خبر : فوضى السياسة عند الإسلاميين.. * إمام وداعية إسلامي.. أحمد مسمح

الأحد 16 نوفمبر 2014 01:17 م / بتوقيت القدس +2GMT



برع الإسلاميون أصحابُ المنهج الإصلاحي في العديد من المجالات الهامة في بناء المجتمعات من الناحية الأخلاقية والمنظومة القيمية التي حافظوا عليها خلال مسيرتهم وقدوتهم في العمل الدعوي والتربوي والخيري، ومن ناحية بناء المؤسسات الإسلامية التي تهتم بقضايا المسلمين وجراحاتهم، حيث كانوا الأوائل في تبني العديد من القضايا وال

ملفات ومعالجتها، حيث لم يستطع النظام الحاكم أن يعلن بها ويصرح بتأييدها، فأخذ الإسلاميون قصب السبق في التأييد الشعبي والإسلامي وخصوصاً قضايا المسلمين الذي كانوا فيه أسبقَ من الأنظمة الحاكمة، وقد آمنوا بعدم تعارض الدين مع السياسة، لكن عندما يأتي الحديثُ في السياسة فعلى الإسلاميين عموماً أن يتركوه جانباً لذوي الاختصاص والتجربة..

فـ»حركات الإسلامي السياسي «هو المصطلح الذي أطلقه الغرب على الحركات الإسلامية المعاصرة التي أخذت على عاتقها تغييرَ الأوضاع السياسية القائمة في البلاد بالطرق السلمية للتغيير، وهي التي عبّرت عن رغبة الشعوب في مقارعة الظلم والظالمين، والتي طرحت في كتابات مثقفيها ومفكريها أساليب الحكم في الإسلام وقيم العدل والحرية، وحاولت في أدبياتها انتقاد سياسة الحاكم وحاولت أن تنازع الأمرَ أهلَه، فدخلت غمارَ السياسة، وآمنت بصناديق الاقتراع ونزلت الانتخابات البرلمانية، وحاولت الأنظمة الحاكمة أن تتعامل بحذر مع هذه الحركات التي تعتبر أخطر عليها من الجماعات المتطرفة، فحاولت تحجيم مشاركتها في الانتخابات البرلمانية خوفاً من وصولهم لسدة الحكم، فحظروا نشاط الحركات وأغلقوا مقراتهم ومؤسساتهم واعتقلوا قادتهم ولفقوا لهم التهم الباطلة وصادروا أموالهم، كما حدث مع "جماعة الإخوان المسلمين" في مصر وغيرها.

بينما فضّلت بعضُ الجماعات الإسلامية أن تظل في فلك الحاكم وفي إطار ما تسمح به الدولة من نشاطات للدعاة في المحاضرات العلمية والخطابة والمؤسسات الدينية الرسمية، دون أن تمس دائرة الحكم أو الحديث عن الحاكم وقيمة العدل وجراحات المسلمين، وهذا النهج يبدو واضحاً في "السلفية الرسمية" في السعودية وغيرها، التي لم تؤمن بدمج الدين في السياسة ورأت السياسة رجساً من عمل الشيطان، فحافظت على علاقة طيبة مع القصر ولم تتعرض خلال مسيرتها للاعتقال والمطاردة والسجن...

أما الجماعات الأخرى فقد اتخذت من العنف والتفجير والتكفير طريقاً سريعاً للتغيير والإصلاح، فكفّروا الحاكمَ الطاغيةَ وحاشيتَه، واستهدفوا الأجانب، فكانت الإعدامات وأعواد المشانق والسجن والطرد والإبعاد لهذه الجماعات..

دخلت "حركاتُ الإسلام السياسي" عالمَ السياسة قبل أن تتهيأ لهذا العالم الذي لا تحكمه الأخلاق ولا تضبطه القيم، فهو لا يعرف إلا الخداع والتضليل والذكاء المبني على التحالف مع الشيطان، فالسياسة بحرٌ لا ساحلَ له، وأسلوبٌ لا أخلاق فيه ولا قيم، وقد عاشت الحركاتُ الإسلامية حياتَها منذ التأسيس في السجون والمعتقلات وعانت أزمات الملاحقة والمطاردة والإبعاد، فجاء ميثاقها ونظامها الأساسي يعالج تلك الفترات والأزمات ولم يُكتب ليواكب الظروفَ الدولية والعالمَ المتغير، حيث يتحتم على تلك الحركات أن تنظر دائماً في ميثاقها ونظامها الأساسي وأن تأخذ القانونَ الدولي والعرفَ السائد بعين الاعتبار..

فكان لدخولها المبكر في الحكم العديد من النتائج على سمعة الإسلاميين بشكل خاص، وعلى تجربة الحركات الإسلامية في الحكم بشكلٍ عام، حيث لم تستطع أن تتعايش مع العالم المتغير المليء بالتحالفات والمؤامرات ضدها التي تُحاك ليلَ نهار، ولم تستطع أن تغير من ميثاقها وبرامجها التي كُتبت أيام التأسيس في السجون والمعتقلات، والتي عالجت حالةً استثنائية وعبّرت عن مواقفها من بعض القضايا الفكرية والفقهية والعقائدية..

وكانت الأنظمة العلمانية الحاكمة قد قضت شوطاً طويلاً في إدارة الحكم وشؤونها، فتميّزت عن الحركات الإسلامية بالتجربة في إدارة البلاد، وإن كانوا بالظلم مشتهرين وبسرقة المال العام مشهورين، وللسياسة وأبوابها وفنونها متقنين، وتلطخت أيديهم بدماء الأبرياء، ووالوا الغرب، لكنهم في السياسة أسيادها؛ لأنهم يعرفون الحيل والمكر والخداع وطرق تسليك المصالح..

