محاولة حسم الصراع عبر معركة يهودية الدولة هو الشغل الشاغل لليمين الإسرائيلي المتطرف هذه الأيام.
كان المفكر الإسرائيلي شلومو ساند قد قام بتفكيك ودحض الرؤية الصهيونية من خلال كتابيه "اختراع الشعب اليهودي" و"اختراع أرض إسرائيل" ثم اتبعهما بكتاب ثالث هو"كيف لم أعد يهوديا" الذي سأعرض أهم أفكاره كرد على مشروع قرار يهودية الدولة الذي يناقش الآن في إسرائيل.
كما أرغمت القومية الإثنو - دينية الفتية (هاينريش هاينه) أهم شاعر وناقد ألماني على اعتناق المسيحية في مطلع القرن 19، كي يتم اعتباره ألمانيا، وكما رفضت القومية البولندية في ثلاثينيات القرن الـ 20 الاعتراف بوالدي (والد شلومو ساند) كبولندي طالما لم يصبح كاثوليكيا، كذلك يرفض الصهيونيون (اليمين الجديد) في بداية القرن 21 في إسرائيل وخارجها رفضا باتا الاعتراف بقومية إسرائيلية مدنية ولا يعترفون سوى بالقومية اليهودية التي لا يمكن الانضمام إليها سوى بطريقة واحدة ووحيدة هي ان يكون ابنا لأم يهودية أو الخضوع لاجراءات التهود الطويلة والمؤلمة وفق احكام الشريعة اليهودية حتى لو كان علمانيا وملحدا".
ويضيف ساند: أولا، لكي تبرر الصهيونية استيطانها في فلسطين كان يتعين عليها الاستناد الى (التناخ – التوراة) الذي اعتبرته بمثابة صك الملكية القضائي على الارض.
وثانيا لكي تؤكد "حقوقها التاريخية" رسمت تاريخ الجاليات اليهودية المختلفة...كرواية سردية خطية عن شعب عرقي يُزعم بأنه طرد من وطنه بالقوة وبأنه ظل محافظا على وجوده المستقل دون اختلاط ومصاهرة بأحد، وظل يتوق إلى العودة إلي ارض الاجداد طوال الفي عام.
وقد استنبطت الصهيونية العلمانية الاسطورة الدينية حول نسل ابراهيم والاسطورة المسيحية حول الشعب الملعون والمهجر الذي طرد بجريرة خطاياه "صلب المسيح"، ونجحت في أن تنحت من كلتيهما إثنوقراطية لم يستطع زيفها الواضح النيل منها.
وأنتجت ثقافة جديدة مهيمنة فكريا وسياسيا بالاستناد لأداتين هما جهاز التعليم والجهاز العسكري.
لقد جرى تركيب الرغبة الجامحة بالحصرية اليهودية على جريمة الابادة النازية، حين ركزت على ايصال الم الماضي إلى حده الاقصى لتحقيق اقصى ما يمكن من الكسب السياسي والاقتصادي.
فقد تم إخفاء جميع الضحايا الآخرين والذين يقدر عددهم بـ 5 ملايين أبادهم النازيون مع الـ 6 مليون يهودي، وأستأثر الجينو- سايد النازي بالحصرية اليهودية.
ويستعرض ساند مفارقة متناقضة أخرى بالقول: كما أن صورة اليهودي السلبية في الماضي وبخاصة عندما قدمتهم القوميات المعادية للسامية وبخاصة هتلر كإثنوس حافظ على نقاوته الوراثية السلبية والمشوهة كانت كاذبة، فإن صورة الاخلاق اليهودية الايجابية والنبيلة اسطورة مفبركة تفتقر الى اي إسناد تاريخي علمي.
من هو اليهودي
"يعتبر الشخص يهوديا بسبب الجوهر الابدي الكامن في شخصيته الفريدة والغامضة، هويتي اليهودية تأسست على ماضٍ ميت فقط. عرفت الصهيونية اليهود على انهم شعب من اصل واحد اي عرق واثنوس واحد. وحاولت التأكيد على النقاوة الوراثية عبر الحامض النووي والبصمة لكنها فشلت.
الصهيونية تخشى من ذوبان اليهود في الاغيار، لذا فقد منعت الدولة فور قيامها الزواج المدني ولا يسمح إلا بالزواج الديني، ولا يجوز تبني زوجين يهوديين لطفل غير يهودي إلا بعد جعله يهوديا، منذ الثمانينيات ثمة تشديد على ان اسرائيل دولة يهودية، دولة لليهود فقط ونظرت لغير اليهود باعتبارهم خطرا يهدد الوجود اليهودي".
