خبر : دولة البغدادي و الفهم الخاطئ لنظام الحكم الإسلامي ...بقلم د. وليد القططي

الجمعة 14 نوفمبر 2014 08:31 ص / بتوقيت القدس +2GMT
دولة البغدادي و الفهم الخاطئ لنظام الحكم الإسلامي ...بقلم د. وليد القططي




لم يُرَق دم في الإسلام كما أريق حول السلطة والصراع عليها , فمنذ الفتنة الكبرى التي ابتدأت في أواخر عهد الخليفة الراشد الثالث عثمان بن عفان واستمرت في عهد الخليفة الراشد الرابع علي بن أبي طالب – رضي الله عنهما – وحتى عهد ( الخليفة ) الداعشي المعاصر أبو بكر البغدادي مرورا بالخلفاء الأمويين والعباسيين والعثمانيين ... والدم يجري مهراقاً في بلاد المسلمين صراعاً على السلطة , في ظروف اختلطت فيها مفاهيم المعارضة السياسية ونقد الحكم مع مفاهيم البغي والخروج على الحاكم بطريقة مقصودة لترسيخ الاستبداد السياسي ومنع تداول السلطة أو تصحيح مسارها بالطرق السلمية .
ولم يشوّه مفهوم في الإسلام كما شُوّه مفهوم (الخلافة ) بحيث طغى الجاني السلبي للخلافة على الجانب الإيجابي لها , وتم استحضار الصور السلبية من دهاليز التاريخ لتقدم لنا نموذجاً مشوّهاً ليس فقط عن الخلافة ونظام الحكم الإسلامي , بل عن الإسلام برمّته , وأصبحنا نشاهد قطع الرؤوس وأكل الأحشاء واتخاذ السبايا وبيع الجواري ولسان حالهم يقول هذا هو الإسلام الذي نريد أن نحكم الناس فيه , وهذا هو الإسلام الذي جاء رحمة للعالمين وللبشرية جمعاء يهلك الحرث والنسل اينما حل ويبيد كل ما عاداه , الإسلام الذي عاشت في كنفه مختلف الأديان والمذاهب لا يقبل الآخر المختلف حتى لو كان من المسلمين أو حتى ينتمي لنفس المذهب والمدرسة الفكرية .
و عندما أعلن تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام المعروفة اختصاراً بداعش عن تنصيب الدكتور إبراهيم السامرائي المعروف بأبي بكر البغدادي خليفة للمسلمين بعد أن أصبح في حوزتهم بقعة جغرافية واسعة في العراق وسوريا , وأصبح اسم دولتهم ( الدولة الإسلامية ) إشارة إلى أن حدود الخلافة لم تقتصر فقط على العراق والشام التي تم إلغاء حدود سايكس بيكو المصطنعة بينهما , وأن سيطرة الخليفة والدولة الإسلامية لن تقف عند هذه الحدود ينسجم مع نظرية الحكم في الإسلام التي يعتبر الخليفة على رأس نظام الحكم فيها , ولمعرفة الأصل الديني لنظام الخلافة ولنظرية الحكم في الإسلام لا بد من العودة للأصول الدينية والتاريخية لذلك .
تعود الخلافة إلى عهد النبي محمد – صلى الله عليه وسلم – الذي كان يقوم بمهمة الحاكم إضافة إلى مهمة النبي والرسول الذي يشّرع للدين الجديد , ولقد امتزجت صلاحياته كنبي مع صلاحياته كحاكم غير أنه عليه الصلاة والسلام قد فرّق بين الأمور الدينية الواجبة الاتباع والامور الدنيوية الخاضعة للاجتهاد , كما فرّق فيما بعد الفقهاء بين النصوص الدينية قطعية الثبوت والدلالة التي لا تقبل الاجتهاد , والنصوص الدينية ظنية الثبوت والدلالة التي تقبل الاجتهاد في فهم النص , ولقد استمر الخلفاء الراشدون – رضي الله عنهم – من بعده يقومون بدور الحاكم كخلفاء للسلطة السياسية للرسول – صلى الله عليه وسلم – دون تفرقة بين السلطتين الدينية والدنيوية بطريقة تكاملية تؤدي إلى مصلحة الأمة في الدنيا والآخرة ... أما العهود التالية للخلفاء الراشدين فقد تم في مجملها توظيف الدين لخدمة الحكام , ودعم نظام الحكم , وتقوية السلطة السياسية للدولة , والتنظير للاستبداد السياسي , عن طريق الفقه السني الذي حصر الخلافة في قريش , وباختيار ( أهل الحل والعقد ) , أو بولاية العهد ( الوراثة ) , أو بالتغلب ( السيطرة بالقوة ) .
أما في الفقه الشيعي خاصة عند الإماميةالأثنى عشرية فقد حصروا الخلافة في آل البيت على اعتبار أن الإمام – أي الخليفة عند أهل السنة – معيّن بالنص النبوي للإمام على بن أبي طالب – رضي الله عنه – وفي ذريته من بعده وصولاً إلى الإمام الثاني عشر الذي انقطع نسله فبدأت فكرة الغيبة وفقه الانتظار التي تؤمن بغيبة الإمام وانتظاره حتى يعود كمهدي منتظر , وبالتالي لا يوجد حاكم شرعي حتى يعود الإمام المُغيّب . وهذه النظرية جاءت كتطور تاريخي للصراع على السلطة منذ الفتنة الكبرى وما تبعها من صراع بين آل البيت والدولتين الأموية والعباسية , وتم في خضم هذا الصراع تأويل النصوص الدينية في القرآن والسنة لتخدم نظرية الحكم الشيعية التي تقوم على النص بشكل أساسي بخلاف أهل السنة التي تقوم إضافة للنص على الإجماع والاجتهاد واختيار أهل الحل والعقد , واستمر هذا الوضع حتى جاء الإمام الخميني بنظرية ( ولاية الفقيه ) الذي يحكم نيابة عن الإمام ( المُغيّب ) وتكون بيده السلطتين الدينية والسياسية , وهي النظرية التي أقيمت على أساسها الجمهورية الإسلامية في إيران .
و الصحيح أن نظرية الحكم في الإسلام ليست قوالب جامدة لا تتغير , بحيث يتم استنساخ صور نمطية من الماضي بطرقة مشوّهة وتطبيقها في الحاضر،و التركيز على شكل نظام الحكم الاسلامي دون جوهره و مضمونه، بل هي مبادئ عامة يجب احترامها والالتزام بها كالشورى المُلزمة , والعدل في كل مستويات الدولة , والبيعة التي تعني التعاقد بين الحاكم والشعب , وأهل الحل والعقد المُختارين من الشعب , وحرية المعارضة السياسية ونقد الحاكم ونظام الحكم ،وحتى إمكانية عزل الحاكم من الشعب أو ممثليه إن أخلّ الحاكم بشروط البيعة و العقد،وغيرها من المبادئ التي تميز نظام الحكم الإسلامي ،فأي نظام إسلامي يُطبق هذه المبادئ هو النظام الإسلامي الصحيح.