أما الإسلاميين فقد خاضوا البحرَ العباب بأمواجه المتلاطمة دون أن يقدموا برنامجاً واضحاً وإنما عموميات في البرامج، ودون أن يتعايشوا مع العالم الذي لا يحترم إلا الأقوياء، فلا يعرف الأخلاق والمبادئ، وإنما البقاء للأقوى، وإن كان الإسلاميون يجدون في السياسة الشرعية ما يتكئون عليه في تخريج بعض العلاقات والتصرفات والأفعال، لكنّ السياسة تحتاج لطول نَفَس وصبر وذكاء وفطنة وطول تجربة ومراس..

تجارب الإسلاميين في الحكم:

والذي يتأمل تجاربَ الإسلاميين في الحكم يجد ذلك واضحاً عندهم، وتأتي الرياحُ بما لا تشتهي السفن، ففي مصر مثلاً فاز الإخوان المسلمون برئاسة الدولة ولم يستطيعوا أن يمارسوا لعبة السياسة القذرة، فعادت الأمور إلى سابق عهدها بل أسوأ، فحظروا نشاطها واعتقلوا قادتها والمحاكمات تجري الآن على قدم وساق..

وفي السودان وهي الحالة الوحيدة التي وصل فيها الإسلاميون بانقلاب عسكري وأعلنوا تطبيق الشريعة الإسلامية عام 1983م، لم يستطيعوا أن يتعايشوا في عالم من الذئاب البشرية المجرمة، فحاصروا السودان وضربوه بالطائرات وانتهكوا سيادته وبثوا الفتن فيه، وانتهت المؤامرة بتقسيمه إلى دولتين: السودان وجنوب السودان..

وفي العراق كانت الطائفية والاحتلال الأمريكي يفرض واقعاً مراً وشاقاً وصعباً، لم نستطع أن نتعامل مع هذا الواقع لا من ناحية الاحتلال ولا من ناحية الطائفية والمذهبية، ولم ننجح سياسياً ولا ميدانياً ولا إعلامياً، وظل العراق في دوامة حتى هذه اللحظات، حتى خرج في هذه الأوضاع السيئة "تنظيم الدولة" وأعلن الخلافة وفعل ما فعل، لماذا؟ لأن الإسلاميين الوسطيين لم يملئوا الساحة ولم يسدوا الفراغ وتركوا الأمور تجري هكذا، فجاء من يسد هذا الفراغ من المتشددين والتكفيريين..

وفي ليبيا لم يكن للإسلاميين وجود في عهد القذافي وبعد سقوطه ماجت البلاد في الهرج والقتل، ولا زالت بين تحالفات عسكرية وتكتلات وأحزاب، وحين يغيب الإسلام الوسطي عن الساحة فلنشاهد ما يحدث وراقبوا أجهزة التلفاز..

و في فلسطين فاز الإسلاميون في الانتخابات التشريعية وقاموا بتشكيل الحكومة من لون واحد، مما عرّضها إلى الحصار والقطيعة والعزلة الدولية والمؤامرات ولم يتعامل معها أحد، وبسبب المؤامرة الداخلية حدث انقسام مع أشقاء الوطن، وانفردت في الحكم في غزة ولم تستطع أن تراعي الظروف الدولية والمؤامرات الداخلية وأن تجنب الوطن والشعب من مآسي وانقسام ومؤامرات وحصار.. ولم تنجح باستيعاب الآخر تحت مظلة الوطن أو تقوم بانسحاب آمن من الحكومة، فقد كانت في الحكومة ولم تكن في الحكم، وكان من المفترض أن تكون أكثر وعياً وفهماً وحنكةً..

تجارب ناجحة:

ففي تركيا نجح الإسلاميون أيما نجاح، حيث عرفوا السياسة وسبروا غورها وتعلموا اللعبة الدولية والتحالفات السياسية، فدرسوا الواقع وتلائموا معه ولم يجنبوا المجتمع الدولي وفهموا مقاصد الإسلام ولم يتعجلوا بتطبيق الشريعة وعلموا أن إطعام الجياع وتخفيف البطالة وتوفير فرص عمل وكفالة الفقراء وتنظيف الشوارع وإقامة المشاريع أولى من تطبيق الحدود وإلزام الناس بتعاليم الإسلام في بلدٍ يعج بالعلمانية والعلمانيين..

أما في تونس فالأمر يختلف كثيراً حيث هي التجربة الإسلامية الوحيدة التي استطاعت أن تجتاز الأزمة أن تقوم بانسحاب آمن، نجا بالتنظيم وبالبلاد والعباد من شر مستطير ومؤامرة كانت تُحاك لـ"حركة النهضة" لإخراجها من المشهد السياسي، واستطاع راشد الغنوشي بحكمته وذكائه أن يُخرج تونس من دوامة كانت تُجهّز لها إذا وصل الإسلاميون لسدة الحكم، ففضل أن يكون بعيداً عن الأعين وأن يبقى في البرلمان، حتى لا يُفرض الحصار على تونس وتدخل في دوامات من الاقتتال الداخلي..

على الإسلاميين عموماً قبل أن يقرروا دخولَ الحكم وإدارة البلاد وعالمَ السياسة أن يتعلموا فن السياسة وأن ينشئوا المراكز والمؤسسات لهذا الغرض وألا يتعجّلوا قطف الثمرة والوصول لكرسي الرئاسة، فالأوضاع تحتاج إلى دراسة متأنية وعميقة بفهم الواقع ومقاصد الإسلام ودراسة تجارب الآخرين وقراءة التاريخ..

* إمام وداعية إسلامي.