خبر : في القدس قد نطق الحجر: هناك – أيها الفلسطيني – ليس إلا أنت!! د. أحمد يوسف

الخميس 27 نوفمبر 2014 01:49 م / بتوقيت القدس +2GMT
في القدس قد نطق الحجر: هناك – أيها الفلسطيني – ليس إلا أنت!! د. أحمد يوسف



تعرضت القدس منذ الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية لعملية تهويد مستمرة بغرض طمس معالمها الإسلامية، وتفاوتت هذه العملية بين تجريف بعض أحيائها مثل حي المغاربة، والاستيلاء على الكثير من المباني ذات القيمة الأثرية والدينية، إضافة لعمليات الاحتيال الممنهج للسطو على الكثير من المباني السكنية فيها بدعوى البيع والشراء، وكذلك عمليات الحفر المستمرة تحت المسجد الأقصى بادعاء البحث عن هيكل سليمان.!!

إن إسرائيل قد أطلقت العنان لأيدي المستوطنين للعبث بكل ممتلكات المسلمين والمسيحيين بالمدينة المقدسة، وحرصت على تنامي أعدادهم وإثبات وجودهم هناك، حيث إن أعداد المسلمين داخل أسوار المدينة والتي تجاوزت ألـ 60 ألفاً في عام 1967م قد تقلصت اليوم إلى النصف، أما الاستيطان اليهودي فقد تضاعف أضعافاً كثيرة، وأصبح هذا الوجود يهدد مستقبل المقدسيين ليس داخل أسوار المدينة ولكن أيضاً في كل أحيائها السكنية، حيث تستمر الظروف المعيشية للمقدسيين من الصعوبة بمكان، وذلك جراء سياسات الاحتلال الضاغطة على كل ما هو عربي بهدف دفعهم للرحيل، وتفريغ المدينة من سكانها، والدفع بالمستوطنين اليهود لأخذ أماكنهم، وإعطاء المدينة طابعاً يهودياً يجعل من الصعب مستقبلاً تسوية مكانتها كعاصمة للدولة الفلسطينية.

إن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة حرصت على إقامة التكتلات الاستيطانية حول القدس بهدف محاصرتها، وقطع التواصل معها باتجاهات عمقها الفلسطيني، وهذا معناه فرض سياسة الأمر الواقع، والعمل على إخراجها من دائرة التسويات والحلول السلمية للقضية الفلسطينية.

ما حصل في القدس في الأسابيع الأخيرة كان محاولات يائسة وعير محسوبة من نتانياهو لكسب ودِّ المستوطنين، وذلك بالسماح لهم بفعل كل ما يستطيعون بالقدس والمسجد الأقصى، حيث أن عينه على الانتخابات القادمة، بعدما أظهرت التصريحات المتناقضة إرهاصات التصدع في التحالف الحاكم.. ولذا، فهو يتطلع لدعم وتأييد المستوطنين حال انهيار حكومته الحالية، والتي تتأرجح على صفيح ساخن من الجدل والخلافات منذ الحرب العدوانية الأخيرة على قطاع غزة، والتي فشل فيها نتانياهو ووزير دفاعة موشي يعالون في تحقيق أية إنجازات ترفع من رصيد حكومته، حيث ارتدت سهام الفشل، وأصابت كل من هم في التحالف الحكومي.

ومع وقفة المقدسين البطولية في الدفاع عن المسجد الأقصى بكل ساحاته، والتصدي بكل جسارة لمن تعمدوا تدنسيه وانتهاك حرماته، وعملياتهم البطولية التي جاءت من حيث لم يحتسبوا طعناً ودهساً، وهزت كيانهم وهددت عرش وجودهم بالمدينة المقدسة، أخذوا بالتراجع، واستجاروا بالسلطة الفلسطينية وملك الأردن وكذلك بالولايات المتحدة، وذلك حتى لا تتسع دائرة المواجهات وتصل لصاعق "الحرب الدينية"، والتي إذا اندلعت فلن تبقي ولا تذر، حيث إن شراراتها إذا ما تناثرت في أرجاء الفضاء الإسلامي الواسع، والممتد على مساحة بشرية تتجاوز منطقة الشرق الأوسط إلى القارات الخمس، فإن لغة العداء والكراهية والغضب والرغبة بالانتقام سوف تستيقظ بوجه كل ما هو يهودي، بغض النظر عن مكان تواجده في أي بقعة من العالم.

