رئيس وزراء دولة الاحتلال بنيامين نتنياهو يحذر باستخدام القبضة الحديدية لوقف الهبة الجماهيرية في القدس، ووزراء حكومته من اليمين المتطرف يطالبون بمزيد من الاعتداءات على الفلسطينيين في القدس المحتلة، وممثلو القضاء في آخر دولة احتلال في العالم يبحثون عن مخارج قانونية وتشريعات جديدة غير مسبوقة عالمياً لمعاقبة ذوي الأطفال والفتية الذين تقل أعمارهم عن 14 عاماً، ومن بين هذه العقوبات فرض غرامات مالية عليهم قد تصل إلى آلاف الشواكل، ومن بين العقوبات المقترحة فرض السجن الفعلي على راشقي الحجارة لمدد تصل إلى 20 عاماً.
إذن هو التخبط الإسرائيلي وربما الصدمة التي جاءت لكي وعيهم بأن هذه المدينة لم تكن يوماً من الأيام موحدة تحت الاحتلال، وأن نيران الشعب الفلسطيني متقدة دائماً وإن بان الرماد كثيراً.
يحذر المحللون والكتاب الإسرائيليون قيادتهم من الغوص كثيراً في وحل القدس، ويعتبرون أن تهميش المقدسيين ومصادرة حقوقهم وممارسة شتى الضغوط عليهم هي السبب الرئيس في اشتعال الهبة واستمرار المواجهات.
لكن تجاهل السبب الرئيس الذي يحاول الإسرائيليون إخفاءه - وهو الاحتلال وإفرازاته - لن يقلل من قدرة الفلسطينيين على المواجهة.
جاءت هذه الإفرازات منذ اليوم الأول للاحتلال في العام 1967 بأشكال مختلفة ابتداء من فرض القانون العسكري ثم تدمير أحياء مقدسية وعلى رأسها حي المغاربة، والتهجير القسري لمئات العائلات من القدس القديمة، وفرض إجراءات اقتصادية ومالية غير معقولة على قاعدة ممارسة مزيد من الضغوط حتى إفراغ المدينة المقدسة من أهلها.
تراكمت اعتداءات الاحتلال وشملت مناحي الحياة المقدسية كلها، وأقساها انتشار السرطان الاستيطاني في معظم الأحياء المقدسية وخاصة الجنوبية والشرقية، وأصبح همّ الاحتلال تهويد مناطق بأكملها خاصة في منطقة سلوان بشتى الوسائل والطرق بما فيها تزوير وثائق والاستعانة بسماسرة وعملاء... علاوة على قاعدة قوانين يتم إحياؤها وهي ميتة منذ عقود طويلة بحجة أنها أملاك يهودية.
كما طالت الإجراءات التعسفية قطاع التعليم الفلسطيني، فبدأت سلطات الاحتلال مسلسل تهويد للمناهج والثقافة ومارست مزيداً من الضغوط الاقتصادية ومن بينها سياسة هدم المنازل ومنع التراخيص؛ ما خلف أزمة سكنية خانقة، بحيث إنه في البلدة القديمة هناك غرف تحت الأرض تضطر عشرات العائلات للإقامة فيها.
ووصلت عجرفة الاحتلال وامتهانه الكرامة الإنسانية إلى حد إجبار أصحاب المنازل المشيدة دون ترخيص على هدمها بأيديهم.
وعليه، فقد تحمل المقدسيون خلال عقود الاحتلال الكثير مما لا يستطيع البشر تحمله، ولكن عندما وصلت هذه الاعتداءات إلى المقابر ثم إلى المقدسات وخاصة المسجد الأقصى لم يجد المواطن المقدسي كبيراً أو صغيراً خياراً آخر سوى المواجهة على قاعدة "لا يوجد ما نخاف عليه".
لا شك في أن الجيل الجديد الذي لا يتجاوز العشرين من العمر وصل إلى حد الانفجار، ولعل مئات المعتقلين الذين زجت بهم سلطات الاحتلال في سجونها سيكونون قاعدة للمستقبل الذي لن يشهد هدوءاً حتى التخلص من الاحتلال.
ولمن لا يذكر، فإن الانتفاضة الأولى زادت توهجاً وقوةً من خلال عشرات آلاف المعتقلين الذين دخلوا السجن أفراداً عاديين وخرجوا منها وهم قادة لديهم أفكار ومعتقدات راسخة بأن التحرير له ثمن والحرية لها ثمن، والمقدسيون اليوم يعرفون هذا الثمن، ولكنهم يؤكدون من خلال هبتهم أن المدينة هي جزء لا يتجزأ من الأراضي الفلسطينية المحتلة، وأن عمليات التجميل التي حاول الاحتلال تسويقها لم تؤد إلا إلى مزيد من التمسك بالحق والمواجهة، إذن هي إرادة شعب لن توقفها كل الاعتداءات والتصريحات الهوجاء والعنصرية الحاقدة.


