إعادة إعمار قطاع غزة وفك الحصار عنه، وقف التطهير العرقي والتهويد في مدينة القدس والمناطق المسماة (سي )، وقف الاستيطان، وضع مشكلة الاحتلال العسكري المزمن على الاجندة الدولية والاقليمية، وضع حد للاستهتار الاسرائيلي بالشعب الفلسطيني وبالحركة السياية وبالاهداف الوطنية، رفض التدخلات الخارجية والضغوط التي تصب في مصلحة دولة الاحتلال، استعادة العامل العربي كسند اساسي للنضال الفلسطيني، إنهاء الاحتكار الامريكي للعملية السياسية، تأمين الحماية للشعب والارض والمدن والتراث الديني والثقافي والحضاري من الاستباحة الاسرائيلية مهمات كبيرة من الوزن الثقيل تحتاج الى إعادة ترتيب البيت الداخلي الفلسطيني، وتتطلب استنفار وتنظيم كل الجهود الفلسطينية في كل مكان اولا وقبل كل شيء. انها معركة تقرير المصير الفلسطيني كحق مشروع كان وما يزال عنوان التحرر الوطني النقيض لمحاولات فرض حل "الابارتهايد" الفصل العنصري وتصفية القضية الوطنية الفلسطينية من قبل دولة الاحتلال.
كل المهمات الكبيرة والصغيرة تبدأ من تماسك العامل الفلسطيني، ومن استعادة المصداقية والثقة داخليا وخارجيا، ومن الارادة الصلبة القادرة على تجاوز التهميش الذي يحدث الان. التماسك والمصداقية ليست كلمة عابرة بل سلوك وثقافة وممارسة ونقد. إن ذلك يستدعي في المقام الاول إعادة بناء العقد الوطني الاجتماعي لكل مكونات الشعب الفلسطيني، يتضمن الشق الوطني برنامجا يلبي الاهداف الوطنية المشروعة القابلة للتحقيق كإقامة دولة مستقلة في حدود الرابع من حزيران عام 67، وحل قضية اللاجئين ( حق العودة)، والمساواة. اهداف مترابطة غير متعارضة مع بعضها ولا يكون هدف الدولة بديلا لحق العودة والمساواة مثلا او العكس. إن تحقيق هذه الاهداف مرة واحدة او بالتتابع لا يغير من ترابطها وشمولها للكل الفلسطيني. فالدولة ستكون مدافعة عن حقوق كل الفلسطينيين اينما وجدوا. وحل قضية اللاجئين مهمة مركزية لكل الشعب. يتحول البرنامج السياسي الى عقد وطني إذا ما حاز على تأييد وتبني اكثرية الشعب الفلسطيني وحركته السياسية داخل وخارج الوطن. وتبقى البرامج الاخرى دولة علمانية على حدود فلسطين التاريخية، ودولة ثنائية القومية، ودولة اسلامية، ودولة اشتراكية، تبقى برامج خاصة لها حق الوجود والعمل في إطار التعدد السياسي والثقافي المشروع.
ويتضمن الشق الاجتماعي من العِقْد: التعدد الديني والثقافي الحر وبحقوق متساوية في إطار من القانون المنسجم مع منظومة القوانين والاتفاقات والمعاهدات الدولية التي وقعت وستوقع عليها فلسطين كعضو مراقب في الامم المتحدة. وقواعد النظام الفلسطيني المستمد من الشرعيات الدولية والعربية والدولية. وقواعد الديمقراطية الانتخاب الحر والديمقراطي الدوري للممثلين، التبادل السلمي للقيادة والسلطة، المساواة في الحقوق والواجبات بين الذكور والاناث، والاحترام المتبادل بين الاكثرية والاقلية، وحق الاخيرة في التعبير والمشاركة. ان اعتماد مثل تلك القواعد يضمن بناء مؤسسات مدنية قابلة للتطور توضع في خدمة المجتمع ككل، ولا تنتهي بتراجع اتجاه مركزي وصعود آخر. ولا تحتكر لمصلحة حزب أو فصيل أو مركز قوى. ولا يتم فرض ثقافة انطلاقا من لحظة صعود او توفر اكثرية، ولا يتم الانتقال من دولة مدنية الى دولة دينية بمجرد الحصول على اكثرية، ولا يتم التلاعب بالعلم الوطني وبعدم الاعتراف بالنشيد الوطني بمعزل عن إقرار ثلثي المجلس الوطني، ولا يتم التحكم بالاموال العامة من قبل اي تنظيم في موقع. عندما يتم اعتماد هذه القواعد، يصبح الصعود مسؤولية والهبوط استراحة المحارب، ولا يكون قدر الشعب حزب حاكم الى ما لا نهاية، او الانتقال من حزب حاكم الى حزب حاكم آخر، ومن نظام بطريركي الى آخر. ولا تقتصر الديمقراطية على نتائج صناديق الاقتراع،الديمقراطية اسلوب حياة ومساءلة ومحاسبة ومسؤولية وشفافية بقوة القانون. الديمقراطية ثقافة تحترم العقل والتكافؤ في الفرص وغلبة اصحاب الخبرات والمؤهلات على الزبائن المدعومين بالواسطة والمحسوبية.
