ان تقوم أمة كاملة برفع شخص إلى منزلة المسيح ، هو بحد ذاته امر ثقيل على كاهل اي رجل يرفع ، فهو يتطلب الكثير الكثير من ان يكون الإنسان.
نيلسون مانديلا قد كان مزيجا حيا من جميع اصناف الملوك ، شخص لا يمكنني ان اصفه بقدرتي التعبيرية ، كان بمثابة المنقذ لامته جميعا ، فقد كان كأمل الانشفاء من الانفلونزا مرفوقة بامراض عضال بكوبٍ من البابونج .
أن تقول بأنه لنا أملٌ في الحياة ، شيء ثقيل يتطلب المزج بين روح القائد والامة كاملةً ،عندما كان مانديلا عندما ينزل الى الميدان تشعرُ بالذبذبات تسري في عروقك وفي الارض وفي انوار المصابيح المتفرقة بانتظام على ناصية الشارع .
مجرد الانطلاق في رحلة الذكريات في حياة مانديلا، تجد كم كان عنيفا في مواجهة التميبز العنصري ضد شعبه و بلاده ، فقد كانت كلماته تُقسم إلى مفردات وكل مفرد على حده تعطي جملة من الحكمة الممزوجة بالتجارب الانفرادية وعاتق الامة على كتفي رجل واحد قضى اكثر من ثلث عمره بين الزنازين والأسوار .
لم يكن مانديلا شخصية عاصفة كقلبه الثائر او كما فعل من تهييج للجماهير ، فقد كان بارد كالثلج او كالليل في الصحراء هادئ وقارص .
اتُهم بالخيانة العظمى وقد حكم عليه بالسجن وقضى منها اكثر من ٢٧ عاما بين الاسوار ، اثناء وقوفه في قاعة المحكمة سُئل مانديلا ما اذا كان مذنبا ام لا فأجاب قائلا : انا والحكومة القائمة كلانا مذنبان ، فانا يا حضرة القاضي مستعد لاستقبل الموت بكل صدر رحب في دفاعي عن حرية هذه البلاد .
لقد ساعدته الـ٢٧ عاما على تعلم الصبر ، ومن حسن الحظ ان مانديلا قد أُسر ، فقد حصل في تلك الفترة على كل ما يلزم بان يكون خليفة الأب الروحي غاندي ، كما قال بيل كلينتون :"ان العالم قد شهد فقط اثنين من القادة والوحيدين اللذين قطعا مشوار الثائر في طريقهم الى السلام غاندي وخليفته مانديلا ".
لم تدرك الحكومة الخطر الذي بدأ بالنضوج يوما بعد يوم من أسر مانديلا فقد شعروا بذلك بعد فوات الاوان ، عندما وجدوا الدبابيس التي تعلق على المعاطف والقمصان التي يفترض بها ان تحمل علم الدولة كانت تحمل جملة " الحرية لنيلسون مانديلا " .
فبدأو بالضغط عليه من خلال الأسر ومن تلفيق التهم الى زوجته بالعلاقات الغرامية والجرائم، ومن ثم وفاة والدته التي تنحدر من الاصول الملكية وقد مُنعٓ من زيارة قبرها ، ومن ثم وفاة طفلته "زيني" وقد منع من زيارة قبرها هي ايضا، وقد امروا بعزل زوجته عنه ، واصدروا قرارا بالحبس الانفرادي لمانديلا ، كل ذلك في امل من تحطيمه ، ولا ريب ان ذلك قد اثر في مانديلا وجعله قريبا من الكراهية .
لكن داعية السلام والحرية لم يكن يستطع إظهار حقيقة مشاعره ، فاكتفى بالتحدث عن حياته بشكل عام وليس بشكل خاص ، حتى لاكثر صديقاته قربا لم يقل لها شيئا من حياته الخاصة ، فلا بد للفرد ان يظهر كم هو انسان بعد ان رفع الى مرتبة مسيح الشعوب انذاك .
فكم تجربة قد مر بها مانديلا ، وكم من جبل من ايام الظلام وقع على عاتق كاهليه ؟ ، كم مانديلا سنحصل في وقتنا الحالي ؟ اسئلة كثيرة تجول في خاطر كل من قرأ او سمع بهذا الاسم ، كل منا يعرف المشاهير مثل لاعبين الكرة وغيرهم من الفنانين والرؤساء ونشعر بالاثارة ، ولكن عندما نسمع بهذا الاسم ، نشعر بنوع من احترام الذات واكتشاف الكينونة الانسانية في داخلنا.