لقد أعاد المقدسيون وإخوانهم الذين انتصروا لهم داخل الخط الأخضر وفي باقي مدن الضفة الغربية تذكيرنا بمقولة "إن هؤلاء الصهاينة لا يفقهون إلا لغة القوة"، وبغير القوة فلن تُجدي أية محاولات أخرى، والحصيلة ستكون "لن تفلحوا إذاً أبدا". لقد دخل عليهم المقدسيون الباب بقوة فعادوا إلى جحورهم، ولو لم تظهر هذه البطولات وصور التضحية العظيمة للشهداء معتز حجازي، وعبد الرحمن الشلودي، وغسان وعدي أبو جمل وآخرين، لكانت هيبتنا في التراب، وأضحت مفاتيح بوابات المسجد الأقصى بيد حاخامات المحتلين الصهاينة.

الاحتلال الإسرائيلي بين العبثية والغباء:

منذ احتلالها الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة عام 1967م وإسرائيل الدولة المارقة لا تؤمن بغير سياسة القوة لتطويع نفسيته الفلسطينيين وقهر إرادتهم، وكانت ممارساتهم هي استخدام القوة والمزيد من القوة.

وبالرغم من هذه السياسة لم تنجح في الماضي، إلا أن الغباء المستشري بعقلية هؤلاء الصهاينة وقطعان المستوطنين يدفعهم للاعتقاد بأن كسر شوكتنا إنما هو مسألة وقت، وهذا هو ما يجعله يتمادى في عنجهيته، ويتجرأ أكثر وأكثر.. ولكن الحقيقة هي عكس ذلك، فالمارد الفلسطيني وشعب الجبارين لديه دائماً الجهوزية والقدرة على الرد، وقد أحسن المفكر والمحلل السياسي د. مصطفى اللداوي، التعبير عن هذا الواقع، حيث أشار إلى أن "الاحتلال الإسرائيلي يخطئ عندما يظن أن الشعب الفلسطيني قد أُعدم وسائل المقاومة والنضال، وأنه بات عاجزاً عن اجتراح وسائل جديدة وطرقاً مختلفة ليواجه صلف الاحتلال، ويتحدى إجراءاته، ويتصدى لسياساته، وينتصر على التحديات التي يضعها، والصعاب التي يفرضها أو أنه يأس نتيجة الاحتياطات الأمنية الإسرائيلية، والاجراءات العقابية، ومحاولات التحصين والعزل التي يطبقها العدو في مناطقه، والتي جعلت من كيانه "غيتو" أمني معزول، محصَّناً بالجدران والبوابات والأسلاك الشائكة، والبوابات الاليكترونية وكاميرات المراقبة، وأجهزة التنصت والتسجيل والتصوير، وعمليات التفتيش والتدقيق التي يمارسها على المواطنين الفلسطينيين، والتي تبدو في أكثرها مذلة ومهينة، وقاسية وصعبة، أمام عشرات الحواجز الأمنية، التي ينصبها بين المدن والبلدات الفلسطينية، وعلى مداخل وبوابات مدنه ومستوطناته، حيث ينتصب أمامها الفلسطينيون في طوابير كبيرة، وينتظرون لساعات طويلة، قبل أن يسمح لبعضهم بالدخول، كما يُمنع الكثير منهم من المرور، ولو كانوا مرضى أو نساءً، أو رجالاً وأطفالاً، بحجة الاحتياطات الأمنية، والاجراءات الاحترازية".

وأضاف، "إن الكيان الصهيوني الغاصب يعتقد أنه بإجراءاته التعسفية هذه سيمنع الفلسطينيين من القيام بأي عملياتٍ مقاومة ضده، لاستعادة الحقوق، أو الرد على الانتهاكات والخروقات، انتقاماً من أعمال القتل والمصادرة، وصداً لسياسات الإغلاق والمصادرة، والاجتياح والاعتداء".

