خبر : ظاهرة الدهس والطعن بقلم: مهند عبد الحميد

الأربعاء 12 نوفمبر 2014 07:40 ص / بتوقيت القدس +2GMT



عرض مساء أمس ثلاثة مستوطنين قرب مفترق طرق مستوطنة "عتصيون - الون شفوت" جنوب بيت لحم لعملية طعن، وظهر يوم أمس طعن جندي إسرائيلي في تل أبيب على يد شاب فلسطيني، وقبل يومين ارتكبت سلطات الاحتلال جريمة قتل الشاب خير الدين حمدان في بلدة كفركنا - مناطق 48-، وقبل أيام وأسابيع حدثت عمليات دهس في شعفاط وسلوان والعروب، وقبل أشهر كانت حادثة الجرافة في مدينة القدس وكانت جريمة حرق الفتى أبو خضير، وكانت ...... 
موجة جديدة من المقاومة والعنف والانتفاض والاحتجاج تختلط فيها الاشكال السلمية مع الاشكال العنفية. 
موجة مقاومة محورها مدينة القدس وفي محيط المسجد الاقصى وفي سائر مواقع التماس مع قوات الاحتلال في مدينة الخليل وقلنديا وعوفر وزعترة وحوارة. 
الاحتقان الشعبي بدأ في مدينة القدس جراء قرار حكومة نتنياهو استباحة المدينة استباحة شاملة وإذلال وقهر مواطنيها على رؤوس الاشهاد. 
الطرف المسؤول عن انتاج العنف وتحويل الصراع إلى صراع ديني هو حكومة نتنياهو واقطابها من وزراء واعضاء كنيست وجنرالات امن وشرطة الذين يتجاهلون كل الاسباب الحقيقية للاحتجاجات والانفجارات الشبابية، هؤلاء الذين تنكروا لأي عمل سياسي من شأنه تقليص الاحتلال ووقف التوسع، وأهالوا التراب على كل المساعي السياسية الدولية للبحث عن حل، واعلنوا أن مهمتهم المركزية هي تجريد الشعب الفلسطيني من ابسط حقوقه الوطنية والمدنية وإرجاعه إلى عصر العبودية الغابر. 
حكومة بمعظم اقطابها تخلع ثوب العلمانية وترتدي "الكيباه" وتنضم إلى "أمناء جبل الهيكل" لحسم السيطرة على المسجد الاقصى واقتسامه. 
هؤلاء هم من قاموا بإشعال الحريق الجديد وصبوا الزيت على النار كلما اوشكت على الهمود. 
من يتشكك في مسؤولية دولة الاحتلال في اشعال حرب دينية فليعد الى رأي المنظمات الدولية ووزراء الخارجية في العالم والمراسلين الاعلاميين والوزير الاسرائيلي عمير بيرتس الذي قدم استقالته احتجاجا على مواقف الحكومة المتطرفة، والصحافي وناشط حقوق الانسان جدعون ليفي، وافتتاحيات صحيفة هآرتس وتقارير بيتسيلم، ومواقف بعض الحاخامات. من يتشكك فليستمع الى الخطاب الاعلامي والسياسي اليومي الصادر عن اقطاب الحكومة نتنياهو، يعالون، ليبرمان، بينيت، واهرونوفيتش، الذين قادوا التطرف واشعلوا حريق حرب دينية، هؤلاء يبيحون القتل في كفركنا، ويسمون الشاب العربي المواطن المحتج مخربا ويبررون عملية قتله بدم بارد ويدعون إلى سحب المواطنة من المعترضين على سياستهم العنصرية الكولونيالية. 
مشعلو الحرب هم الذين اتخذوا قرارات بهدم بيوت العرب في النقب والجليل ووادي عارة، هم من يقف وراء قرارات التطهير العرقي في القدس، ووراء قرارات العقاب الجماعي والفردي، كمعاقبة قاذف الحجارة بعشرين سنة سجن، وهدم بيوت المقاومين، وابعاد الجهات المحرضة. 
غير أن المفارقة العجيبة التي درجت حكومة نتنياهو على اتباعها هي قلب الحقيقة وعدم التوقف عند الاسباب الحقيقية للاحتجاجات الجمعية والفردية الفلسطينية، عدم الالتفات الى ابسط القواعد التي تقول إن الضغط يولد الانفجار. 
خلافا لذلك فإن حكومة نتنياهو تعزو كل الذي يجري إلى التحريض الفلسطيني على العنف والارهاب والعنف "كي لا تبقى إسرائيل هنا" وما يعنيه ذلك من التهديد الوجودي المخترع الذي تتعرض له إسرائيل. 
