خبر : السِّيرَة المُتَوارِيِة للحَرب على "داعِشْ"...بقلم: آصف قزموز

السبت 18 أكتوبر 2014 09:41 ص / بتوقيت القدس +2GMT



ثمة أخلاق ومبادئ متواريات أو سافرات، تتحكم في رقاب الساسة وأصحاب القرار أو الولاية والوصاية على كائنٍ من كانْ في أي زمانٍ أو مكانْ، "صحرى" كان أو بستانْ، بصرف النظر إن كان المقررون عرباً أتراكاً أم أميركانْ، أوباما، أوغلو أم أردوغانْ. ذلك لأن الفيصل المطلق في عصرنا عند تحديد التخوم والمسافات وفروق التوقيت وأولويات الصراع ما بين السياسات أو الساسة، سواء على الصعيد البَراَّني أو الجُواَّني، هي فِرية المصالح التي باتت محفوفة بالمخاطر والصراعات ونبتة الهالوك الداعشية الأصل والمنبت، وإن اختلفت اللغات والأرقام في غير بلدٍ من بلدان منطقتنا الملطوعة على صفيحٍ ساخن ومسمولةً بِمُقحارِ طابون امْزَبَّلْ.
لكنني بت أرى ومن خلال ما يجري بميادين الحرب على "داعش" والنظم المستدعية لها، هو أن أصحاب النفوذ وسادة هذه الحرب وأمراءها، يأخذون بمبدأ البراعة في القدرة على تحويل مشكلاتهم الى فرصٍ مواتية، والاستثمار بها على أكمل وجهٍ وأقصى ما يستطاع، وهي من أفضل نظريات التصدي والمواجهة التي تتبعها القوى ومراكز النفوذ الدولي تحديداً. لكن هذه السياسة لم تعد تقتصر على الكبار وحسب، وهو ما بات يتجلى ويتبدى للأعمى والبصير وِلِمقَمَّط بالسرير.
نعم يا سادتي من حق أميركا وغير أميركا أن تحول مشاكلها الى فرص مربحة وصحتين عالشاطر، وتركيا كذلك وإيران وغيرها تحذو ذات الحَذْو، ومين اللي قال الكم ما تعملوا زيهم.
فالحروب والنزاعات على مر التاريخ، لها أسبابها ومسببوها، لها مشعلوها ومطفئوها، لها أمراؤها وضحاياها ومستثمروها، لها وقودها ومخلفاتها ومقعدوها، ولكن كل طرف من مكوناتها يضع أهدافه ورؤاه وتطلعاته واستهدافاته، سواء في مرحلة الذهاب بإشعالها أم في مرحلة الإياب بإخمادها، إلاَّ أن الشاطر هو الذي ينجح في تحويل مشكلته إلى فرصة.
ولا عجب أن نقول اليوم إن الحروب أصبحت تجارة سوداء ولها سوق سوداء، لها ضحاياها وكلفها المدفوعة من جيوب الناس ودمائهم لكنها مربحة وتدر المليارات على صناعها ومفتعليها أحياناً كثيرة، مستذكرين مقولة، مصائب قومٍ عند قومٍ فوائدُ، وحتى الغزوات والفتوحات الإسلامية، كان لها حساباتها وخسائرها وأرباحها وأهدافها الربحية والنفعية مع الأخذ بعين الاحترام الهدف السامي الرئيسي المنضوي تحت عنوان الفتوحات ونشر الدين الإسلامي آنذاك.
كثيرة هي الصناعات التي بنيت على هدي الحروب والنزاعات واحتياجات استمرارياتها، فأصبحت أجزاء أساسية من مكونات نظم اقتصادية بأكملها، لا بل ويتوقف عليها نمو وصمود أو انهيار تلك الافتصاديات، فالصناعات القائمة على أساس احتياجات الحروب ستنتهي حتماً بنهايتها، لا لشيء وإنما لأن الأشياء تزول بزوال مسببات وجودها.
من هنا يمكن القول إن اختلافات التحالف الدولي ضد "داعش" في سورية والعراق مثلاً، له أسبابه ومسبباته وحساباته، القريبة منها والبعيدة الضيقة والواسعة عالبَراَّ والجُواَّ.
بعض المراكز المتخصصة والتقارير البحثية، أشارت لبعض الأرقام والمعلومات حول اقتصاد الحروب والجهات المستفيدة من اشتعالها واستمراريتها في منطقتنا، فهناك المستفيدون تارةً من تمويل وتزويد المتحاربين بالسلاح وبيع تكنولوجيا الإغاثة وإعادة إعمار ما تدمره الحروب، وتارة من بيع الأنظمة الدفاعية والتكنولوجيا الأمنية والعسكرية، لا سيما مع تزايد وانتشار رقعة العنف والإرهاب في العالم. ولعل ما يؤشر لهذه الحقيقة، ظهور المنظمات الإرهابية المتطرفة في بلداننا مثل تنظيم القاعدة وداعش الذي بات يتصدر قائمة صناع الموت والدمار بامتياز، واكتسب صفة العالمية بانتشاره كالنار في الهشيم على أرض الشام والعراق بوجه خاص.