ولعل د. مصطفى اللداوي قد أجاد كذلك وصف المشهد الذي عليه الحال في جدلية الشعب والاحتلال، بالقول إن "كل فلسطيني أصبح في عيون الإسرائيليين مشروع مقاوم، واحتمال استشهادي، فقد يحمل سكيناً أو مدية، أو يخفي مسدساً أو قنبلة، أو يبدي استعداداً للانقضاض بنفسه، والعراك بجسده، والاشتباك بيديه، ثأراً وانتقاماً مما يرتكبه الإسرائيليون بحقهم، وأصبحت كل سيارةٍ أو حافلة تسير بسرعةٍ، مقبلةً أو مدبرة، وكل جرافةٍ أو دراجة، وأي آليةٍ متحركة أخرى، يقودها فلسطيني، عربي الوجه والسحنة، وكأنها تهمَّ بدهسهم، وتنوي قتلهم وسحق أجسادهم".

ولقد أعجبتني تلك الإشارات المعرفية التي طرحها الصحفي حسين حجازي في مقالة له، حيث تساءل مستنكراً: "أي هراءٍ تحاوله اليوم يا نتنياهو في تغيير الطابع الديني والثقافي والتقليدي بل والرمزي لسكان القدس الإسلامية العربية، وقد فشل - قبلك - في ذلك اليونان والرومان والصليبيون؟"

فكيف يمكن بعدئذ تغيير طابع ووجه مدينة تختزن تحت قبتها كل هذا الغضب والانفجارات، التي من شأنها ان تهز الأرض والسماوات؟

وأضاف "لقد اعتقد الإسرائيليون دوماً أنهم الأذكى، وأنهم على محور الزمن وعن طريق المخاتلة أو المحايلة يمكن تغيير الواقع بإرساء الوقائع الجديدة. وحتى يمد الله في أوهامهم فقد بدا في الآونة الأخيرة كما لو أن الرياح تدفع في أشرعتهم، وعلى قاعدة إذا هبت رياحك فاغتنمها"، حيث المشهد العربي من الهزالة السياسية بمكان، فالحروب والصراعات الداخلية قد استعرت في معظم الأقطار العربية، وهي تغري بضرب الذكر عنهم صفحاً، فلم يعد لهم شوكة ولا هيبة، كما أن السلطة الفلسطينية - في ظل الانقسام - تبدو عاجزة ومقطوعة الحيلة.  

لكن الذي حدث ولشدة غبائهم في تجاهلهم لفلسفة التاريخ، وجدوا أنفسهم بعد أن تخلصوا من قتال الجيوش التقليدية، يواجهون جيوشاً لا قبل لهم بها، ولم يعدُّوا أنفسهم من قبل لمحاربتها، وهي الجيوش الجديدة التي ورثت الجيوش التقليدية، وهكذا سوف يهزمون المرة تلو الأخرى، ولن تفلح نداءاتهم: "دعوا الجيش ينتصر"، وهذا ما شاهدناه في تموز 2006م مع حزب الله، وأيضاً في تموز 2014م في قطاع غزة، حيث حدث ما توقعناه "سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ". 

سؤال برسم الجواب: هل الانتفاضة قادمة ؟

منذ زمن طويل ونحن نبشر بأن الانتفاضة الثالثة قادمة؛ لأن ممارسات الاحتلال وأساليبه القمعية تستفز الحجر، كما أن تعديات مستوطنيه وتعمد تدنيسهم للمقدسات أوصلت الفلسطينيين لحالة من الغليان والرغبة في الانتقام غير مسبوقة، ولكن واقع الحال القائم في فلسطين والمنطقة من حيث الانقسام والصراعات الدامية لا يشجع بما فيه الكفاية للتحرك والنهوض، وهذا لاعتبارات أوردها الأستاذ هاني المصري في النقاط التالية:

