خبر : احكموا على حماس بمعيار ما تفعله من أجل شعبها ..د.أحمد يوسف

الإثنين 24 نوفمبر 2014 10:23 ص / بتوقيت القدس +2GMT
احكموا على حماس بمعيار ما تفعله من أجل شعبها ..د.أحمد يوسف



لا يهم حقاً أي حزب سياسي ينتمي إليه المرء في فلسطين، لأن على كل حزب أن يتعامل أولاً مع الاحتلال الإسرائيلي، والمستوطنات، والسرقة والمصادرة، قبل أي يتمكن من الشروع في الحملات حول السياسات العامة والوظائف، والرعاية الصحية والاقتصاد. ورغم هذه الحقيقة الناصعة، بقي السؤال الذي واجهتُه أكثر ما يكون منذ عودتي إلى غزة في العام 2006 هو الآتي: هل أن ميثاق حماس، الذي يضم فقرات تُعد عدوانية تجاه الشعب اليهودي، يمثل فعلاً رؤية الحركة وأهدافها السياسية؟ لقد تعاطف دبلوماسيون، وصحفيون، وأكاديميون، وبرلمانيون وساسة من العديد من الدول مع الفلسطينيين؛ ومع ذلك، يبدو أنهم ما يزالون يعانون مع هذه الوثيقة.

يبدو هذا السؤال مفهوماً بالنظر إلى التكرار الذي تحيل به الكثير من وسائل الإعلام الأجنبية إليه. لكن الواقع مع ذلك، هو أنه سيكون من الصعب جداً على المرء العثور على أي عضو في حماس، والذي يكون على دراية كاملة بمضمون الميثاق -وهو أطروحة لم تحظ أبداً باعتراف جماعي حقيقي من جانب الحركة. وينبغي على الدارسين الجادين لفلسطين أن يدرسوا السياق الذي ظهر فيه الميثاق. كان هذا ميثاقاً كُتب في الأيام الأولى من الانتفاضة الأولى. وفي ذلك الوقت، كان شبابنا الثائرون ضد المحتلين الإسرائيليين في حاجة إلى صرخة تحشيد -إلى تعبير مكتوب عن إصرارهم وعزيمتهم. ولذلك تم تصميم الميثاق ليكون تلك الوثيقة الملهمة، ولم يكن المقصود منه أبداً أن يكون أداة الحكم، أو أن يمثل المبدأ التوجيهي أو الرؤية السياسية للحركة.


إن حماس هي حركة فلسطينية، والتي تستخدم التعاليم الإسلامية التقليدية كنقطتها المرجعية. وقد استسلمت وسائل الإعلام الإسرائيلة، والعديد من القنوات الغربية التي تحاكيها، بسهولة كبيرة لدعاية المؤسسة الإسرائيلية، التي زعمت أن الحركة شبيهة بتنظيم القاعدة و/أو أنها واجهة لإيران و/أو هي خليط من الأمرين. ولو أن النقاد دققوا جيداً في تصرفات حماس منذ نشأتها، لما وجدوا حتى بياناً رسمياً واحداً أو موقفاً واحداً يقوم على الحط من قدر أي دين آخر، وليس اليهودية ولا المسيحية بالتأكيد. كما لا يستطيع أحد أن يأتي بأقل دليل على أن حماس تشجع رسمياً التحيز ضد عرق أي أحد على الإطلاق. كما ظلت المجموعة حتى الآن أكثر حرصاً بما لا يقاس على تجنب الخسائر المدنية من الإسرائيليين. وقد كنا في غزة شهوداً على مصرع العشرات من أبنائنا، بينما استطاع التلفزيون الإسرائيلي أن يعرض نعوش الجنود فقط.


إن حماس ببساطة هي حركة تقاوم الاحتلال والحصار. والسبب في صراعنا مع الإسرائيليين هو رغبتهم في أن يجعلوا منا أقلية ذليلة أو ذاكرة مهاجرة، ولم يفعلوا أي شيء يمكن أن يضمن لنا الكرامة وتقرير المصير. وحتى الآن، ما يزال الإسرائيليون هم الذين يصدرون للفلسطيني أو الفلسطينية بطاقة هويتهم وفق شروط اتفاقيات أوسلو. ومع أن حماس تستلهم الدين؛ فإن للدين صلة قليلة بنضالنا في الحقيقة. إن إيماننا يحدد قيمنا، وليس برنامجنا. إن ما يناضل من أجله كل فلسطيني -مسلماً كان أو مسيحياً ومن أي هوى سياسي- هو الكرامة والحرية، وحق الاعتراف بنا وبوجودنا في أرضنا. إنه نضال من أجل السيادة وحقنا في حكم أنفسنا بأنفسنا.


إن الفلسطينيين لا يختلفون عن أي شعب آخر في أي مكان من العالم. لكننا بالتأكيد أقل قدرة من الإسرائيليين على استغلال وسائل الإعلام. أولاً، قاموا بتحشيد العالم ضد الشيوعية، ثم وصموا الوطنيين بأنهم إرهابيون؛ والآن أصبح الإسلاميون هم الأشرار الحقيقيون. ومع ذلك، لكم أن تنظروا إلى ما تحت الخطابة بعين عادلة، وسوف تكتشفون أننا لسنا أناساً متعصبين يريدون فرض معتقدات لا يتقاسمها الآخرون. إن كل ما نسعى إليه هو أن نُعطى مكاننا الصحيح بين عائلة الأمم.


