أقرت الحكومة الإسرائيلية في جلستها الأسبوعية الأحد الماضي قانون "يهودية الدولة" أو "الدولة القومية" بأغلبية 14 صوتاً ورفض وزراء "هتنوعاة"(الحركة) برئاسة تسيبي ليفني، و"ييش عتيد" (يوجد مستقبل) بزعامة يائير لبيد، وعددهم ستة. وهذا القانون ينص على تعريف جديد لإسرائيل في القوانين الأساسية بأنها "دولة قومية للشعب اليهودي" بدلاً من التعريف الحالي بأنها "دولة يهودية وديمقراطية"، ويلاحظ أن هذا القانون الجديد يتميز بصورة فاضحة من العنصرية ضد كل من هو غير يهودي، وخاصة ضد المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل. فهو لا يبقي اية حقوق لهؤلاء المواطنين بمعنى أنه يقول أن هذه دولة اليهود فقط يتم الاهتمام بكل احتياجاتهم بدون أي إشارة إلى حقوق متساوية للأقلية الفلسطينية حتى أنه يشطب مصطلح المساواة في الحقوق التي كانت في القانون الأساسي. وينص على أن اللغة الرسمية الوحيدة هي اللغة العبرية وبذلك تلغى مكانة اللغة العربية كلغة رسمية. وعليه فالفلسطينيون داخل إسرائيل لا حقوق لهم إن شاءت الدولة منحهم بعضها فهذه ستكون صدقة ليس أكثر، وإن لم تشأ فلا يوجد ما يلزم الدولة قانوناً بتوفير احتياجاتهم.
القانون الجديد أثار موجة من ردود الفعل الداخلية التي انقسمت بين مؤيد وهؤلاء ينتمون إلى الاتجاهات القومية والدينية المتطرفة، وبين معارض من وسط الخارطة السياسية إلى يسارها وهؤلاء يخشون على صورة إسرائيل ومستقبلها خاصة داخلياً وخارجياً، خاصة وأنها تثير مشكلة مع المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل وتمس بسمعة إسرائيل والصورة التي حاولت رسمها لنفسها كدولة ديمقراطية تنتمي إلى العالم الغربي. وردود الفعل الدولية كانت سلبية وبالذات رد الفعل الأميركي. وربما يؤدي إلى تفكك الائتلاف الحكومي على خلفية معارضة حزبين مهمين في الحكومة سيصوتان ضد مشروع القانون في الكنيست.
بعض المحللين يقولون أن نتنياهو اختار موضوع الدولة القومية للذهاب إلى انتخابات مبكرة على اعتبار أنه لا يمكنه التقدم على خلفية حرب غزة أو العملية السياسية أو الوضع الاقتصادي بما فيه الخلاف مع وزير المالية لبيد وكلها مسائل ليست لصالحه، وبالتالي فإن مسألة يهودية الدولة هي العنوان الأفضل لكسب الرأي العام اليميني والصراع على من يمثل اليمين في إسرائيل. ولهذا قد يكون خياره هو الصراع على مفاهيم يمينية عنصرية لكسب ود الناخبين اليمينيين.
في كل الأحوال نجح نتنياهو في إظهار الوجه الحقيقي لحكومته وهو وجه عنصري بامتياز لا يمكن لأحد حتى في إسرائيل الدفاع عنه وتبييض صفحته. كما كشف المغزى الكامن خلف المطلب الذي طرحه كشرط مسبق من القيادة الفلسطينية وهو الاعتراف بإسرائيل دولة قومية للشعب اليهودي. وهذا ضمن المطروح حالياً بمثابة اعتراف فلسطيني قاطع بأنه لا حق للفلسطينيين في فلسطين التاريخية، وأنها حق مكتسب لليهود دون غيرهم. وإذا كان الفلسطينيون يرفضون المطلب هذا لأنه يمس بحق اللاجئين في العودة ويمس بحقوق المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل ويتعلق بصراع إسرائيلي داخلي حول هوية الدولة ، فالآن أصبحت مبررات الرفض أقوى وأعمق فالأمر يتعلق أولاً بحقنا في وطننا الذي لا تقر به حكومة إسرائيل.
هذا يعيدنا قليلاً إلى الوراء إلى خطاب نتنياهو في جامعة بار ايلان الذي قيل عنه أنه خطاب الدولتين. ففي ذلك الخطاب قال نتنياهو بصراحة أن هذه البلاد كلها لنا ولكننا لا نريد أن نحكم شعباً آخر ونريد الانفصال عنه. أي أن القضية بالنسبة له تنازل إسرائيلي عن جزء من حقوق خاصة باليهود فقط من أجل عدم الاستمرار بحكم مجموعة أخرى من الناس لا يريدون اعطاءهم أية حقوق في إطار دولة موحدة لأنها ستصبح دولة ثنائية القومية أو ديمقراطية كاملة. ولأنهم فشلوا في طردنا والقضاء على وجودنا المنظم، اي أن عقلية نتنياهو ومن يمثل تقول انه على الفلسطينيين أن يتخلوا عن المطالبة بحقوقهم في وطنهم وأن يقبلوا بما تعرضه إسرائيل عليهم، بما أنهم ليسوا أصحاب حق، بل وعليهم شكر إسرائيل على هذا الكرم الذي تبدى باقتراحات بعض قادة إسرائيل الذين تفاوضوا مع القيادة الفلسطينية.
بناءً على المواقف الإسرائيلية التي تتميز برائحة عنصرية كريهة من المفروض أن يطالب الفلسطينيون بالاعتراف بحقهم في وطنهم التاريخي بغض النظر عن مكان دولتهم، فلا أحد في الكون يستطيع أن ينزع الارتباط التاريخي والطبيعي لشعب فلسطين بارض وطنه في يافا وعكا وحيفا والمثلث والجليل والنقب حيثما عاش وأنشأ ثقافته وهويته الوطنية الخاصة التي سبقت قيام دولة إسرائيل بآلاف السنين. وهذه ليست دعوة لرفض فكرة حل الدولتين بل هي في الواقع تأصيل للفكرة بتقاسم الوطن بين شعبين وليس إبقاءه حقاً لشعب واحد كما تروج لذلك أفكار جزء كبير من الإسرائيليين الذين لم يستوعبوا مرة أن الفلسطينيين أصحاب حق في بلادهم وأنهم ليسوا طارئين أو مهاجرين جددا كغالبية سكان إسرائيل.
اليوم ينبغي وضع النقاط على الحروف في التسوية القادمة التي لا بد ستأتي قريباً خاصة بعد فقدان قيادات إسرائيلية لاتزانها وعقلها والذهاب سريعاً نحو نموذج نظام التفرقة العنصرية في جنوب إفريقيا. فهذا التوجه سيقنع العالم اليوم أكثر من اي وقت مضى بظلم الاحتلال الإسرائيلي وفساده وعنصريته بما يقرب ساعة الحقيقة والخلاص من الاحتلال.