أولاً) عدم وجود قيادة للانتفاضة، فالرئيس أبو مازن أعلن - مراراً وتكراراً - معارضته لاندلاع انتفاضة جديدة، وعبَّر هذا الموقف عن نفسه من خلال منع العديد من المظاهرات، وأي شكل من أشكال الاحتكاك بين قوات الاحتلال وقطعان المستوطنين في مناطق سيطرة السلطة، ودعا مؤخراً إلى التهدئة في القدس التي تشهد تصعيدًا إسرائيلياً غير مسبوق. ولعل هذا الأمر، يفسر لماذا تشهد المناطق غير الخاضعة للسلطة مثل القدس مواجهات أقوى وأعمق من غيرها.

ثانياً) لعب الانقسام دوراً أساسياً في عدم اندلاع انتفاضة جديدة، كما لعب تعدد القيادات والمرجعيات والاستراتيجيات دوراً مهماً في الحؤول دون تحقيق الانتفاضات السابقة أهدافها، إضافة إلى أن الخلاف حول أهداف الانتفاضة وأشكال النضال المناسبة (سلميّة أو مسلحة) يلعب دورًا في تأخير اندلاع الانتفاضة.

ثالثًا) عدم تحقيق الانتفاضات السابقة لأهدافها برغم البطولات الأسطوريّة والتضحيات الغالية، وانتهاؤها إلى حالة من الفوضى والفلتان الأمني؛ يجعل الشعب يخشى من الانتفاضة وغير واثق من انتصارها، فالانتفاضات الكبرى يحركها الأمل والثقة بالانتصار أكثر ما يحركها اليأس والإحباط، وإذا أضفنا إلى ما سبق نشوء طبقة ما بعد أوسلو التي ازدادت نفوذًا وثروة، أصبح من مصلحتها عدم اندلاع الانتفاضة وعدم انتصارها إذا اندلعت، ووقوع ثمار "السلم والحرب" في بطنها يجعل الشعب يفكر أكثر من مرة قبل الانتفاض مجددًا، إلا إذا جاءت الانتفاضة ردة فعل على تصعيد عدواني لا يتحمله الإنسان الفلسطيني كما يجري حاليًا في القدس.

رابعاً) إن التغييرات العاصفة التي تشهدها المنطقة وما انتهت إليه من حروب داخليّة وطائفيّة ومذهبيّة تهدد في تفتيت - وحتى تقسيم - عدة بلدان عربيّة؛ تلعب دوراً في عدم إقدام الشعب الفلسطيني على الانتفاضة، لأنه يدرك أهميّة البعد العربي والإقليمي والدولي للقضيّة الفلسطينيّة ولمناصرة كفاح الشعب الفلسطيني لتحقيق أهدافه في تقرير المصير والعودة والاستقلال.

بصراحة، إن حسابات السلطة الفلسطينية والرئيس أبو مازن تختلف 180 درجة مع رغبات الشارع بالضفة الغربية وفصائله الوطنية والإسلامية في التصعيد والمواجهة، ولذلك نشهد محاولات الأجهزة الأمنية العمل - دائماً - على تهدئة الأوضاع، وقمع أية تحركات ومظاهر احتجاجية ضد الاحتلال بكل الوسائل السلمية والعنفية.

نتانياهو: انقلاب السحر على الساحر

منذ أن بدأ يصعد نجم نتانياهو في الثمانينيات كدبلوماسي، ثم كرئيس للوزراء في التسعينيات، وحلفاء إسرائيل في الدول الغربية يتابعون أداءه السياسي، من حيث التزامه بالعهود والمواثيق مع الفلسطينيين ودول الجوار، ويبدو اليوم أن الكثيرين في دول الاتحاد الأوروبي قد فقدوا الثقة به، فهو بالنسبة لهم الآن ليس أكثر من كذَّاب أشر، ورجل يمتهن الدجل السياسي، ويعمل على التقرب من المستوطنين بهدف كسب أصواتهم، فكل ما يعنيه هو أن يبقى في السلطة إلى يوم يبعثون.

