومة في غزة الذين ادهشوا العالم بوقوفهم أمام إسرائيل احد أقوى الجيوش الوحشية في التاريخ المعاصر، كما أدهش فدائيو "فتح" العالم قبل نصف قرن في قرية الكرامة.
فهل لهذا السبب تنبهت إسرائيل مؤخراً للتوجه نحو هذه الفئة العمرية من الشباب لإسقاطهم في وحل العمالة بعد حروبها الثلاث الأخيرة على غزة؟ في تخطيط ماكر لأجل تفكيك وخلخلة هذه الشحنة وحرف طاقتها عن مسارها البطولي والعنفواني؟ باعتبارها الخزان البشري للمقاومة وتحويلها الى طاقة معطلة بل ومضادة وفاسدة، وحيث تبدو هذه الفئة العمرية ليس مصدر العنفوان ولكن أيضا الطاقة الإبداعية والخيال الخصب.
ولكن، أو ليس لهذا السبب الافتراضي التحليلي اي بعد ثلاث حروب حاسمة على غزة جسدت تعبيراً كاسحاً عن حقيقة وجود مقاومة صلبة ومزدهرة بل ومعتدة بنفسها، انه وان وجد إعجاب بالنجاحات التي يحققها تنظيم داعش في مواجهة التحالف الغربي في العراق وسورية، الا انه لا أرضية خصبة لإمكانية وجود او نمو هذا التنظيم في غزة. والمسألة في ظني ليست في استعداد "حماس" التصدي لمنع هذا الاحتمال تذكيراً بما حدث قبل سنوات في رفح واعتقال السلفيين الغزيين في أوقات متفاوتة، ولكن لسبب اكثر أهمية وهو ان "حماس" باختصار التي يمكن أن تمثل عقدة القديم او التقادم لم تفلس هي نفسها بعد، وهي نفسها لا زالت توجد عند هذه اللحظة التاريخية من عمرها في ذروة وأوج حقبتها البطولية وعنفوانها، بل وفي ذروة تدافعها الأوديبي ان شئتم وتزاحمها مع فتح الأُخرى التي لم تصل قاطرتها إلى محطتها الأخيرة.
ولقد شرحت في الواقع وقبل سبع سنوات عند بداية تفجر الانقسام طبيعة هذا المفهوم المؤطر على الصعيد النظري لهذا الشكل من الأزمات التاريخية، التي تشبه صدام القاطرات عند هذه اللحظة الحرجة من هبوط قوى قديمة وصعود قوى جديدة تكون بديلة عنها في أعقاب صدمات حادة، وحيث يبدو القانون هنا هو تقدم هذه القوى الجديدة لملء الفراغ شغل وإملاء الفراغ الناشئ ونفي او إقصاء القوة القديمة.
وكما يتعلق الأمر بالدور التاريخي للأشخاص والأبطال الذي يتحدد بقدرة هؤلاء الأشخاص الزعماء أو الرجال العباقرة على امتلاك الجواب الأفضل، رداً على التحديات أو المعضلات المطروحة "إذا لم أكن أنا فمن يكون" ؟ وان لم يكن الآن فمتى؟ فإن صعود القوى السياسية في التاريخ يخضع لنفس الشرط والمعيار وفي الحالة الفلسطينية.
ولقد شهدنا على مدى التاريخ المعاصر لقوى الحركة الوطنية الفلسطينية أربعاً من هذه اللحظات التاريخية الحرجة، التي نشأت عن صدمات كبرى وأزاحت معها قوى قديمة كانت متسيدة وأحلت مكانها قوى جديدة صاعدة. وكانت الأزمة الاولى في أعقاب صدمة النكبة عام 1948، والثانية بعد صدمة حزيران العام 1967، والثالثة بعد صدمة فقدان المقاومة الفلسطينية حصنها وقاعدتها في لبنان العام 1982.
ولكن معضلة الانقسام الفلسطيني الأخير ربما تجد تفسيرها الرئيسي في حقيقة ان الصدام الأخير بين "فتح" و"حماس"، لم يقتض النماذج الثلاثة السابقة في وراثة احمد الشقيري كممثل للقومية العروبية زعامة الأرستقراطية العائلية التقليدية، ووراثة عرفات وفتح تيار الوطنية البراغماتية الثورية للشقيري، بحيث تحكمت الجغرافيا هنا كما التحديات المباشرة للاحتلال في جعل هذا الانقسام جغرافيا كأمر واقع أولا، ومن ثمة محاولة التوصل الى عقد تسويات لحله.