مقابل ذلك، ثمة ظاهرة نشأت في السنتين الماضيتين، هي ظاهرة العنف الفردي الفلسطيني الموجه للاسرائيليين، تلك الظاهرة التي تشكلت واتسع نطاقها على وقع اعمال القهر والاذلال والنهب والتمييز الاسرائيلية. 
إن استمرار الضغط وتصاعده يولد الانفجار، لا يكفي لتفسير الظاهرة. يمكن القول ايضا: عندما لا يبقى امام الفلسطيني ما يخسره فإنه يحاول ان يصنع بنفسه التراجيديا الخاصة به، ولا ينتظر ان يموت اختناقا وقهرا وذلا، لا ينتظر تراجيديا يصنعها المحتلون له على طريقتهم البشعة. 
لا يمكن عزو هذه الظاهرة الفلسطينية لسلطات الاحتلال وحدها، فإن غياب التنظيم السياسي والمؤسسة والفكر السياسي والمبادرة السياسية والنضالية، ذلك الغياب الذي وَلَّدَ فراغا كبيرا، تاركا القسم الاعظم من الاجيال الجديدة دونما دعم أو اسناد أو مساعدة أو توجيه أو تدخل ايجابي. 
عندما يُترك السواد الاعظم من الاجيال الشابة يواجهون آلة الاحتلال والدمار بأنفسهم وبتلقائيتهم وعفويتهم فإن اعمالهم البطولية لا تتحول إلى فعل جمعي متعاظم ومنظم وقادر على انتزاع المكتسبات وفرض التراجع على المحتلين. 
ما يحدث الآن يختلف عن الذي حدث في الانتفاضة الأولى. تلك الانتفاضة التي بدأت عفوية وسرعان ما تدخل الجهاز الاداري السياسي (تنظيمات سياسية نقابات عمالية ومهنية ومنظمات نسوية وشبيبة)، ونقل الانتفاضة من الحالة العفوية إلى الحالة المنظمة في اقل من شهر. 
الجهاز الاداري السياسي برغم مشكلاته وفر الغطاء والحماية السياسية التي فتحت الانتفاضة على اشكال من الدعم العربي والعالمي ساهم في إفشال كل محاولات دولة الاحتلال لإجهاضها بالقوة أو الاحتواء.
ما يحدث الآن هو انفصال التنظيمات السياسية وجهازها الاداري التنظيمي عن الاحتجاج الشبابي الثوري العفوي. 
ما يحدث هو تذيل التنظيمات السياسية للعفوية وللمبادرات الفردية، وصولا إلى تبني واعتماد هذا الشكل من اعمال الدهس والطعن. 
كان من المفترض أن تشكل هذه الاعمال الفردية حافزا كبيراً للتنظيمات السياسية كي تتدخل من اجل تنظيم المئات والآلاف وحفز قطاعات متزايدة من المجتمع للدخول في المقاومة الشعبية على طريقة الانتفاضة الأولى من أجل معاظمة قوة الشعب في مواجهة الاحتلال. 
وكان من المفترض أن تشكل المبادرات الشبابية حافزاً للمستوى الثقافي كي يسلح قوة التغيير الشبابية بفكر التحرر الوطني والاجتماعي والتنويري ولا يتركهم فريسة للفكر الظلامي. 
لقد اختارت التنظيمات السياسية أن تمتطي وتستخدم المبادرا ت الشبابية وتسير خلفها، واختار المستوى الثقافي والاكاديمي ان يتفرج من برجه العاجي، واذا ما استمر هذا الوضع على حاله يجوز إعلان الافلاس الكامل للمستويين. 
لقد نجحت دولة الاحتلال في تحويل الصراع إلى صراع ديني، والصراع الديني في كل مراحل التاريخ لا ينطوي على أي حلول عقلانية، لا ينتهي إلا بسحق طرف لآخر. 
وليس من مصلحة الشعب الفلسطيني التورط في حرب دينية، وليس من مصلحة الشعب الفلسطيني أن يدخل في حلقة العنف والحسم عبر العنف، لأن القوة والعنف هما اللعبة المفضلة التي تتقنها دولة الاحتلال وتتقن استخدامها في تحقيق أهدافها الكولونيالية. 
إن مصلحة الشعب الفلسطيني في اختيار وفي ابتكار أشكال النضال التي تحقق المكاسب الوطنية وتعاظمها، وتقلل من معاناة الشعب وتوفر مستوى من الحماية لنضاله الطويل من أجل حريته.
Mohanned_t@yahoo.com