خبر : المصالحة تلفظ النفس الأخير ...طلال عوكل

الإثنين 17 نوفمبر 2014 09:19 ص / بتوقيت القدس +2GMT
المصالحة تلفظ النفس الأخير ...طلال عوكل



الخلل الذي يضرب العلاقات الفلسطينية الداخلية، يتجاوز الإطاحة باتفاقيات المصالحة التي جرى توقيعها في عدة أماكن، وبعد حوارات مطولة، ومتقطعة، إلى إلحاق أضرار ومخاطر بليغة بنهج المصالحة، كسياق وإطار عام لمعالجة الانقسام الخطير الذي تضرب آثاره ونتائجه في كل زاوية من زوايا القضية وحياة الشعب الفلسطيني.
لم يكن أحد من المهتمين، الحالمين منهم والواهمين يتوقع هذا السيناريو فلقد كانت الأمزجة تذهب باتجاه عام، إما متفائل بإنجاز المصالحة تحت ضغط الظروف والمتغيرات، وإما فشلها في ضوء السياسة الإسرائيلية صاحبة المصلحة ببقاء الانقسام، وما خلفته مرحلة الانقسام من أحقاد، ووقائع على الأرض صعبة، ليس من السهل تجاوزها.
توقع الكثيرون، أن تظل عملية المصالحة، في حالة مراوحة وتأخير، وربما تعطل يقف عند حدود تشكيل حكومة وفاق وطني، لم تفعل شيئاً منذ يومها الأول أوائل حزيران الماضي، عدا أنها بوجودها غير الفاعل، كشفت عن مدى صعوبة حل العقبات التي تعترض حاجتها لممارسة صلاحياتها كاملة في الضفة وغزة.
في واقع الأمر لم يتغير شيء إيجابي في حياة الناس، بل إن نتائج العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، والهجمة الصهيونية الهمجية الشرسة على الضفة الغربية، ضاعفت من الأزمات التي يعاني منها المواطن، ما خلق مناخاً من اليأس والخوف لدى الناس من عدوان إسرائيلي جديد، أو من صراع داخلي رهيب.
الأشهر التي مرت على توقيع آخر اتفاق للمصالحة، وعلى وجود حكومة الاتفاق الوطني، كشفت عن أن كل الحوارات، وما أنتجته من اتفاقيات، وآليات، إجرائية، ليست كافية لردم الهوة بين الطرفين وكشفت أيضاً عن أن أياً من الطرفين لم يتخل عن برنامجه ورؤيته ومراهناته، ومشروعه الخاص.
ربما كان متأخراً الاستنتاج بأن واحدة من العوامل المهمة التي تقرر مصير النظام السياسي الفلسطيني، هو أنه لا يمكن إدارة الوضع برأسين، وقوتين متوازيتين لا تتنازل الواحدة لصالح الأخرى، وان المصالحة واستقرار النظام يحتاج إلى أغلبية وأقلية، وإلى حكم ومعارضة، في اطار قوانين راسخة، تنظم وتضبط العلاقة بينهما، على أسس ديمقراطية، وعلى قاعدة الشراكة، والتكامل.
حتى الآن لا تسلم حماس القيادة لفتح، ولا فتح مستعدة لأن تسلم الدفة لحركة حماس، ولكل طرف منهما ما يكفي للادعاء بأنه صاحب الأفضلية والحائز على مصادر القوة التي تؤهله لأن يكون على الأقل شريكاً موازياً، حتى لو أنه يبدي استعداداً للتسليم ببعض الشكليات.
كان من المفترض أن تكون الحوارات مرتاحة، وتذهب إلى صياغة اتفاقيات قائمة على قناعة عميقة بما يتم الاتفاق عليه، وأن يكون الحوار وطنياً، شاملاً، بما يؤشر على مصداقية الادعاء بالرغبة في بناء شراكة بين الكل الوطني، وكان من المفترض أن يبدأ البحث في الاستراتيجيات والخيارات، وأولويات أشكال النضال.
الحياة حكمت على المصالحة الثنائية، الإجرائية، المحكومة بمنطق المحاصصة، وعدم الاستعداد للتنازل للآخر، فما أن اصطدمت بعجز الحكومة عن معالجة بعض الملفات المهمة والخطيرة، من نوع ملف الموظفين وملف الأمن، حتى هوى صرحها، بطريقة مأساوية.
من كان يتوقع، أن يؤدي تعثر المصالحة، وبيان عجز الحكومة وهو عجز يرتد على الفصائل التي أنتجت اتفاقيات المصالحة، ولم تجد الحلول المناسبة لهذه الملفات، من كان يتوقع أن يتطور الاشتباك الكلامي وتبادل الاتهامات عبر وسائل الإعلام إلى أن تكون الرسالة حادة خطيرة من مستوى تفجير، بيوت وممتلكات خمسة عشر قيادياً من فتح؟
من كان يتوقع أن ينشب الخلاف، حاداً، واستفزازياً إزاء إحياء الذكرى العاشرة لرحيل الرمز ياسر عرفات، الذي اختلف الناس في حياته معه ولم يختلفوا عليه، وإلى الحد الذي يؤدي إلى إلغاء كل مظاهر إحياء هذه الذكرى ما يدل على أن هنالك من يختلف على عرفات، ولا يكتفي بالاختلاف معه، حتى وهو في مثواه الأخير؟
من الواضح أن الأمور لن تقف عند هذا الحد، فالرئيس محمود عباس لا يرى إمكانية لتحقيق المصالحة، إلاّ بإجراء الانتخابات، التي يختلف الكثيرون إذا ما كان إجراؤها سيؤدي إلى تغيير واقع الحال نحو الأفضل، نحو استعادة الوحدة الوطنية على أساس المصالحة والقانون.
أما حركة حماس، فإنها تذهب نحو رفع مسؤولياتها الأمنية عن حركة فتح في غزة، وربما لاحقاً يشمل آخرين، بدعوى غياب الميزانيات وغياب القدرة على ممارسة دورها في حفظ الأمن الداخلي، الذي أوكلت مهمته لرئيس الحكومة، وزير الداخلية، الذي لا يجد ما يفعله من هذا الموقع.
على أن التهديد الذي أطلقه عضو المكتب السياسي لحركة حماس خليل الحية، من أن المجلس التشريعي (كتلة حماس) من المتوقع أن تجتمع لسحب الثقة عن حكومة لم تنل الثقة أصلاً من المجلس التشريعي، هذا التهديد، قد يعيدنا في حال تنفيذه، إلى مربع ما قبل الصفر.
مثل هذا الإجراء سيكون الضربة القاضية لحالة التعايش الهش بين فتح وحماس، والسلطة في الضفة وسلطة الأمر الواقع في قطاع غزة، الأمر الذي قد يصاحبه عودة للصراع، والفلتان الأمني، ونحو تخريب العلاقات الاجتماعية، التي يدفع ثمنها المواطن المطحون، وتدفع ثمنها القضية الفلسطينية التي تتعرض لأخطر المخططات الاحتلالية الإسرائيلية إلى أن يقول المواطن ما أحلى أيام زمان.

طلال عوكل