خبر : محاكمة القرن بين عهدين! ...رجب ابو سرية

الثلاثاء 02 ديسمبر 2014 08:33 ص / بتوقيت القدس +2GMT
محاكمة القرن بين عهدين! ...رجب ابو سرية



رغم نزاهة ومهنية وعراقة القضاء المصري، ورغم أن مؤسسة القضاء المصرية كانت مع مؤسسة الجيش، واحدة من أهم المؤسسات التي حافظت على الدولة من السقوط، في مواجهة أكثر من ثلاث سنوات من الفوضى العارمة، بعد نحو ثلاثين سنة من الركود والفساد وسوء إدارة الدولة، رغم كل ذلك إلا انه لا بد من القول إن الحكم فيما سمي بقضية القرن، قد تأثر بتطور الأحداث السياسية الدراماتيكية والعاصفة التي شهدتها مصر، منذ السقوط السياسي لحكم الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك يوم الحادي عشر من شباط 2011 وحتى يوم الثامن والعشرين من تشرين ثاني 2014.
تلك الأحداث التي شهدت تولي الحكم من قبل نظامين رسميين وثالث انتقالي، وثورتين شعبيتين، خرج خلالهما عشرات الملايين من المواطنين، للشوارع والميادين، ومن ثم لصناديق الاقتراع، في صورة قلما يشهد التاريخ في العالم بأسره مثيلاً لها.
لكن أول ما يثير الانتباه، وبالتالي يثير التساؤل هو ذلك التباين في النطق بالحكم، خلال عهدين ورثا حكم مبارك على التوالي، وهما حكم الأخوان المسلمين، برئاسة محمد مرسي العياط، وما يصر البعض على تسميته بحكم العسكر، برئاسة عبد الفتاح السيسي، رغم أن الرجل قد غادر المؤسسة العسكرية وترشح كمواطن مدني، ولم يشكل قبل ذلك ولا بعد ذلك مجلس قيادة للثورة (ثورة 30 حزيران/ يونيو)، بل لم يدع أصلا أنه قائد الثورة، ذلك التباين في الحكم القضائي الذي تراوح بين المؤبد والبراءة!
لا بد من ملاحظة التباين في مصير من كانوا يحكمون الدول العربية الخمس التي شهدت _ حتى الآن _ ما يسمى بالربيع العربي، ففي كل من مصر وتونس اللتين ظل فيهما الصراع سلمياً، وإن كان قد شهد سقوط ضحايا _ في مصر كان عدد سقوط الضحايا، كذلك تبعات سقوط نظام الأخوان، خاصة فيها سيناء كانت حادة أكثر _ أقل بكثير مما حدث في كل من ليبيا واليمن اللتين شهدتا سقوط رأسي النظام فيهما، ولكن بعد اقتتال داخلي عنيف، كذلك ربما كان المشهد الأكثر عنفا هو ذلك الذي ما زال يحدث في سورية، المهم أن زين العابدين بن علي غادر تونس على عجل، فلم تلاحقه المحاكم، فيما أصر مبارك على البقاء في مصر ومن ثم مواجهة المعركة القضائية.
في حقيقة الأمر فإن الثورة وضعت حدا سياسيا لحكم مبارك، حتى انه لم يعد أحد يشير الآن إلى ما كان قد أشيع سابقاً عن فلول النظام، وضرورة ملاحقتهم اجتماعيا وسياسيا في الداخل، خاصة إبان إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية، وربما كان ذلك قد بلغ ذروته في التوظيف السياسي خلال الجولة الثانية من انتخابات الرئاسة بين المرشحين محمد مرسي واحمد شفيق، فيما كان مشهد الرئيس الأسبق وهو يحاكم مع أركان نظامه الأمني في قفص المحكمة، مضافا إلى مشهد مصرع معمر القذافي ومن قبل مشهد محاكمة ومن ثم إعدام الرئيس العراقي السابق صدام حسين، الهدف منه خلخلة البنية النفسية للمواطن العربي، وتبديد الكثير من قناعات التقديس للرؤساء والحكام المستبدين، كذلك محاولة تبديد الخوف المتأصل في النفوس تجاه هؤلاء، وإن كان الأمر لم يخل من مشاعر متضاربة بين ملايين العرب.
لا بد من القول بعد سنوات من الحراك والتغيير السياسي في عدة دول عربية، إن كل شيء صار يخضع للمال، بما في ذلك صنع السياسة وحتى الثورات، وإن كسب المعارك السياسية، كذلك القضائية يتطلب توفر العديد من العناصر، في مقدمتها المال السياسي، وهذا ما يفسر قدرة دول عربية صغيرة في عدد السكان وفي المساحة الجغرافية، وحتى في المكانة والوزن السياسي على التأثير الحاسم، نقصد بذلك المثلث الخليجي المكون من: قطر، الإمارات، والسعودية، على التأثير لدرجة قيادة تلك المتغيرات في دول ذات تاريخ ومكانة مركزية في العالم العربي: مثلث مصر، العراق، وسورية.
ولا شك انه رغم نزاهة القضاء المصري خاصة، فالمحكمة المصرية، على أي حال، لم تكن مسيّسة ولا مدارة من قبل دولة خارجية، كانت تحتل العراق، وهي التي اعتقلت الرئيس السابق صدام حسين، كما كان الحال في العراق، إلا أن مكانة المتهمين السابقة ومعرفتهم بمفاتيح الدولة، كذلك قدرتهم على توكيل أقوى محامي الدفاع، وتوفير الأدلة، كذلك الشهود، وحتى إدارة، ولو حتى من وراء الكواليس وسائل أعلام مهمة، وتحشيد الأنصار، بما لديهم من مقدرات مالية، كل ذلك يشير إلى أن المال يمكنه أن يصنع المعجزات!.
ولقد كانت إشارة قاضي محكمة القرن المستشار محمود كامل الرشيدي، بعد النطق بالحكم وقبل الإعلان عن رفع الجلسة عن أن التاريخ هو من سيحكم سياسياً على حقبة مبارك في الحكم، وعلى أن العدالة المطلقة لا تتحقق إلا في السماء، ذات دلالة بالغة، فيما لم يتبق لأسر الضحايا إلا التطلع للرعاية الاجتماعية من قبل الدولة، بعد أن تم تسجيل خانة "القاتل" في أحداث يناير 2011 في مصر ضد مجهول!.

Rajab22@hotmail.com

رجب ابو سرية