لذلك، فإن التوجه العام في الدول الغربية أن هذا الرجل لا يحترم القانون الدولي ولا القانون الدولي الإنساني، وليس لديه رؤية سياسية ولا توجهات باتجاه تحقيق السلام مع الفلسطينيين، وهو متهم بجرائم حرب، وكل ما يقوم به هو التهرب من أية استحقاقات أو التزامات تجاه الفلسطينيين، والتحايل لشراء الوقت وفرض المزيد من الحقائق الاستيطانية على الأرض، وذلك بهدف الإجهاض على فكرة "حل الدولتين"، والتي تمثل منذ توقيع اتفاقية أوسلو عام 1993م الرؤية الغربية لإنهاء الصراع في المنطقة، من خلال قيام دولة فلسطينية على الأراضي التي تمَّ احتلالها في الضفة الغربية وقطاع غزة عام 1967م، والقدس عاصمة لها.

لا شك أن هذه الرؤية تتآكل يوم بعد يوم، وهناك أكثر من شخصية إسرائيلية وغربية أشارت إلى أن "حل الدولتين" قد أصبح شيئاً من الماضي، حيث إن كل المعطيات على الأرض من حيث حجم الاستيطان وأعداد اليهود القاطنين في القدس والضفة الغربية، والتي وصلت إلى قرابة 750 ألف مستوطن لا تبعث على الاطمئنان، وهي بمثابة الحالقة لكل محاولات المجتمع الدولي تحقيق تسوية سلمية، وإقامة دولة فلسطينية مستقلة.

إن نتانياهو من خلال كل مواقعه السياسية هو من عمل على تعطيل ذلك، وهو يتحرش اليوم بالقدس والمقدسين، وذلك بغرض إنجاز آخر مخططاته الاستفزازية بالاستيلاء على أكثر من موطئ قدم لليهود داخل ساحات المسجد الأقصى، والتي تنذر بحرب دينية صواعق تفجيرها بيد هؤلاء الغلاة من المستوطنين.

ولعل هناك بعض التلميحات التي جاءت في هذا السياق على ألسنة الكثير من العرب واليهود محذرة من مخاطر وعواقب ذلك، ومنها ما صرَّح به يوفال ديسكين؛ الرئيس السابق لجهاز المخابرات الداخلية الإسرائيلي (الشاباك)، من أن دخول الاعتبارات الدينية في الصراع ستفضي إلى تأجيجه، محذراً من أن هذا التطور لا يهدد بتفجر الأوضاع مع الشعب الفلسطيني فقط، بل سيجلب أيضاً مواجهة مع العالمين العربي والإسلامي.

وفي نفس السياق، كانت التحذيرات التي التي أوردتها وسائل الإعلام على لسان الرئيس محمود عباس، ووزير الأوقاف الأردني محمد نوح القضاة، والمهندس عدنان الحسيني وزير شئون القدس في الحكومة الفلسطينية، وكذلك بيان الجامعة العربية، وكلها تندد من استمرار سياسات الاستهتار بمشاعر المسلمين التي تقوم بها اسرائيل في المسجد الأقصى، وتحذر من اشتعال فتيل "الحرب الدينية"، التي قد تقود المنطقة بكاملها، ولن تقف تداعياتها عند حدود فلسطين فحسب بل ستمتد إلى مناطق أخرى من العالم.

ومن الجدير ذكره، أن الدول الغربية هي بصدد إنزال بعض العقوبات على إسرائيل، كما أن بعضها الآخر قد لوَّح بورقة الاعتراف بالدولة الفلسطينية كوسيلة للضغط على نتانياهو وحكومته اليمينية المتطرفة.. في الواقع، فإن ما نراه اليوم هو أن سحر نتانياهو قد انقلب عليه، وفقد بريقه السياسي، وأن مشروعه في السماح للمستوطنين في استباحة ساحات المسجد الأقصى وتدنيسه بأحذيتهم لن يؤتي أكله، وسوف تدفعه ردات فعل المقدسين للتراجع والابتعاد وتجنب اللعب بالورقة الدينية مرة ثانية. 

