خبر : العاصمة الفلسطينية.. بين ديفيد هيرست وأبو مازن !! ...بقلم: هاني حبيب

الأحد 23 نوفمبر 2014 12:07 م / بتوقيت القدس +2GMT
العاصمة الفلسطينية.. بين ديفيد هيرست وأبو مازن !! ...بقلم: هاني حبيب



"إذا كنت فلسطينياً مقيماً في القدس، فمكتوب عليك أن تكون نوعاً خاصاً من "البدون" فسكان القدس العرب ليسوا مواطنين لا في إسرائيل ولا في فلسطين، وليس من حقهم المشاركة في الانتخابات، لا يحملون جوازات سفر رسمية، وليس بإمكانهم تجاوز الحدود بسهولة" هذا بعض مما جاء في مقالة كتبها أحد أبرز كتاب الرأي في بريطانيا، ورئيس تحرير موقع "ميدل ايست آي"، ديفيد هيرست وهو يحاول أن يضع يديه على الأوضاع المتفجرة في العاصمة الفلسطينية.
وكأنما الرئيس أبو مازن، يحاول من جهته، أن يشاطر هيرست، هذه المحاولة، ولكن من دون أن يصف الوضع في العاصمة الفلسطينية، بل من خلال إشارته البسيطة التي تحمل كل العمق، ماذا يريد الفلسطينيون، يقول الرئيس الفلسطيني: "إن ما نحتاج إليه، أن نحرث أرضنا وأن نسقي زرعنا، وأن نحصد زرعنا، وأن ننام في بيوتنا بهدوء وأمان واستقرار، دون مستوطنين يرعبوننا كل ليلة، دون جيش احتلال، دون هذا الكابوس الذي فرض علينا منذ مدة طويلة".
لم يكن الأمر في إسرائيل، على ضوء الأحداث المتفجرة في العاصمة الفلسطينية، بسهل الفهم، فقد أصيبت القيادة الإسرائيلية بالصدمة الهائلة، بعدما عملت طوال السنوات الماضية، وتحديداً منذ ضم القدس الشرقية إليها إثر حرب حزيران 1967، وقالت إن القدس باتت عاصمة إسرائيل الموحدة. سبب هذه الصدمة، أن إسرائيل، وبهدف توحيد المدينة المقدسة كعاصمة لها، عمدت إلى عمليات الضم والتوسع والتهويد والطرد، ولكن لكي تكتشف ومن خلال الأحداث الأخيرة، أن القدس، كما كانت قبل ضمها منذ 47 عاماً، لا تزال مدينة مقسمة، اكتشف الرأي العام في إسرائيل، أن المدينة لم تكن ولن تكون مدينة كعاصمة للدولة العبرية. هذه الحقيقة المفزعة بالنسبة للإسرائيليين، قادة ورأياً عاماً، شكلت ضربة حقيقية لتوجهات الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، وخاصة حكومة اليمين الفاشي بقيادة نتنياهو.
لكن الحقيقة الأكثر مدعاة للفزع بالنسبة للإسرائيليين، أن الأحداث المتفجرة في العاصمة الفلسطينية، أكدت أن الأمر في القدس لا يجب أن يبقى على ما هو عليه، وأن القيادة الإسرائيلية باتت مضطرة أكثر من أي وقت مضى، للبحث عن حلول، والانتقال من إدارة الأزمة إلى حلها، والحياة تحت خيال المدينة الموحدة لم يعد جائزاً بعد الآن، إذا ما بقي الوضع على ما هو عليه الآن، ستبقي القدس منقسمة بصرف النظر عن كافة الإجراءات الدموية التي ستقوم بها حكومة اليمين الفاشية، البحث عن حل بات هدفاً لا يمكن التغاضي عنه أو تأجيله.
وإذا كانت القيادة الإسرائيلية تبحث عن حل، فإن أول ما يخطر في بالها كالعادة هو الحل الأمني العسكري بالدرجة الأولى، لذلك اتخذت خطوات هادفة إلى قمع التحرك الشعبي المتزايد، من الصعب أن تعترف القيادة السياسية ـ الأمنية في إسرائيل بفشل هذا الحل، وأن تعترف أن هذه الإجراءات ستزيد من انقسام المدينة المقدسة أكثر مما كان عليه الأمر، استخدام القبضة الحديدية، هدم منازل النشطاء واعتقال عائلاتهم، حظر التجول، استخدام الذخيرة الحية لتفريق الاحتجاجات، كل ذلك لم يجد نفعاً أمام شعب يرى مقدساته تداس بأقدام المستوطنين وعتاة المتدينين المتطرفين، والأهم، ان مثل هذه الإجراءات القمعية والدموية، زادت الأوضاع تفاقماً والمدينة الموحدة انقساماً، بل انها زودت النار بمزيد من الوقود، وظهر أن كرة الثلج قد تدحرجت وجلبت معها كل مقومات انتفاضة فلسطينية محتملة، من دون أن تتمكن الإجراءات الإسرائيلية من وقفها إذا ما اندلعت، وهذه المرة، بخلاف الانتفاضتين السابقتين، فإن هذه الانتفاضة، ستشمل بالدرجة الأولى القدس المحتلة، ومناطق 48، أي داخل إسرائيل ذاتها، وهو الأمر الذي ما كانت تحسب القيادة الإسرائيلية له حساباً قبل اندلاع الوضع المتفجر في العاصمة الفلسطينية!!.
"راحت السكرة وجاءت الفكرة" كما يقول المثل العربي، فقد أخذت تساؤلات تساق للمرة الأولى ربما منذ ضم شرق القدس إلى إسرائيل، والسؤال الأكثر بروزاً في أوساط بعض المحللين السياسيين، كيف لإسرائيل أن تضم منطقة واسعة آهلة بازدحام سكاني عربي، ذلك أن الضم لم يكن مكانياً بل سكانياً، إسرائيل ضمت الأرض ومعها كل الأفخاخ التي أمسكت في النهاية بخناق المدينة الموحدة، إسرائيل لم تكن قادرة على ابتلاع المد السكاني العربي في مناطق 1948، رغم كل إجراءات الاستيطان والتهويد والقمع والإجراءات "القانونية" فكيف وقعت في فخ "الديمغرافيا" عندما ضمت شرق المدينة المقدسة؟!.
وسؤال آخر لا يقل أهمية يبدو أن الإسرائيليين أخذوا بطرحه بشدة على مسؤوليهم، لماذا عمدنا إلى عملية التهويد من دون أن تتوازى مع التفاتة إلى السكان العرب في القدس الشرقية، من حيث الخدمات والمساواة النسبية، وقد لاحظ أصحاب هذا التساؤل أن المناطق الأكثر تفجراً في وجه الاحتلال في مدينة القدس هي حي العيساوية ومخيم شعفاط، وهما الأكثر فقراً والأقل خدمات حيوية من جانب بلدية القدس، تحسين معيشة أهالي القدس بات مطلباً إسرائيلياً، في محاولة لاحتواء تفجرات الوضع، غير أن هذا لا يشكل حلاً، والحل الوحيد هو زوال الاحتلال وتجسيد القدس الشرقية عاصمة لدولة فلسطين، المسألة لا تتعلق بالخدمات بل بالشعور القومي.
Hanihabib272@hotmail.com