بتصويت الكنيست الإسرائيلي أول من أمس، على حل نفسه، والتحضير لانتخابات مبكرة، تكون حكومة بنيامين نتنياهو الثالثة قد سقطت، فيما تشير استطلاعات الرأي الى أن اليمين الإسرائيلي سيعود مجددا للفوز بأغلبية المقاعد الانتخابية، بما يتضمنه ذلك من احتمال عودة نتنياهو للحكم، وليشكل حكومته الرابعة خلال عشرين عاما مضت، منذ أن تولى رئاسة الحكومة الإسرائيلية لأول مرة عام 1996 .
أول ما يمكن ملاحظته من اضطرار إسرائيل لخوض انتخابات برلمانية مبكرة، هو أن التصويت على قرار حل الكنيست جاء بأغلبية كبيرة، كذلك تلا إقدام نتنياهو على فصل يائير لبيد وتسيبي ليفني ووزراء حزبيهما من الحكومة على خلفية معارضتهما لمشروع يهودية الدولة الذي تقدمت به في وقت سابق الحكومة للكنيست، وهكذا يكون اليمين الإسرائيلي قد فض الشراكة مع أحزاب الوسط الإسرائيلي، وفضل التحالف مع أحزاب اليمين المتطرف والأحزاب الدينية والمضي قدما في تغيير جوهر الدولة الذي سارت عليه منذ تأسيسها عام 1948 .
ربما يمكن القول بأن تبكير الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية بات تقليدا إسرائيليا منذ عقود، ويمكن القول أيضا، بان وراء الإقدام على ذلك القرار مستجدات سياسية، لها علاقة بالحالة الفلسطينية، حيث عجزت حكومة نتنياهو عن مواجهة الجانب الفلسطيني في أكثر من مستوى، وان سقوط حكومته الثالثة، جاء نتيجة الفشل في ثلاث محطات هي : انتفاضة القدس، التي أظهرت الفشل الأمني الذريع من جهة، ومن جهة ثانية عزلة إسرائيل، كذلك فشل العدوان الذي شنته تلك الحكومة على غزة، التي نجحت في ضرب تل أبيب بالصواريخ، كذلك فشلها في إجبار الجانب الفلسطيني على العودة للمفاوضات، حيث تواصل القيادة الفلسطينية شن الهجوم الدبلوماسي على إسرائيل، حيث حققت نجاحات على مستوى البرلمانات الأوروبية التي تعترف تباعا بالدولة الفلسطينية.
لكن ما لابد من قوله، بأنه رغم كل هذا، فإن زمام المبادرة ما زال بيد اليمين الإسرائيلي، والدليل على ذلك أن نتنياهو، وكان لديه خيار إعادة تشكيل الحكومة بالتحالف الذي كان تقليديا قبل عقدين تقريبا، مع الوسط واليسار، لكنه، وسبب القوة المتزايدة لليمين المتطرف، فإنه آثر الذهاب إلى انتخابات جديدة تشير لها استطلاعات الرأي بان أحزاب الليكود، إسرائيل بيتنا، والبيت اليهودي ستحصل خلالها، على أكثر من خمسين مقعدا.
كان الخلاف فقط بين الكتل البرلمانية على موعد الانتخابات، والتحديد قبل أو أبان أو بعد عيد الفصح اليهودي، أي في العاشر، أو السابع عشر أو الرابع والعشرين من آذار من العام القادم 2015 .
وحدهم العرب في إسرائيل الذين كانوا يفضلون موعدا انتخابيا ابعد من ذلك، حتى يتسنى لهم التحضير بشكل أفضل لتلك الانتخابات التي ستجري وفق نسبة حسم أعلى، بعد إقرار الكنيست زيادة النسبة من 2 إلى 3,75 %، مما يفرض على الكتل العربية التوحد أو الخروج من التمثيل المستقل في البرلمان، ولعل هذا يكشف حقيقة ذهاب إسرائيل إلى الفرز الطائفي والعرقي والى التمييز العنصري، فهذه الانتخابات ستجري على وقع الذهاب لإقرار يهودية الدولة في الكنيست القادم، حيث ستضمن أغلبية يهودية / يمينية / متطرفة، إقرار القانون الذي يتطلع إليه اليمين واليمين المتطرف والذي يعارضه اليسار والوسط والعرب، والذي يحقق هدف " تنقية الدولة " من العناصر غير اليهودية !
يبدو أن إسرائيل، تذهب لاستثمار جملة من العوامل التي تساعدها على حسم جوهر صراعها التاريخي مع الجانب الفلسطيني، وهذه العناصر هي : على الصعيد الداخلي، استثمار ضعف اليسار وتلاشيه ومن ثم تراجع قوة الوسط، والتنامي المطرد لليمين واليمين المتطرف، كذلك استمرار الانقسام في الجانب الفلسطيني، وانشغال المنطقة العربية بمشاكلها الداخلية، وهذه أمور متداخلة، تؤثر في بعضها البعض، وحيث أنه من الصعب التوقع بان تستمر سنين طويلة، لذا فإن إسرائيل تسعى لترتيب طبيعتها الداخلية ومن ثم علاقتها مع الفلسطينيين، إن كان أولئك المتواجدون على أرضها كمواطنين في الدولة حققوا مكسبا تاريخيا من خلال بقائهم وصمودهم، ومن ثم انتزاع حقهم في المواطنة أو أولئك الذين بقوا على أرضهم المحتلة، بحيث أن الحكومة القادمة، لا تجد نفسها أمام احد خيارين : إما حل الدولتين أو حل الدولة ثنائية القومية، فهي تسعى لأن تضع حدا نهائيا لحل الدولتين دون أن يعني ذلك المغامرة بالذهاب لدولة ثنائية القومية.
المفارقة تبدو بالمقارنة مع الجانب الفلسطيني، الذي رغم مشاكله الداخلية، خاصة ما يتعلق منها بالانقسام وما يجره من ويلات متعددة الأشكال والمستويات، ورغم تجاوزه لاستحقاقه الانتخابي بسنوات، أو بالتحديد بولاية أخرى كاملة، إلا انه ما زال عاجزا عن إجراء انتخاباته التي تعيد تجديد الدماء في عروقه السياسية، فضلا عن توحيد ما هو منقسم، وتفعيل ما هو عاجز وتجديد ما هو شائخ ومترهل !
Rajab22@hotmail.com
رجب ابو سرية