إن نتانياهو اليوم، ومن وجهة نظر المجتمع الدولي، هو مجرم حرب مطلوب للعدالة، وسرعان ما ستلاحقه القضايا بمحكمة الجنايات الدولية (ICC) في لاهاي، وهو في المشهد الإنساني يشكل تهديداً للسلم العالمي، كما أنه "يشكل التهديد الأكبر لوجود إسرائيل" كما عبر عن ذلك بصراحة أستاذ القانون الدولي ويليام شاباس؛ رئيس لجنة تقصي الحقائق في جرائم الحرب الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة.

لن ينجو نتانياهو في علاقاته المتوترة مع أمريكا والمجتمع الدولي، وستكون المواجهات في القدس هي الحبل الذي يلفه بغباء حول عنقه أو الرصاصة التي تصيب ساقه وتشل حركته، ليعيش معها – كمعاق - مذموماً مدحورا.

ختاماً: في القدس من في القدس؟

ويبقى السؤال الذي يردده الفلسطينيون – باستنكار وغضب - حيال حالة التخاذل العربي والصمت الإسلامي تجاه ما يجري في القدس، والتي تستفز مشاعر المدافعين عن المسجد الأقصى والمرابطين فيه من شباب الحركة الإسلامية، أين العرب؟ أين المسلمون؟

ولولا بعض كلمات المواساة التي أطلقتها تركيا على لسان رئيسها رجب طيب أردوغان، حيث قال في كلمة ألقاها أمام منتدى رجال الأعمال الجزائري - التركي في الجزائر: 'عشنا وشاهدنا جميعنا بكل أسف العمليات البربرية الإسرائيلية التي لا يمكن السكوت عليها'.. وأضاف: "إن المسجد الأقصى ليس للفلسطينيين وحدهم، بل هو أحد أهم مقدساتنا المشتركة جميعاً. إن الاعتداء على المسجد الأقصى يعتبر اعتداءً على مكة المكرّمة، وإنّ على الحكومة الإسرائيلية أن تنهي هذه الأفعال الشنيعة فوراً".

وبالتّوازي مع تصريحات الرئيس أردوغان، فقد أكّد رئيس الوزراء أحمد داوود أوغلو أنّ الاعتداءات الإسرائيلية على الأقصى لا يمكن قبولها، وأنّ تركيا ستفعل ما يلزم لإنقاذ الأقصى من دنس اليهود.. وأوضح قائلاً: "إنّ القدس أمانة في أعناقنا من سيدنا عمر، وأمانة "ياووز" سليم الأول، وسليمان القانوني، والسلطان سليم. فلو تخلّى العالم كله عن القدس، نحن لن نتخلّى عنها؛ لأنّ القدس قضيّتنا، وستظل إلى الأبد قضيّتنا".

لقد كانت هذه المواقف هي الأقوى من بين كل التصريحات التي جاءت باهتة وهزيلة من جهات عربية وإسلامية أخرى.

 

إن القدس والأقصى هما بوصلة الأمة الإسلامية لاستعادة مجدها التليد، وهما فتيلُ ثورة سوف تنتصر، وإذا عدنا بالتاريخ إلى الوراء فسنجد أن فلسطين وأرضها المباركة كانت هي ساحة النصر والعنفوان لتجليات الظهور للأمتنا الإسلامية في كل معاركها الفاصلة عبر التاريخ، من اليرموك إلى حطين وعين جالوت. فالقدس هي عنوان الأمة ورايتها المنشودة، وأن الاحتلال ليس أكثر من ظاهرة عابرة وسيزول، وعن أرضها سيندثر، وسيبقى أبطال القدس ورجالها الأشاوس هم "رأس النفيضة" وسنان الرمح، وهم بمشاريعهم الاستشهادية لن يخذلوا مسجدهم المبارك وآثار الصحابة والتابعين في أكنافه، وسيان تحرك العرب أو استمروا في غفوتهم حتى حين، فستظل الصرخة التي أطلقها الشاعر تميم البرغوثي تدوي في الآفاق معبرة عن واقع الحال:

في القدسِ، من في القدسِ، لكنْ .. لا أَرَى في القدسِ إلا أَنْتْ.!!