ويجري ساند مقارنة مع تجارب أخرى، فإذا قررت الولايات المتحدة انها دولة (انجلو – ساكسونيين بروتستانت) فماذا سيكون مصير الآخرين بما في ذلك اليهود.
وإذا قررت فرنسا تعديل دستورها وعرفت البلاد على انها دولة كاثوليكية ولا يجوز بيع اراضيها لغير الكاثوليك وان مواطنيها البروتستانت والمسلمين واليهود لا يتمتعون بحق الاقتراع والترشح للانتخابات ماذا سيحدث لفرنسا؟ وماذا لو فعلت المملكة المتحدة واسبانيا الشيء ذاته ؟ ويتساءل ساند: ألا يتطابق وضع اليهودي في دولة اسرائيل في العقد الثاني من القرن الـ 21 مع البيض في جنوب الولايات المتحدة في الخمسينيات من القرن 20، ومع الفرنسيين في الجزائر قبل 1962 والجنوب افريقيين قبل العام 1994.
هل اليهودية نادٍ حصري مغلق يتم اختيار البشر وفقا لاصلهم، ولا يوجد اختيار طوعي حر، وبهذا المعنى لا توجد يهودية علمانية داخل وخارج اسرائيل.
ان تكون يهوديا يعني ان تتمتع بامتيازات لا يتمتع بها غير اليهود، يستطيع اليهودي ان يمتلك الارض، ويقيم بؤرة استيطانية في ارض غير اليهود، وان يكون وزيراً للخارجية ويعيش في مستوطنة غير قانونية بحسب القانون الدولي.
وكل هذا التمييز لا يمكن تسميته إلا عنصرية
اكثر من 50% - اصبحت 60% - من نسل اليهود الاميركيين ونسبة ليست اقل من نسل اليهود الاوروبيين يتزوجون من اغيار.
وبمفهوم المتعصبين للدولة اليهودية فإن كل من يتزوج او تتزوج من الاغيار انما ينضم للملايين الستة (ضحايا النازية).
لا يمكن تسمية صيانة الهوية اليهودية وكبح العلاقات الانسانية أوالحب بين البشر إلا عنصرية، وبناء هوية بوساطة التجنيد الدائم لصدمة في الماضي لا يمكن رؤيتها إلا بوصفها حالة مرضية تلحق اشد الاذى والخطر بالافراد والجماعات التي تأخذ بها طوعا او فرضا.
ثم يصل شلومو ساند الى النتيجة التالية: أرى من واجبي الاخلاقي الانفصال نهائيا عن اليهودية المتمركزة حول ذاتها القبلية.
عندما يصنفونني ضمن اثنوس خيالي ويشملونني في ناد حصري فإنني أطلب الانسحاب.
إن العنصرية موجودة في كل مكان تقريبا، لكن في اسرائيل العنصرية بنيوية بروح القوانين، وتدرس في جهاز التربية والتعليم ومنتشرة في وسائل الاعلام، وتطبق على الفلسطينيين بشكل سافر.
والامر المروع اكثر أن العنصريين في اسرائيل لا يعرفون انهم كذلك ولا يشعرون بوجوب الاعتذار.
وتشكل اسرائيل نموذجا يحتذى به في نظر معظم حركات اليمين المتطرف في انحاء العالم والتي كانت معادية للسامية.
"عنصرية انبنت على اساطير كوجود شعب في مرحلة تاريخية لم تشهد فيها ولادة الشعوب بعد، ونفي هذا الشعب مع وجود دلائل على عدم النفي، وانكار التهود الطوعي وبالقوة (انكار دولة الخزر ومملكة حدياب ومملكة حمير والبرابرة المتهودين في شمال افريقيا).
وانكار أن اصل معظم يهود اوروبا الشرقية بما في ذلك اوكرانيا وروسيا متسلسل من قبائل عاشت تحت حكم الامبراطورية الخزرية.
وهذا يقود الى ان الاصل المؤكد لمحتلي القدس ومشيدي المستوطنات هو تلك القبائل الخزرية وليسوا من ذرية مملكة داود وسليمان.
هؤلاء حقيقة جاءوا كمستعمرين ومارسوا ابشع اشكال النهب والقهر المغطى بأمر إلهي وصك ملكية غير قابلة للنقاش.
الصهيونية تعيد انتاج مملكة صليبية جديدة استعراقية منعزلة في قلب الشرق، هذه المملكة يكتنف مستقبلها الشك" كما يختم شلومو ساند الذي لم يعد يهوديا.


