شكاوى كثيرة تقال حول موضوع التحويلات الطبية وازدياد حالات الوفاة في أوساط مرضى السرطان والحالات المزمنة والصعبة، ومواد كثيرة أيضاً نشرت في المواقع الإخبارية ومواقع التواصل الاجتماعي، كلها تتحدث عن وجود خلل كبير في التعامل مع هذا الملف، وهي بدون شك تستوجب إجراء استقصاء حول هذه القضية التي تقض مضاجع الكثيرين للإلمام بالتفاصيل ووضع النقاط على الحروف بما يتعلق أولاً بحياة المواطن الفلسطيني الذي هو أغلى ما نملك والذي يجب أن يسخر كل شيء لخدمته وتوفير شروط حياتية مناسبة له. وأنا هنا لا أدعي بأنني قد قمت بتحقيق استقصائي حول هذه المسألة ولكني سألت أناساً على علم واطلاع بهذا الملف من غزة والضفة من وزارة الصحة وخارجها ويمكن القول أنني توصلت إلى صورة معينة بهذا الخصوص تستوجب المزيد من البحث والتدقيق والمعالجة.
في البداية نعود إلى قرار مجلس الوزراء باجراء تقليص أو توفير في فاتورة العلاج بالخارج أو التحويلات العلاجية، وهذا القرار بالتأكيد صائب إذا ما نظرنا إلى كلفة فاتورة التحويلات الطبية وخاصة إلى المستشفيات الإسرائيلية. لكن هذا القرار الذي اتخذ وطبق على عجل لم يتضمن وضع خطة أو آلية للتنفيذ تراعي مصالح المرضى وتوفر لهم ما يحتاجونه من جهة، ومن جهة أخرى تحقق التقليص في الفاتورة. وجرت تعيينات في وزارة الصحة تتعلق بهذه الدائرة راعى من خلالها الموظفون الجدد فقط الحد من التحويلات الى إسرائيل، طبعاً ليس لكل الناس، ورافق ذلك أيضاً خلل في التعامل مع المستشفيات الفلسطينية الخاصة وإلى حد ما الحكومية التي تعاني من نقص شديد في أبسط الأمور. ويبدو أن التوفير في نظر المسؤولين هو منع تحويل الحالات الطارئة والعاجلة للمستشفيات الإسرائيلية حتى لو كان ذلك على حساب حياة المريض، وأنا هنا اتعامل مع وقائع تتمثل بحالات مرضية خطيرة جرى إهمال نقلها حتى توفيت وخاصة في قطاع غزة.
ولدي معلومات عن حالة طفل يبلغ من العمر 14 عاماً يعاني على ما يبدو من سرطان لم تستطع المستشفيات الحكومية تشخيصه بصورة نهائية وطلبت اللجنة الطبية المسؤولة تحويله إلى إسرائيل على وجه السرعة، وكتب على نموذج التحويل المسمى نموذج رقم (1) عاجل جداً مع تقرير يقول أن حالته لا تحتمل التأخير وهناك خطر على حياته، هذا كان في تاريخ 21 من الشهر الماضي، ورشح مستشفى خاص بالأطفال في إسرائيل لنقل المريض عليه، وبعد مماطلة في دائرة العلاج بالخارج في رام الله تم تحويله إلى مستشفى في القدس أعطاه تاريخ 25 11 لدخول المستشفى بسبب الاكتظاظ والدور وحتى هذا اليوم 5/11 لم يتم نقل الطفل إلى أي مستشفى بل قيل لوالديه أن المستشفى قدم الموعد لـ 11/11. الطفل يرقد في المستشفى في حالة تدهور شديد بانتظار الدور، فماذا لو توفي الطفل أو وصلت حالته إلى فقدان الأمل في العلاج؟
الواضح أن المسؤول عن العلاج في الخارج وهو في النهاية طبيب غير متخصص في كل الحالات لا يأخذ بالاعتبار توصية بعض اللجان الطبية المكلفة من وزارة الصحة، ولديه توصيات خاصة تراعي مصالح خاصة تتعلق بشخصية نافذة في السلطة. فجزء كبير من التحويلات تذهب إلى مستشفى حديث نسبياً وغير مؤهل للتعامل مع جميع الحالات المرضية، وبعد أن يمكث المريض هناك لبعض الوقت يجري تحويله لمستشفيات أخرى. والمقصود هنا تحقيق المنفعة لمؤسسة بعينها وأشخاص محددين، والأخطر أن المريض الذي يكون بحاجة ماسة للعلاج وكل يوم بل كل ساعة يمكن أن تحدث فرقاً في حياته يدفع ثمن الانتظار. والمرضى المساكين في غزة هم أكثر المتضررين.
ما يجري في دائرة العلاج بالخارج يمثل كارثة أقل ما يقال فيها أنها استهتار بحياة المواطنين، وفي بعض الأحيان يتم تجاوز الاستهتار إلى ما هو أكثر من ذلك. فإذا كانت الحكومة تريد التوفير عليها انشاء بدائل على مستوى عال من الكفاءة بحيث نستغني عن الدول الأخرى وهذا كان ينبغي العمل به منذ عقود، وكان بإمكاننا استئجار أطباء أكفاء فلسطينيين من الداخل والخارج وعرب وأجانب وتوفير الفرصة للأطباء المحليين لاكتساب الخبرة والنهوض بواقع الخدمة الطبية، وتوفير مئات ملايين الدولارات. ولكن هذا لم يحصل إلى الآن، حتى المستشفيات المؤهلة لدينا في بعض المجالات لا تعامل بشكل يجعلها تتطور في تقديم العلاج من خلال تعامل مزاجي معها وعدم سداد ديونها لدى السلطة، وأشياء أخرى لا داعي للخوض في تفاصيلها. ولا شك تتحمل الحكومة مجتمعة وخاصة وزير الصحة ورئيس الوزراء المسؤولية عن هذا الوضع الصعب في دائرة علاج المرضى.
موضوع الخطر الذي يهدد حياة قسم من المرضى وخاصة الفقراء الذين لا واسطة لديهم يجب أن يخضع للتحقيق من قبل لجنة متخصصة مشكلة من مكتب الرئيس والحكومة وجهات مستقلة لوضع الحقيقة كاملة أمام الشعب، ولوضع حد لهذا العبث، بحيث يقدم للمواطن أفضل خدمة ممكنة للحفاظ على صحته وحياته وننهض بمؤسستنا التي يجب أن تليق بهذا الشعب العظيم. فهل تقوم هذه الجهات بمسؤولياتها؟
أشرف العجرمي