أمعنوا النظر في البيان الذي انتُخِبنا على أساسه للحكم في العام 2006 إذا كنتم تريدون أن تفهموا حقاً رؤية حماس السياسية، وليس في ميثاق وُضع منذ عقود طويلة ونُسي منذ وقت طويل. إننا محرومون -للأسف- من فرصة التطبيق الكامل للعديد لمجموعة الإصلاحات الواردة في تلك الوثيقة السياسية. ومع ذلك، يبيّن سجلنا في حكم غزة، رغم الظروف شبه المستحيلة تقريباً والتي خلقتها ثماني سنوات من الحصار، رغبتنا في العمل من أجل الصالح العام للمجتمع كله وليس لأنصارنا ومؤيدينا فقط. إن حماس تؤمن بالعملية الديمقراطية، وهو السبب في أننا تنازلنا في العام 2006 عن حقنا في الحكم وحدنا لصالح تشكيل ائتلاف أوسع، والذي يمكن أن يعكس تطلعات كل الفلسطينيين. وللأسف، تم رفض اقتراحنا، وهي حقيقة يبدو أنه يجري التغاضي عنها عمداً في سياق الرغبة في تشويه صورة حركتنا لكي نبدو متعصبين ساعين إلى السلطة. ثم مرة أخرى مؤخراً، وفي إطار رغبتنا في المضي قدماً وتعزيز المصالحة الوطنية، قمنا بتسليم السلطة في غزة طوعاً لحكومة من التكنوقراط.


عندما قررت حماس أن تنخرط بشكل كامل في العملية السياسية، لم نتخل عن حقنا القانوني والأخلاقي في مقاومة الاحتلال والعدوان الإسرائيلي اليومي. ونحن نتشارك في هذا مع العديد من حركات التحرر الأخرى في العالم. وكان الثمن الذي دفعناه مقابل هذا هو الإقصاء من جانب العديد من الدول الغربية التي اختارت في الوقت نفسه غض الطرف عن الأعمال الوحشية وغير القانونية التي يمارسها محتلونا الإسرائيليون. وتم تغليب ما يُزعم بأنه حق الطرف المحتل في الدفاع عن نفسه على حقنا نحن في العيش بسلام.


لقد تعرضنا للإدانة بسبب إطلاقنا صواريخ محلية الصنع احتجاجاً على الحصار الذي يهدف إلى حرمان أكثر من مليون ونصف المليون إنسان من الضرورات الأساسية للحياة اليومية: الكهرباء، الماء النظيف، الأدوية والمعدات الطبية. كما أننا ممنوعون من استيراد المواد اليومية اللازمة للبناء والصناعة والزراعة، والضرورية لتوفير الوظائف وصنع اقتصاد قابل للحياة. ويعاني طلابنا ومرضانا الحرمان من الحق في الانتقال من أجل التعليم والحصول على الرعاية الصحية. والقائمة لا تنتهي. ومع ذلك، نكون نحن الطرف الذي يتلقى الإدانة. وعندما ندخل في فترات وقف إطلاق النار، وتفرض قواتنا أشهراً من الهدوء رغم عدم حدوث أي تغيير على الحالة الراهنة، فإننا لا نرى أي نتائج ملموسة -ويستمر ثقل الحصار اللاإنساني العنيد حاضراً بلا هوادة. لماذا يتفاجأ العالم إذن عندما نقاوم؟ أي شعب على هذا الكوكب يمكن أن يجلس بهدوء ويسمح لنفسه بأن ينزف ببطء حتى الموت من دون قتال من أجل البقاء؟


احكموا على حماس على أساس الأعمال التي تفعلها من أجل شعبها. إننا لا نعتمد على كلمات وثيقة -الميثاق- كُتبت تحت ظروف مختلفة تماماً. ومع أن البعض اقترحوا إعلان موت تلك الوثيقة، فإن القيام بذلك سيكون بمثابة خضوع لمطلب إسرائيلي آخر أيضاً. إننا نفعل ما هو صائب، وليس ما يقوله لنا محتل. سوف نستمر في المقاومة طالما ظلت المظالم التي تلحق بالشعب الفلسطيني مستمرة بدون حل. لكننا سوف نستمر أيضاً في البحث عن سبل للمضي قدماً ومعالجة القضايا الجوهرية لصراعنا مع الإسرائيليين.


لقد تبنينا صناديق الاقتراع كوسيلة للدفع بالقضية الفلسطينية في العام 2006؛ ولكن، ورغم التفويض الديمقراطي الذي تلقيناه من شعبنا، تم حذفنا من العملية السياسية بمجموعة من الشروط المسبقة (التي فرضتها اللجنة الرباعية) والتي لا يمكن لأي حزب سياسي جدي أن يقبل بها من دون مفاوضات مسبقة. لقد تخلينا عن سيطرتنا على غزة لصالح وحدة فلسطينية في العام 2014 من أجل شعبنا. ويشكل وجود جبهة فلسطينية متحدة خطوة أساسية في اتجاه الوصول إلى حل عادل ودائم لهذا الصراع؛ ومع ذلك، ربما تكون هذه الوحدة بالذات هي ما يقلق المحتل. فبعد كل شيء، سوف يكون إخضاع شعب مقسم أسهل بما لا يقاس. ونحن نأمل أن لا ينخدع المجتمع الدولي مرة أخرى بالصقور الإسرائيليين، وأن يعطي للحمامة فرصة لتحمل غصن الزيتون وتمضي به إلى الأمام.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*نشر هذا المقال تحت عنوان: Judge Hamas on the measures it takes for its people في صحيفة الغارديان
*المستشار السياسي لرئيس الوزراء الفلسطيني المقال إسماعيل هنية.