خبر : تركيا تدعم داعش... أكذوبة كبرى ...ماجد عزام

الخميس 27 نوفمبر 2014 07:37 ص / بتوقيت القدس +2GMT
تركيا تدعم داعش... أكذوبة كبرى ...ماجد عزام



بدت الاتهامات السياسية والإعلامية لتركيا بدعم تنظيم داعش غريبة، مسيّسة، ومنفصلة عن الواقع، ومتناقضة، ليس فقط مع توجهات وسياسات الحكومة التركية المعلنة والواضحة، وإنما حتى مع التطورات والمستجدات المتسارعة في سورية والعراق، التي أدت إلى ظهور التنظيم وتصاعد قوته وتأثيره في البلدين الجارين لتركيا.

بداية، لم يكن لأنقرة أي دور في ظهور التنظيم أو تمكينه من السيطرة على مساحات شاسعة من العراق وسورية. فتركيا لم تأمر جيش نوري المالكي بالانسحاب من الموصل والحدود العراقية مع سورية، وهي لم تكن الطرف الذي سهل للتنظيم الاستيلاء على كميات ضخمة من السلاح الأمريكي الحديث المكدّس في ثكنات جيش المالكي الطائفي، وقبل ذلك، انسحب جيش الأسد بشكل مريب من الجانب السوري من الحدود مع العراق وتركيا، لتسهيل انتشار وتنقّل التنظيم وسيطرته على منابع النفط، وآبار الغاز في المنطقة التي تمثّل مصدر القوة المالية الهائلة له.

وبالتأكيد لم تقف أنقرة خلف إطلاق النظام السوري بعد شهور قليلة على اندلاع الثورة لقيادات وكوادر التنظيم التي كانت مىسجونة في معتقلاته لشيطنتها – الثورة - وتسويد صفحتها، وصبغها بالدم، علماً أنهم اعتقلوا دون تهم، وبالتأكيد دون عملية أو عمليات قضائية عادلة شفافة ونزيهة.

وقبل ذلك وبعده، مثّل نظام بشار الأسد في الشام، كما نظام نوري المالكي في العراق البيئة أو الحضان الأساس لداعش عبر القتل الممنهج، الذي وصل حد جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والإقصاء الممنهج والمستبد لتيارات سياسية وشعبية واسعة ومتجذرة في العراق، كما في سورية، ناهيك عن الاستئثار بالقرار السياسي الاقتصادي والأمني في البلدين.

بناء على ما سبق، بدا غريباً ومستهجناً اتهام تركيا بدعم تنظيم داعش وتحميلها المسؤولية عن تمدده وممارساته، هذا الاتهام المنطلق من أجندات سياسية وإعلامية لجهات متخاصمة متقاتلة متباعدة، ولكنها اجتمعت على النيل من النموذج التجربة والسياسة التركية، وشيطنة واستنزاف أنقرة للحدّ من نهوضها وصعودها المحلي الإقليمي، وحتى الدولي وعلى جبهات متعددة ومتنوعة.

الجهة الأولى، التي لم تتوقف عن التصويب ضد تركيا وانتقادها، بسبب أو بدون سبب هي الجهة أو الجهات المساندة والداعمة للنظام السوري، والمتورطة معه في جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبها بحق شعبه الثائر والمستضعف، وهذه الجهات سعت دائماً من أجل الانتقام من تركيا لموقفها الداعم للثورة، والرافض لممارسات النظام وجرائمه، كما لتقديمها نموذج مختلف عن نموذج الاستبداد والفساد، بتجلياته الدينية والقومجية، وللفت الانتباه عما فعلته وتفعله تلك الجهات من بث للتحريض والفتنة في العالم العربى.

الجهة الثانية، التي تبدو ولو من حيث الشكل معارضة أو متناقضة مع الجهة الأولى هي تلك التي دعمت الانقلاب في مصر، والتي تريد بدورها محاسبة أنقرة على موقفها الأخلاقي والسياسي الصحيح، ضد الانقلاب والدفاع عن حق تيار الإسلام السياسي في ممارسة السياسة والتعبير عن نفسه، بعيداً عن سياسة الإقصاء والتهميش، وهي تسعى أيضاً إلى النيل من النموذج التركي السياسي الاقتصادي والاجتماعي الناهض والناجح، والذي أحدث الطفرة الاقتصادية والاجتماعية في البلد غير النفطي والمعتمد على إمكانياته وثرواته دون هيمنة أو مشاركة أجنبية في مقدراته وتوجهاته.

الجهتان السابقتان الداعمتان للنظام المجرم في الشام والانقلابي في القاهرة، تورطتا طوال الوقت ضد تركيا سياسياً وإعلامياً - وربما أمنياً أيضاً - غير أن ما بدا مفاجئاً انخراط جهات غربية أمريكية وأوروبية في الهجمة السياسية والإعلامية ضد أنقرة في حملة ابتزاز واضحة لإجبارها على الانصياع للتوجهات الأمريكية، وخوض الحرب البرية ضد داعش وفق المصالح والأهواء الغربية والأمريكية، دون أي اعتبار للتصورات والمصالح التركية أو مصالح أهل المنطقة وشعوبها، ودون أي اهتمام أو تركيز على جذور الأزمة أو البيئة السياسية والأمنية التي أنتجت داعش وأخواتها.

التحالف غير المعلن، ولكن الواضح والصارخ والفاضح من الجهات الثلاث سيئة الذكر، ورغم الحملة المسعورة والمتشجنة لم ينجح في ابتزاز تركيا، أو إجبارها على اتخاذ مواقف تتناقض مع قناعاتها ومصالحها، ببساطة لأن في أنقرة سلطة قوية منتخبة واثقة من نفسها تستمد شرعيتها وقوتها من شعبها وجماهيرها، وتمارس اللعبة السياسية، كما ينبغي بحكمة ومسؤولية وتدافع أولاً وأخيراً عن مصالح البلد وحقوقه، وهي كانت وما زالت حاضرة دائماً للخضوع لامتحان الشعب بصفته المرجعية العليا وصاحب الكلمة الفصل والحاسمة تجاه الحكومة وسياساتها الداخلية والخارجية.

كاتب فلسطيني رئيس تحرير نشرة المشهد التركي