خبر : تدافع الشرعية بين الإخوان والسعودية ...بقلم د. وليد القططي

الجمعة 28 نوفمبر 2014 08:28 ص / بتوقيت القدس +2GMT
تدافع الشرعية بين الإخوان والسعودية ...بقلم د. وليد القططي




لعل البعض يستغرب العداء الذي تحمله المملكة العربية السعودية ومن ورائها التيار السلفي الوهابي لجماعة الإخوان المسلمين , مع أنهما ينتميان إلى نفس الدائرة الإسلامية السنية , ويصنّفان نفسيهما في إطار ما يُعرف بأهل السنة والجماعة . ويزداد الإنسان استغراباً إذا علم أن حلفاً كاد أن يتبلور من التيارين – الإخوان والسلفية – في وقت سابق أثناء ذروة ما يُسمى بثورات الربيع العربي لمواجهة ما أطلقوا عليه ( خطر المشروع الشيعي ) بدلاً من مواجهة خطر المشروع الصهيوني الذي يهدد الأمة جمعاء بكافة مذاهبها وأعراقها وتنوعاتها المختلفة . ووفقاً لهذا المنطق الذي يكرّس الانقسام داخل الأمة فإنه من المفترض أن يكونا متقاربين لا متباعدين فضلاً عن أن يكونا متخاصمين .
وهذا الاستغراب يزول إذا عرفنا السبب الذي يُبطل العجب , والسبب هو الصراع على شرعية تمثيل الإسلام السني الذي تتنازعه السعودية مع الإخوان , وتريد أن تحتكر تمثيله بعد أن احتكرت لنفسها تمثيل المدرسة السلفية الإسلامية ودمغتها بالطابع الوهابي الصرف الذي يُلغي ما عداه . فبعد أن ابتلعت المدارس السلفية غير الوهابية تسعى إلى ابتلاع الإسلام برّمته في جوفها وتعيد هضمه وإخراجه للناس وفقاً لرؤيتها الخاصة للإسلام الذي أنتجت للأمة الجماعات المتوّحشة التي تنسب نفسها للإسلام زوراً وبهتاناً .
وهذا الاحتكار لتمثيل الإسلام اصطدم بالإخوان المسلمين الذين يحتكرون تمثيل الإسلام لأنفسهم , فكلاهما لا يقبل الآخر المختلف عنه حتى من نفس الدائرة الإسلامية السنية , وأحياناً من نفس المدرسة الفكرية والأرضية الإيديولوجية . مع تفاوت نسبي في درجة قبول الآخر لصالح الإخوان المسلمين , وهذه الرؤية الإقصائية والنظرية الأُحادية التي تحتكر الحق والصواب هي التي تجعل كل منهما النموذج الأوحد الصحيح للإسلام الذي ينبغي إتباعه , وما عداه يقع إما في دائرة الكفر والفسق , أو يقع في دائرة الضلال والانحراف والبدعة والخطأ على الأقل .
ولقد زاد هذا الصراع والتدافع بعد اندلاع ثورات ما يُسمى بالربيع العربي لا سيما عندما فاز الدكتور محمد مرسي بالرئاسة المصرية وأصبح أول رئيس جمهورية في مصر من الإخوان المسلمين , وبدأ الإخوان المسلمين يخطون الخطوة الأولى في تحقيق مشروعهم السياسي نحو الدولة الإسلامية التي ستقدم نموذجاً مختلفاً للدولة الإسلامية عن النموذج السعودي الوهابي , وبالتالي سيتم سحب البساط من تحت أقدام السعوديين وتكسر احتكارهم لتمثيل الإسلام السني . خاصة وأن الإخوان المسلمين بدأوا يتقدمون في بعض البلدان العربية الأخرى عبر صناديق الاقتراع أو عبر سلاح الثورة , ولذلك وقفت المملكة العربية السعودية ضد نظام محمد مرسي , وأيدت الثورة المضادة التي تزعمها العسكر وأسقطوا الرئيس محمد مرسي من سدة الحكم ليضعوه في غياهب السجن فيختفي عن الوجود والشهود , ويختفي معه مشروع الإخوان المسلمين الذي يقدم نموذجاً آخر للإسلام يختلف نسبياً عن مشروع التيار السلفي الوهابي المجسّد في الدولة السعودية .
والسبب الثالث لهذا التدافع والصراع بين الطرفين هو دعوات الإصلاح التي نادي به بعض العلماء السعوديين المتأثرين بفكر الإخوان المسلمين , أو الذين ينتمون لمدرسة الإخوان المسلمين الإصلاحية , والتي تدعو إلى إحداث إصلاح في نظام الحكم في السعودية يتجه نحو الديمقراطية , وتقييد سلطة العائلة المالكة , ومشاركة شعبية الحكم , ولقد زادت هذه الدعوات بعد ( الثورات العربية المعاصرة ) مما اقتضى من نظام الحكم في السعودية إلى النظر للإخوان المسلمين باعتبارهم يهددون استقرار المملكة ونظامها السياسي مما أدى بهم إلى اتخاذ خطوات قمعية وصلت إلى حد اعتبار جماعة الإخوان المسلمين جماعة إرهابية في بداية عام 2014 .
وفي الختام يمكن القول أن هذا الصراع والتدافع في احتكار تمثيل شرعية الإسلام يمكن أن ينتهي لصالح التعاون والتكامل والالتقاء على كلمةٍ سواء بين كل التيارات والجماعات والحركات والمذاهب الإسلامية , إذا اقتنع الجميع أنهم يمثلون رؤى مختلفة واجتهادات متنوعة في فهم الدين الإسلامي من خلال تفسيراتهم المختلفة لنصوص القرآن والسنة التي تقبل الاجتهاد في فهمها وتفسيرها , وأن هذا الفهم للنصوص لا يعني أنه النص نفسه بل ما تم فهمه من النص , وبالتالي لا يستطيع أحد أن يزعم لنفسه أن رؤيته الخاصة للدين الإسلامي هي الرؤية الوحيدة الصائبة وما عداها من رؤى خاطئة , وهذا يقودنا إلى استحالة أن يدّعي أحدٌ لنفسه وحدانية تمثيل الإسلام واحتكاره , فيقبل الآخر المختلف داخل الدائرة الإسلامية , ويتسامح مع الآخر المختلف خارج الدائرة الإسلامية في إطار الدائرة الإنسانية الأوسع . ويؤمن بالتعايش السلمي قولاً وفعلاً مع الدائرتين : الإسلامية والإنسانية , دون أن يتخلى عن إسلاميته التي تعزز إنسانيته .