يبدو أن واشنطن وفي محاولة منها لتجنب ما يمكن أن تتعرض له من إحراج في مجلس الأمن الدولي، حين يتقدم الفلسطينيون بمشروع قرار يحدد سقفا زمنيا، يقال انه حتى تشرين الثاني من العام 2016، لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي لأراضي دولة فلسطين، العضو المراقب في المنظمة الدولية، باتت تفكر في استخدام سياسة " العصا والجزرة " تجاه كلا الطرفين، الفلسطيني والإسرائيلي.
فهي _ أي واشنطن، تحاول من جهة ثني الطرف الفلسطيني عن تقديم مشروع القرار المذكور، من خلال طرح ما يقال إنه مبادرة جديدة لوزير خارجية الولايات المتحدة، جون كيري، تتضمن عددا من الأفكار الأميركية لإحياء عملية السلام، والتي سيتم طرحها خلال استقبال كيري في واشنطن كلا من صائب عريقات وماجد فرج .
ما يحير واشنطن حقا، ويدفعها _ أحيانا، إلى إظهار خلافها مع نتنياهو، هو انه مقابل ما يظهره الجانب الفلسطيني من مرونة في الشكل والأداء، يبدي نتنياهو وأركان حكومته، بل ومعظم الإسرائيليين تشددا، بل وحتى تطرفا، وصل رد الفعل عليه، خلال الأيام الأخيرة إلى القوس العربي بأكمله، ما دفع الأردن المعروف برزانته السياسية أن يرد بشدة وعلى أعلى مستوى، على حماقة إسرائيل بمحاولة سحب الوصاية الدينية الهاشمية على المسجد الأقصى، كذلك إلى أن تصدر الجامعة العربية بيانا يحذر إسرائيل من إقدامها على إشعال حرب دينية حول القدس.
وكان الجانب الفلسطيني، وفي محاولة منه لكسب النقاط، قد وافق على تأجيل طرح مشروع القرار على مجلس الأمن إلى ما بعد إجراء انتخابات الكونغرس النصفية في الرابع من الجاري، أي اليوم، لكن الإدارة الأميركية تخشى أن يتقدم الفلسطينيون بمشروع القرار، مباشرة بعد إجراء تلك الانتخابات.
الضغوط الأميركية على نتنياهو دفعته يوم الأحد الماضي إلى أن يصدر بيانا يدعو نواب الكنيست إلى التهدئة في القدس، الأمر الذي رحبت به السلطة الفلسطينية، وجاء ذلك بعد مكالمة من كيري لرئيس الوزراء الإسرائيلي، لكن الأمر ما زال ينبئ بانفجار وشيك في المدينة المقدسة، وفي كافة أراضي الضفة الغربية المحتلة، ما دفع الرئيس الأميركي للتدخل، فيما يمكن وصفه بأنه " قرصة أذن " لرئيس الحكومة الإسرائيلية، من خلال تسريبات، يقال بأن واشنطن تبحث عبرها عن صيغة لاحتواء الموقف الفلسطيني، تتراوح بين ثلاثة خيارات، بينها أن تمتنع واشنطن _ لأول مرة في تاريخها _ عن استخدام حق النقض الفيتو، في مجلس الأمن تجاه مشروع القرار الفلسطيني.
ويبدو أن واشنطن تسعى إلى إرضاء الجانب الفلسطيني، دون أن تضطر إلى قلب ظهر المجن على تل أبيب، وذلك من خلال محاولة التوصل إلى صيغة للعودة للمفاوضات، ومع أن هذا الخيار يبدو صعبا، إن لم يكن مستحيلا، لأنه سيظهر أن تل أبيب قد رضخت للمطلب الفلسطيني الذي يشترط وقف الاستيطان خلال التفاوض، والإفراج عن الدفعة الرابعة من الأسرى المتفق عليهم، وفق اتفاق المفاوضات السابقة عام 2013، والمعتقلين قبل أوسلو، وترسيم الحدود، مع سقف ثلاثة أشهر، للبحث أولا في هذا الترسيم بين الجانبين، فأن واشنطن تحاول التوصل إلى صيغة مقبولة عليها لمشروع القرار الأممي، من خلال مباحثات الوفد الفلسطيني مع الوزير الأميركي، ولو حدث هذا، فإن واشنطن، إن لم تؤيد القرار ستمتنع عن الاعتراض بالنقض عليه.
تبقى حدود الصفقة التي يقبلها نتنياهو، والتي يسعى إليها حقا، هي مقايضة التهدئة في القدس، بعدول الفلسطينيين عن متابعة طرح القرار على مجلس الأمن، أما الذهاب إلى ابعد من ذلك، أي للرضوخ لبعض المطالب الفلسطينية وإرضاء واشنطن بالعودة إلى طاولة المفاوضات، فانه لن يكون من جانبه إلا بإقدام واشنطن على منحه ما يريد فيما يخص الملف الإيراني، وهذا أمر سيضر كثيرا، بالجبهة الإقليمية التي تحاول واشنطن تدشينها ضد داعش، خاصة إيران وحلفاءها، أي العراق وسورية، وهذه الدول مهمة جدا حتى تنجح حملة واشنطن ضد داعش، نظرا إلى أن حربها تقام على ارض هذه الدول.
تفقد واشنطن _ عمليا _ بسبب من تعدد الملفات المتفجرة في المنطقة قدرتها على التركيز، وربما هذا ما يدفع أوباما للتفكير فعليا في إقالة وزير خارجيته جون كيري، كما يشاع، لكن ما هي إلا أيام وتظهر نتيجة الانتخابات النصفية، والتي على أساسها ستظهر قدرة البيت الأبيض، على التحرك السياسي بحرية أكثر أو بقدرة أقل، مما هو عليه الحال الآن، وفي الوقت الذي يتواصل فيه التنسيق بين مندوبي الولايات المتحدة وإسرائيل في الأمم المتحدة، لمواجهة مشروع القرار الفلسطيني، تخوض واشنطن صراعات وحوارات متعددة، لا بأس أن تظفر من خلالها، إن لم يكن بأفضل النتائج، فبأقل الخسائر، ويبقى أمر الملف الفلسطيني / الإسرائيلي معلقا بين الجزرة التي تعجز واشنطن عن تقديمها للفلسطينيين، والعصا التي لا تقوى على أكثر من التلويح بها في وجه الإسرائيليين !
Rajab22@hotmail.com


