خبر : نتنياهو في خطابه الجديد ...بقلم: د. عبد المجيد سويلم

الخميس 30 أكتوبر 2014 02:40 م / بتوقيت القدس +2GMT



بالمراقبة المجرّدة يبدو ان نتنياهو وكأنه لا يقدم شيئاً جديداً في خطابه الجديد في افتتاح الكنيست في دورته الجديدة. ويمكن القول أيضاً ان شروط نتنياهو ما زالت على ما هي عليه، وأن دفعة بالتناقضات على مستوى العلاقة مع الولايات المتحدة الى السقف الأعلى هو بمثابة "تقليد" داوم نتنياهو عليه في المنعطفات الانتخابية الأميركية.
يمكن أن يبدو كل ذلك فعلاً ولكن بالمراقبة المجرّدة فقط، أما عندما يتعلق الأمر بالمراقبة العينية الملموسة فإن خطاب نتنياهو ينطوي على مؤشرات مهمة:
المؤشر الأول: هو غياب اي بديل سياسي او اجتماعي عن الواجهة الإسرائيلية.
فعلى الرغم من ان نتنياهو هو "سيد الفشل" الإسرائيلي على كافة المستويات، وعلى الرغم من الإخفاق الكبير في الحرب على غزة بما يشبه الإجماع الإسرائيلي على هذا الإخفاق الا ان نتنياهو ما زال الرجل الأقوى فيها.
الأقوى لغياب البديل، والأقوى لأن معركة إسقاطه لم تبدأ بعد بالنسبة لمن هم (نظرياً) على يمين نتنياهو.
اليمين المتطرف ما زال يراهن على انه (اي اليمين المتطرف) قادراً على وضع نتنياهو في الزاوية الحرجة سياسياً، ان كان لجهة رفع سقف الشروط الإسرائيلية للتسوية وتحويلها الى شروط مستحيلة، او لجهة التلويح بفرط التحالف معه إن هو لم ينفذ كامل مشروع اليمين المتطرف ميدانياً والذي يترجم بالاستيطان والمصادرة والخنق الاقتصادي.
اما نتنياهو نفسه فإنه ومع معرفته الكاملة بتهاوي شعبيته التي يجريها هو بنفسه، وتصله تقارير تفصيلية عنها يوميا يعرف بالمقابل ان غياب البديل السياسي، والبديل الاجتماعي ايضاً يعطيه هوامش واسعة للمناورة في المنطقة الفاصلة ما بين المواقف الدولية من جهة ومواقف اليمين المتطرف من جهة أخرى.
المؤشر الثاني: هو أن المجتمع الإسرائيلي لا ينزاح الى مزيد من التطرف فقط (فهذه مسألة واضحة تمام الوضوح) وإنما تتعزز يوما بعد يوم مظاهر التراجع عن الديمقراطية في هذا المجتمع.
لا تتجلى هذه المظاهر فقط في ازدياد سطوة المستوطنين في الحياة السياسية في إسرائيل، وتحول هذه السطوة الى سياسة رسمية ومعتمدة في إسرائيل، وانما تتجلى كذلك في إقرار أكثر من خمسة وعشرين قانونا عنصرياً في واقع الامر وموجها أساساً ضد الجماهير العربية في إسرائيل، إضافة الى وجود اكثر من أربعين قانوناً جديداً موجهاً الى الداخل الإسرائيلي اليهودي ايضا.
مظاهر التراجع عن الديمقراطية في اسرائيل أصبحت تقترن بظواهر جديدة للغاية من زاوية التعامل الرسمي معها وليس من زاوية حدوثها.
ممارسات المستوطنين لم تعد ممارسات خارج القانون او خارج المألوف السياسي في إسرائيل، وأصبحت اعتداءاتهم اليومية المتكررة عادة سياسية مسكوتاً عنها ومؤيدة من أوساط متزايدة فيها.
