غزة اطلس للدراساتانتهى مؤتمر إعادة إعمار غزة باستعداد المانحين لدفع 4.8 مليار دولار، قال الحمد الله ان نصفها فقط لإعمار القطاع، وفد بدأ المؤتمر للمراقبين من حيث التحضير والحضور والكلمات والمشاريع وكأنه قد سلق على عجل، فغاب عنه من توجب حضوره، وظهرت بصمات من خجلوا من حضوره علناً، وخيل لمن يستمع لكلمات الخطباء وتصريحات المسؤولين ان الحديث يدور عن إعمار لمنطقة منكوبة ضربتها يد القدر، فغابت إسرائيل عن تحمل المسؤولية، وتسلل واقع حصارها الى الاجراءات والآليات والتفاصيل، حتى بات يثير الكثير من مخاوف القلق لدى سكان القطاع عن جدية عملية إعادة الإعمار.
كان الحصار الاسرائيلي للقطاع أهم أسباب الحرب، وكان رفعه الكلي أحد أهم أهداف فصائل المقاومة في رفض مبادرات وقف إطلاق النار؛ الأمر الذي أدى الى إطالة زمن الحرب وزيادة حجم الدمار على أمل ان تنتهي الحرب برفع الحصار، وقد انتهت الحرب وعقدت المفاوضات غير المباشرة ولم يرفع الحصار، وبدلاً من ذلك تم التوصل باتفاق ثلاثي (السلطة وإسرائيل والأمم المتحدة) إلى آليات لتقنين الحصار وتفعيل أنظمة رقابة تضمن بقاء الحصار من جهة وموافقة اسرائيلية على إدخال مواد الإعمار، ويقول الخبراء عن مدى ملاءمة الآليات المتفق عليها لإدخال مواد الإعمار، إن التسهيلات مهما بلغت من الإيجابية فإن إدخال المواد سيستغرق سنوات طويلة جداً.
ألم يفهم المؤتمرون في القاهرة لتمويل إعادة إعمار القطاع المحاصر أن الحصار الاسرائيلي قبل نقص المال هو العائق الأكبر لإعادة الإعمار وهو السبب الحقيقي لمعاناة سكان القطاع؟ أم انهم لن يبالوا إذا ما تكررت تجربة مؤتمر شرم الشيخ لإعادة الإعمار بنسخته 2009؟ الأمر الذي يثير الشكوك من أن الهدف الرئيسي للمؤتمر كان لتسكين الضمير الدولي الذي صمت وتواطأ على جرائم القتل والابادة، وحضروا لغسل أيديهم بدفع الدية لذوي الضحية بشرط جاهزين طبقاً للوائح الإسرائيلية.
وما يعزز هذه الشكوك ما تضمنته الرسائل الايحائية، والمباشرة أحياناً، للمؤتمرين الذين ربطوا الإعمار بتمكين عودة السلطة واستمرار التهدئة، دون أي تلميح لمسؤوليات إسرائيل وإدانة جرائمها والمطالبة بمحاسبتها أو العمل على إصدار قرار أممي يدين الحصار وينص على رفعه؛ الأمر الذي جعل عاموس جلعاد مدير عام وزارة الحرب الاسرائيلية يقول: "الأهم ليس ما يقال في القاهرة، بل ما تقرره تل أبيب على الأرض".
أما على مستوى تحضير السلطة وإعدادها للمؤتمر؛ فالأمر أشبه بعملية سلق وخطف سريعة، فإعداد الدراسات والمشاريع لإعادة إعمار هائلة بهذا القدر كان من المفترض، في حال كانت العملية جادة ومسؤولة، أن تستغرق وقتاً وتستهلك جهداً كبيراً؛ أولاً على المستوى الميداني، وثانياً على مستوى الخبراء، علاوة على عملية مشاركة واسعة من قبل منظمات ومؤسسات المجتمع المدني ذات الصلة، وفي مقدمتها البلديات، لكن واقع ما حدث يشير ان الفنيين العاملين على ماكنات الطبع والنسخ عملوا ساعات أطول مما عمل الخبراء والفنيين، وهؤلاء عملوا عن بعد، وحضرت الحكومة للقطاع لتمنح مشروعاتها مصداقية الميدان.
والحقيقة ان الملفت في مشاريع إعمار 2009 و2014 ان المشاريع المقدمة في كلا المؤتمرين لإعادة إعمار غزة طالبت تقريباً بنفس الرقم "المليارات الأربعة"، ليس فقط ان الخبراء لم يراعوا حجم الفرق في الدمار، حتى انهم لم يراعوا حجم الفرق في صرف الدولار، وكأن دمار غزة وإعادة اعمارها مجرد عنوان بلا تفاصيل مهمة، وهو كعنوان مهم لإعادة تدفق الأموال وللمشاحنات والمساومات، وفي هذا السياق المضموني جاء تصريح الحمد الله بعد يوم من انتهاء المؤتمر؛ حيث أكد ان نصف الأموال فقط مخصصة للقطاع، ونحن لا نقول ضفة أو قطاع، وليس لدينا حساسيات إقليمية، لكن أقوال الحمد الله جاءت خارج أي سياق وطني، وأرسلت رسائل غير مريحة، ومن العيب أن ندخل في سجال محاصصة التمويل بين ضفة وقطاع، رغم حرمان القطاع منذ سنوات من مشاريع التنمية والإعمار في ظل تدمير كل مقومات الحياة الطبيعية فيه.
انتهى مؤتمر الإعمار واستمر الحصار، وعلى ما يبدو سيستمر الانقسام الذي يهدد بصعوبات الاعمار وإطالة وقته، وسيحول الوكالة "الأونروا" إلى الجهة الأكثر ربحاً، والقادرة الوحيدة على تنفيذ المشاريع الكبرى؛ الأمر الذي سيشكل منافساً للسلطة، وينتقص من سيادتها، ونظن انه أمر مريح لحركة حماس.
إن مؤتمر القاهرة لإعادة الإعمار لم يحمل بشائر ولا إجابات ولا رسائل جدية بإعمار سريع، وترك علامات استفهام كبيرة، وحال المواطن يقول "نسمع طحناً ولا نرى دقيقاً"، كما لم ينصف الضحية على الأقل بإدانة عملية القتل، فقد أسقط عمداً المضمون السياسي رغم انشغاله بالسياسة، لكنها سياسة عبر المنظور الأمريكي الإسرائيلي.