مثل هذا العقد الذي يستند الى منظومة من المعايير والقوانين والقيم. سيشكل مرجعية وناظما للعمل والمبادرات ولحل الخلافات، وسننتهي من حالة فوضى المعايير التي ساهمت في تفكك الحركة السياسية والمجتمع. العقد لا يحتاج الى حوار مفتوح في إطار التنظيمات السياسية ولا هو صفقة مؤقتة بين تنظيمين، بل هو استخلاص لتجارب النضال ولنماذج من الديمقراطيات، والتزاما بمنظومة القوانين التي تمخضت عن الحضارة الانسانية وشاركت فيها سائر الشعوب. نحن نحتاج الى المستوى الثقافي والاكاديمي لصوغ المسودة وبحاجة الى حوار من اجل تطويرها واعتمادها كمرجعية ملزمة في حالة قبول الاكثرية بها.
العقد الوطني يعني وجود برنامج مشترك يمثل الحد الادنى الوطني بالنسبة لبعض القوى، والحد الاقصى الوطني بالنسبة لقوى اخرى ،لكنه يبقى البرنامج الموحد والمشترك ما لم يحظ برنامج آخر بدعم الاكثرية. ولا يمكن إغفال اهمية تحديد الشكل الرئيسي للنضال في كل مرحلة وفي هذه المرحلة الحرجة على نحو خاص. وتحديد اشكال النضال هي جزء لا يتجزأ من اي برنامج وطني وهي قابلة للتغيير والتبديل ضمن شروط معينة وفي حدود القانون الدولي. ثمة فرق جوهري بين وضع مهمة انهاء الانقسام وصيانة الوحدة الوطنية انطلاقا من عقد وطني. وبين وضع تلك المهمة استنادا لحاجة طارئة وتكتيكية ومنفصلة عن الهدف المركزي. وثمة فرق بين خلط الاوراق وتوزيع الاتهامات والمسؤوليات في غياب القواعد والمعايير (العقد) وبين تحديد القوى المسؤولة عن الاستمرار في حالة الانقسام، وتحديد القوى التي ترفض الشراكة والتعدد وتغلب المصالح الفئوية على المصلحة الوطنية العليا، وتحديد القوى التي تستجيب.
لن تنجح الحركة السياسية في انهاء الانقسام بين الداخل والخارج وبين الضفة والقطاع بالطريقة المتبعة وباتفاقاتها الفضفاضة التي لا تنطلق من اسس وقواعد ولا تشرك القاعدة الشعبية والسياسية في الحلول. وكانت اداة الوحدة ممثلة "بحكومة الوفاق" غير قادرة على النهوض بالمهمة. ويبدو ان حكومة من خارج الحركة السياسية في مرحلة تحرر وطني وفي شروط الاحتلال لن تكون قادرة على ترجمة الاقوال الى افعال. في كل الاحوال كان اداء الحكومة اثناء العدوان وما بعد العدوان اقل بكثير من المطلوب ومن المتوقع .وبفعل هذه العوامل، بدأت بوادر الاخفاق والاحباط تظهر في المشهد السياسي والاعلامي وتنعكس سلبا على مجمل الوضع. اختم بالقول نحن بحاجة الى عقد وطني واجتماعي ملزم، والى حكومة تمثل الحركة السياسية كي تضطلع بدورها وتتحمل مسؤولية النجاح والاخفاق، والى فتح ابواب الاصلاح والتجديد في بنية المؤسسة الفلسطينية.
Mohanned_t@yahoo.com