ووصلت الأمور - كما ذكر لي نظير مجلي - الى اتهام رئيس الدولة الإسرائيلية - وهو يميني يعادي بصورة سافرة قيام دولة فلسطينية - بالخيانة بسبب تجرّئه على انتقاد ازدياد مظاهر التراجع من الديمقراطية في إسرائيل.
اسرائيل تشهد تحولات عميقة على مستوى الانزياح نحو اليمين المتطرف ولكن وبالمقابل فإن المجتمع الإسرائيلي الذي يتصف بديناميكية عالية على الحراك الداخلي يمكن في اية لحظة ان ينتقل الى تحولات جديدة نحو مسار جديد عندما تتوفر الظروف المناسبة.
كان المجتمع الإسرائيلي على الدوام يمتلك آليات دفاع معينة عن المسار الديمقراطي في إسرائيل، ولكن غياب البديل السياسي عن هذا التحالف اليميني المتطرف في هذه المرحلة يعطي لنتنياهو فرصا سانحة للتمادي في الغيّ السياسي والغطرسة التي يتحدث بها بما يتعلق بالتسوية السياسية وبما يتعلق بعلاقة إسرائيل مع الولايات المتحدة ومع أوروبا الغربية ومع مجمل المجتمع الدولي ايضاً.
المؤشر الثالث: ما زالت مراهنة نتنياهو عالية وعالية للغاية على الدمار الذي يشهده الإقليم العربي وعلى تردّي الحالة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وهو ما زال يراهن على أن الولايات المتحدة وحتى أوروبا لن يتمكنا في القريب العاجل من ايجاد وسائل ضغط إقليمية عليه، وهو الأمر الذي يشجعه على ما أشرنا إليه من تماد ومن غطرسة.
المؤشر الرابع: وهو مؤشر معاكس. لقد فشل نتنياهو في كل شيء تقريبا ولكنه من وجهة نظر الغالبية الساحقة في إسرائيل لم يفشل على الصعيد الأمني.
فقد تمكن من حشد أكثر من ١١ مليار شيكل لمصلحة الجيش ولزيادة موازنة الدفاع على حساب الرفاه الاجتماعي وعلى حساب الكثير من متطلبات التصدي لمشكلات اقتصادية واجتماعية أصبحت تطل برأسها في الواقع الإسرائيلي.
يعيش المجتمع الإسرائيلي حالة من الهوس الأمني، ولهذا فإن نتنياهو يراهن على هذا الهوس لاستمرار ابتزاز الإسرائيليين على هذا الصعيد.
لكن ولأن حبل الكذب قصير كما يقال في الأمثال الشعبية لدينا، فإن ثمة من يتحدث في إسرائيل عن تحالف رأس المال مع الجيش في ظاهرة هي من حيث الجوهر للمتاجرة بأرواح الإسرائيليين لضمان دوام مصالح هذا التحالف.
هناك في اسرائيل من اصبح يتحدث جهاراً - والكلام هنا ايضا لنظير مجلي - عن ان هذا التحالف بحاجة دائمة الى الحروب، وان هدف هذه الحروب هو الأرباح وبيع السلاح المجرّب، وان نتنياهو واليمين في اسرائيل يقفون مع هذا التحالف ومع سياسته.
هذه قضية جديدة وكبيرة وقد تتفكك هذه المعادلة - اي معادلة الهوس والهواجس الأمنية - وقد تتحول الديناميكية الإسرائيلية على الصعيد المجتمعي إلى وبال على دعاية اليمين وبرامجه وممارساته وأساليبه.
المهم ان نتنياهو ما زال قادراً على المناورة، وما زال يمارس الغطرسة، واغلب الظن ان الفساد على هذا الصعيد قد بلغ في اسرائيل حدود المتاجرة بالدم الإسرائيلي ووصلت اساليب "ابعاد" الخصوم السياسيين الى تخوم المافيات السياسية وان غداً لناظره قريب.