وهنا نصل ربما في غضون هذه الأزمة، حيث لم تستطع "حماس" فرض نموذجها في الضفة وليس بمقدور الرئيس أبو مازن أن يفرض على "حماس" نموذجه في غزة، فإن الاستعصاء القائم منذ العام 2006 في هذه الأزمة التاريخية، انما هو الذي يفسر الدوافع الحقيقية لبعض المناورات الداخلية الأخيرة، وأكاد أصفها الوصف الأدق بالممازحات الثقيلة من قبيل هذه اللسعات التنكرية باستخدام توقيع "داعش".
والواقع انه لا أحد يشك في غزة بأن "حماس" نجحت بما فشلت فيه السلطة الرسمية من قبل بوضعها حدا للفلتان الأمني، وهي خاضت ثلاث حروب برية دون ان يسجل اي إخلال بالوضع الأمني الداخلي، وبصورة موازية لذلك، قد يكون ثمة إعجاب بالانتصارات المذهلة التي يحققها تنظيم الدولة الإسلامية، لكن ماذا عساه ان يتفوق هذا التنظيم على "حماس" و"كتائب القسام" في النظرية القتالية؟ وحيث نجحت المقاومة الغزية في ان تمرغ انف الجيش الإسرائيلي وان تحافظ في الوقت نفسه على الوقوف على الأرضية الأخلاقية العليا؟.
دعونا اذن نضع النقاط على الحروف : إن ما يحدث اليوم هو رسائل غير مباشرة ترسل بها "حماس" الى أطراف عدة : لأبو مازن أولا: نحن لسنا في الحكومة ولكننا في الحكم من خلال الأجهزة الأمنية، وهذه هي المعادلة ويجب الاعتراف بهذا الواقع وتسديد الحكومة فاتورة الأجهزة الأمنية. وللرئيس أبو مازن أيضا قد نفعل ورقة الخلاف الفتحاوي الداخلي نفسه في مغازلة محمد دحلان، ولكن دون ان ينسوا القول لبعض المثقفين الغزيين بطريقة ملتوية وغير مباشرة "نحن نسمعكم" رداً ربما على النمائم وثرثرات هذا البعض في المنتديات الخاصة ضد "حماس". وهي رسائل توجه داخلياً في نفس الوقت الذي توجه فيه "حماس" رسائلها الخارجية الى إسرائيل، ولكن هذه المرة بتوقيعها المباشر عبر تكثيف تجاربها الصاروخية في البحر، للقول إن لم يفك الحصار فإن صاعق التفجير جاهز.
وفي دلالة كل هذه الرسائل ان "حماس" اليوم ما بعد حروب ثلاث وممارسة السلطة سبع سنوات متواصلة لا تشبه "حماس" بالأمس العام 2006، بعد ان غادرت تماماً عذريتها القديمة، وهي اليوم حركة تجيد القتال كما الألاعيب الداخلية الماكرة.
لكن رسالتنا نحن بالأخير إلى "حماس" : أولاً قليلاً من الصبر يا إخوان لمساعدة الرجل، لندعه يتم كتابة السطر الذي هو إنجازه وإنجازنا جميعاً. وضربته وضربتكم الأخيرة بعد انتصاركم في غزة.
أما إلى الرئيس أبو مازن : لعلكم سيدي الممثل الأخير لجيل الأبوات الفلسطينيين، وهؤلاء رجال الأمن الحمساويون أو الغزيون هم أبناؤك وأبناء الفلسطينيين، وقد يكونوا لم يجدوا أمامهم سوى هذه الطريقة من المزاح الثقيل في التعبير عن شكواهم، ولكن شكواهم حقيقة ويجب الاستماع إليها. امضِ بعزم فيما بدأت به ولا تلتفت وراءك للضغوط التي تهدد إسرائيل بممارستها عليك ولكن اعمل على الإسراع بغلق الثغرات والشقوق.