خبر : نعم للمبادرة الفرنسية ولكن ... بقلم: د. عبد المجيد سويلم

الخميس 20 نوفمبر 2014 08:59 ص / بتوقيت القدس +2GMT



لم تُتح لنا فرصة أفضل من فرصة المبادرة الفرنسية حتى الآن.
فرصة المبادرة الفرنسية تحول السلطة الفلسطينية إلى دولة باعتراف أوروبي واسع، وتحول مشروع الاستقلال الوطني إلى سياسة ودبلوماسية نشطة بدلاً من حالة "الاسترخاء" التي تهدف لها إسرائيل وكذلك الولايات المتحدة التي لم تفعل شيئاً لتجاوز هذا الاسترخاء. وفرصة المبادرة الفرنسية تضع البلدان الأوروبية في مجرى سياسي هو من حيث الجوهر المجرى الفلسطيني والعربي، أو لنقل بأنها (أي الفرصة الفرنسية) تخرج أوروبا من دائرة الموقف التوفيقي لتضعه في دائرة التوافق مع فلسطين في حين تحول الموقف الأميركي الذي يقوم على إعاقة الحصول على الأصوات الضرورية ثم اللجوء إلى "الفيتو" إذا لزم الأمر إلى إحراج شديد على صعيد "الأصوات التسعة" وإلى "فيتو" صعب يقارب المستحيل. والمبادرة الفرنسية تجرد إسرائيل من أي هامش للمناورة السياسية وتضعها في مواجهة المجتمع الدولي بصورة غير مسبوقة وليس في إطار حديث عن حقوق وأهداف ومبادئ فقط، وإنما في إطار محدد وملموس ومتصل مباشرة بالاستقلال الوطني.
لا يجوز لنا أن "نضيّع" هذه الفرصة ولا يحق لنا ـ كما أرى ـ أن ننظر إلى هذه المبادرة باعتبارها مناورة سياسية لإفراغ مشروع القرار الفلسطيني من مضمونه كما يحلو للبعض وصفه وكما سيحلو لهذا البعض اعتباره بكل تأكيد....!!
ولأن مسألة تحديد المدة الزمنية هي مسألة هامة فعلاً، ولأن تحديد المدة الزمنية هو اللحم الذي سيكسو عظم القرار الذي نستهدفه فإن المطلوب أن نحدد فيما إذا كان الحصول على أعلى درجة ممكنة من الإحراج لأميركا أفضل لنا سياسياً من الحصول على توافق أوروبي شامل مع نهجنا السياسي وإلى موقف أميركي أشدّ إحراجاً من الإحراج الذي كانت أميركا ستجد نفسها فيه عند استخدام "الفيتو" في حالة تعذر عليها منع الحصول على الأصوات التسعة.
ببساطة نحن أمام فرصة حقيقية لإدارة الصراع من على أرضية جديدة وصلبة، وسنكون بكل تأكيد أمام تمهيد ملموس لكل الخطوات القادمة بما في ذلك تمديد الفترة الزمنية (باعتبارها) قضية هامة وحيوية فعلاً.
لكن ما هي المناورة التي يمكن أن تحقق لنا مثل هذا الموقف ومثل هذه الإمكانية؟
علينا أن نسارع إلى "الاتفاق" مع الأوروبيين على أن نعطي فرصة عامين لإبقاء الوضع في إطار المبادرة الفرنسية، وعلى أن نتقدم بمشروع جديد بعد هذين العامين ـ إذا لم يحصل تقدم حقيقي خلالهما ـ بمشروع جديد يحدد مهلة عام واحد فقط لإنهاء الاحتلال.
في هذه الحالة نكون قد توصلنا إلى ما نصبو إليه من حيث الجوهر وحافظنا على مبدأ تحديد المدة الزمنية أيضاً من حيث الجوهر، ونكون قد كسبنا الأوروبيين بالكامل لصالح موقفنا ونهجنا السياسي، ونكون قد وضعنا الموقف الأميركي في إحراج أشد وأصعب من الإحراج الذي كنا نتحدث عنه وفق الآلية التي يتضمنها مشروع القرار الفلسطيني.
هذا هو الشق الأول من المناورة التي أعتقد أننا قادرون على اللجوء إليها، أما الشق الثاني منها فإنه يمكن أن نتفق مع الجانب الأوروبي أو نتوافق معه على أن لا يشكل القرار الذي سيصدر في ضوء المبادرة الفرنسية قيداً على حركتنا السياسية بما في ذلك حركتنا السياسية لدى مؤسسات القانون الدولي.
إذا توصلنا مع الأوروبيين الى توافق من هذا النوع فإن المناورة ستمكننا من إبقاء سيف القانون الدولي مسلطاً على رقبة إسرائيل، وهذه مسألة هامة وحيوية أيضاً. ويعود لصدور القرار بالصيغة الفرنسية أهمية كبيرة في هذه المرحلة بالذات، لأن الحكومة الإسرائيلية التي تبدو وكأنها في حالة من الترنح السياسي وهي مرشحة كما تشير الكثير من الأوساط السياسية بما فيها الأوساط الإسرائيلية نفسها ستتلقى ضربة كبيرة وربما تكون قاصمة إذا صدر القرار في المرحلة القريبة القادمة.
وأغلب الظن أن صدور مثل هذا القرار سيشجع قوى "السلام والمعارضة" في إسرائيل على حراك سياسي وقد يتبعه ويستتبعه أنواع مختلفة وغير مسبوقة من الحراك الاجتماعي الذي بات يطلّ برأسه في إسرائيل.
كلنا يعرف أن اليمين واليمين المتطرف في إسرائيل باتوا على قناعة مطلقة أنهم في سباقٍ مع الزمن، إذ يرى هؤلاء بأن الوضع الفلسطيني هش ومفكك، وأن الوضع العربي مدمر أو يكاد وأن المجتمع الدولي ليس جاهزاً بعد لمجابهة شاملة وحادة مع إسرائيل." لهذا فإن اليمين واليمين المتطرف يسابق فعلاً لحسم القدس وحسم السيطرة على الأجزاء الأكبر من المنطقة المسماة (ج) وهم يرون الأمور بمنظار (إما اليوم وإما أبداً) وبالتالي فإن صدور القرار في هذه المرحلة سيقطع الطريق على هذا اليمين أو سيضعه أمام خطوات متهورة تزيد من عزلة إسرائيل وتضيق الخناق على حكومتها ومستوطنيها وعلى كل أقطاب التطرف والعنصرية فيها.
بكل هذه المعاني والأبعاد فإن "التعاون" مع المبادرة الفرنسية سيؤدي حتماً إلى حراك سياسي ودبلوماسي فعال وسيؤدي إلى توجيه ضربات موجعة للسياسة الإسرائيلية ولكل نهج اليمين المتطرف في إسرائيل.
إذا انطلقنا من حقيقة أن هذا الصراع ما زال طويلاً وقاسياً وأن ساعاته الأخيرة لم تقترب بعد بما يكفي لإعتبار المعركة معركة حاسمة ونهائية فإن المنطق يفرض علينا اعتماد سياسة التركيم الفعال والبناء الصلب للمرحلة القادمة.