خبر : إسرائيل والغوص في المياه العنصرية ..بقلم: د. عبد المجيد سويلم

الخميس 27 نوفمبر 2014 09:39 ص / بتوقيت القدس +2GMT



منذ تشكيل الحكومة الإسرائيلية القائمة اليوم في إسرائيل عبرت الدولة الإسرائيلية عدة حواجز "ديمقراطية" على درجة كبيرة من القدرة والتأجيل.
انهارت هذه الحواجز حاجزاً بعد آخر وتحولت مظاهر التراجع عن الديمقراطية إلى نهج ثابت، بل والثابت الأهم في ممارسة هذه الحكومة.
القوانين التي أقرتها هذه الحكومة وشرعها الكنيست كلها تنطوي على درجة معينة من العنصرية، وكلها تطال مجالات محددة من هذه العنصرية.
في الواقع القائم الممارسة الإسرائيلية هي ممارسة عنصرية بالنسبة لمختلف قطاعات وتجمعات الشعب الفلسطيني، أما الجديد في الأمر هنا فهو هذه الهستيريا من سنّ القوانين العنصرية، وهذا التسابق المحموم من وبين أوساط اليمين واليمين المتطرف "للظفر" بأكبر مجموعة ممكنة من هذه القوانين وبأسرع وقت ممكن، وبما يقطع الطريق نهائياً على أي أمل بالسلام والتعايش ناهيكم طبعاً عن أية مساواة من أي نوع كان. الحكومة الإسرائيلية توجت هذه القوانين بالقانون الأخير، "قانون القومية للشعب اليهودي" في محاولة منها لإنهاء مرحلة الدخول إلى مرحلة جديدة.
لكن لماذا يعتبر هذا القانون تتويجاً لمرحلة متكاملة وبداية جديدة وخطيرة لمرحلة جديدة قادمة؟
السبب هو أن هذا القانون قانون أساسي. بمعنى أن هذا القانون لا يعالج أو يمس أو يطال مسألة ما، أو مجالاً من المجالات أو جانباً من الجوانب وإنما يتعلق بهوية الدولة وكيانيتها بجوهر القيم والمبادئ التي تقوم عليها وبالمضامين الأعمق لوجودها وتطورها واتجاهات مساراتها.
وحتى لا يبدو وكأن هناك فروقات جوهرية بين مكونات الطيف السياسي في إسرائيل حول هذا القانون تجدر الإشارة هنا إلى أن معارضة القانون لا تقوم على أسس مبدئية، قيمية أو أخلاقية ثقافية مختلفة أو متعاكسة من حيث الاتجاه وإنما هي فوارق واختلافات حول طريقة "صياغة" القانون وحول الشكل الأنسب من الصياغة التي تجنب إسرائيل معارك وخسائر بسبب هذه الصياغة، أو فوارق واختلافات ترى في بعض الصياغات ما يعرض إسرائيل لمساءلات دولية وغربية على وجه الخصوص قد تلحق أضراراً كبيرة بسمعة إسرائيل ومكانتها في المنظومة الغربية.
أي باختصار تكاد تنعدم الاختلافات والفوارق لأسباب مبدئية وأخلاقية ويكاد هذا النوع من الفوارق ينحصر في أوساط يسارية خارج برلمانية وفي أوساط أكاديمية وثقافية غير منظمة وغير ممأسسة.
ولكن ومع ذلك وبغض النظر عن خلفية هذه الفوارق فإنها تبقى هامة في عرقلة صدور هذا القانون الذي إذا صدر عن الكنيست فإنه سينهي كل إمكانية للحديث عن حلول سياسية للصراع. لكن المغزى الأهم لهذا القانون في كونه سيصنف إسرائيل عاجلاً ـ وهذا هو الأرجح ـ أو آجلاً كدولة عنصرية.
البعد الذي ينطوي عليه إقرار هذا القانون بالنسبة للأمم المتحدة وميثاقها وبالنسبة لمعظم مواثيق القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني هو بعد مفصلي في دور ومكانة إسرائيل.
فالقانون من حيث الجوهر وبالإضافة الى ما يشكله من خطر على حقوق الشعب الفلسطيني الوطنية فهو يرفع مستوى اليهودية إلى مرتبة أعلى من الديمقراطية وبالتالي هو من حيث الجوهر يحول كل من غير يهودي إلى مرتبة أقل من المرتبة اليهودية، والعنصرية التي ستتحول حتماً إلى فاشية (إذا ما شرعت على هذا الأساس) ليست أقل من هذا القانون إن لم ينطو على ما هو أكثر وأبعد من العنصرية.
عندما تتحول إسرائيل إلى العنصرية السافرة بقرار من هيئتها التشريعية وبما يتناقض "نصاً" مع المواد الأساسية لميثاق الأمم المتحدة ولكل مؤسسات القانون الدولي وبما يخالف روح العصر كله وبما يتعاكس مع كل القيم السائدة في الغالبية الساحقة مع برلمانات العالم، عندما تتحول إسرائيل إلى كل ذلك فهي في الواقع تضع نفسها وبقرار ذاتي في مواجهة العالم الحر ومع عالم الديمقراطية والحرية والعدالة والسلم، ومع كل التوجهات الإنسانية الخيّرة في عالم اليوم.
حتى ولو حاولت إسرائيل أن "تفرض" هذا القانون فإن قيمته الواقعية تساوي الصفر، والعالم سيعاقب إسرائيل عليه بأشد الأساليب ولن يتمكن أحد من الدفاع عنها إلاّ من هم على شاكلتها وفي نفس طينتها العنصرية وهو أمر لسوء حظ إسرائيل لا يتوفر بالسهولة التي تتصورها إسرائيل.
إسرائيل تغوص في مياه العنصرية بصورة تضع الكثير من علامات الاستفهام حول إدراك الواقع ومعرفة العالم المحيط. حتى ولو انطوى هذا القانون على إشباع رغبة غلاة العنصرية والتطرف في إسرائيل، وحتى لو تمكن نتنياهو من "الحفاظ" على "بقرته المقدسة" وهي الحكومة والائتلاف، وحتى لو توصل مع "المعارضة" إلى صيغة "حل وسط" فإن الأمر برمته بات يعكس توجهاً نحو العنصرية السافرة وبات ينذر بأخطر العواقب على هذه المنطقة.
إذا أقر هذا القانون بالصيغة الرئيسية فيه فإن فلسطين تصبح ملزمة بسحب اعترافها الذي تضمنته وثيقة الاعتراف المتبادل، والبلدان العربية التي أقامت علاقات مع إسرائيل وعقدت معها اتفاقيات السلام ستصبح ملزمة بتجميد هذه الاتفاقيات، لأن إسرائيل التي عقدت معها تلك الاتفاقيات ليست نفسها إسرائيل التي تقرّ هذا القانون.
إسرائيل تغوص في مياه العنصرية دون أن تمتلك الوسائل الكفيلة بإخراجها سالمة من قعر هذه المياه، وهي واهمة إذا اعتقدت أن هذا القانون سيعطيها حقاً في سنتمتر واحد جديد في هذه الأرض، وهي واهمة إذا اعتقدت أن حقاً واحداً من حقوق الشعب الفلسطيني سيتغير أو يتبدل أو سيتم التراجع أو التنازل عنه.
إسرائيل تهرب وتهرب لأنها لا تريد التسليم بالأمر الواقع الحقيقي وليس الأمر الواقع التي تفرضه أو تحاول فرضه بالقوة، وهذا هو الفرق الذي لم تدركه إسرائيل بعد.