فمع ظهور تنظيم داعش، حدث ارتفاع مستقر وملحوظ في أسعار أسهم بعض الشركات الأميركية والبريطانية، مثل: لوكهيد مارتن، وجنرال دايناميك، والبريطانية العملاقة بي إيه إي سيستيم.
وفي الوقت الذي بلغت فيه كلفة إعادة إعمار البنى التحتية للعراق في أعقاب حرب العام 2003 حوالي 220.21 مليار دولار، كانت الولايات المتحدة قد صرفت 60 مليار دولار لصالح الخدمات الأساسية والأمن والبنى التحتية والتعليم والإدارة، منها 7 مليارات دولار لصالح ترميم وإعادة تشغيل البنى التحتية للنفط العراقي بعقد لصالح شركة "كيلوغ براون أند روت" وحدها.
صحيح أن الحرب على العراق في العام 2003 قد أدت الى ارتفاع سعر برميل النفط من 25 دولارا الى 140 دولارا في العام 2008، بينما لم تؤد النزاعات الحالية والحرب ضد "داعش" الى ارتفاع أسعار النفط، لا بل على العكس أدت الى الانخفاض والتراجع. ولعل من بين أسباب ذلك هو قيام تنظيم داعش من خلال حالة الفوضى، بتشغيل العديد من مصافي النفط العراقية والسورية ليبيع البرميل الواحد بحوالي 25 دولاراً لتركيا أو في السوق السوداء وغير الرسمية عموماً. يعني لكل طرف من الأطراف أهدافه ومصالحه المتآلفة فيما يجري، لكن في ظل التعقيدات الجارية في حرب "داعش" هذه، تبقى الحسابات الخاصة والضيقة حجر عثرة ومشكلة كأداء أمام مشاركة بعض الدول ومنها تركيا المترددة حتى الآن في حسم أمرها.
ولعمري أنه لولا دمويتها وإجرامها، لقلنا إن "داعش" كعقيدة عسكرية قد أثبتت جدارتها لتفوق كل الجيوش العربية بكل المعايير وبأقل الكُلَف السياسية والمادية، آخذين بعين الاعتبار القوى والدول التي ساهمت في خلقها وتمويلها وتجنيدها، ولكن لأهداف وغايات لا تخدم مصالح شعوبنا بالمفهومين القومي والوطني وحتى الديني.
يقال إن كلفة قتل داعشي واحد بلغت 17 مليون دولار، ما يعني أنهم لو رصدوا مليون دولار لكل من يقتل فردا من الدواعش، لكان أكثر جدوى وأكرم عملاً وساهموا في تحسين المستوى المعيشي للفائزين والمجتمعات التي ينتمون إليها. وهنا لا بد من ذكر حقيقة ربما التبست أو توارت لزمن وتباين الناس في أمرها، وهي أن كل الذي يجري على الأرض، ما هو إلا فصول وأجزاء من مكونات الحرب العالمية الثالثة بامتياز، مع إيماننا العميق بالقول "وجعلنا لكل شيءٍ سببا".
كيف لا، والكل يعلم أن أحداث الحادي عشر من سبتمبر، كانت سبباً صارخاً في أحداث ما بعدها، وها هو العراق الذي جاء بالاحتلال الأميركي بناءً على طلبه للخلاص من الحكم السابق، يعاود اليوم لطلب عودة القوات الأميركية لتطهير العراق من الدواعش، وكل هذا ما زال يسير على سكة الفوضى الخلاقة ومآلاتها المنتظرة، وله كُلفه وأعراضه وتبعاته.
وعَودٌ على بدء، دعوني أقول، إنه بالرغم من الخلاف أو التخالف البادي في صورة المشهد الأميركي التركي بشأن الحرب على "داعش"، وحسابات تركيا حول تقديم أولويتها في إسقاط النظام السوري على أولوية محاربة "داعش"، وهو ما نشهده جلياً في موقف أنقرة ودباباتها المتفرجة على الحدود السورية وشمال كوباني، وكأنه التزام خالص بالحياد من جانب أنقرة لصالح "داعش"، إلاَّ أنه يجب ألا يغيب عن بالنا، احتمالات الدور المرتقب لتركيا في المنطقة المتناغم مع أحلامها في استعادة موقعها ودورها الاستعماري، الذي أفقدتها إياه الاتفاقيات الدولية أواسط القرن الماضي، ولكن هذه المرة من موقع اللاعب الرئيسي الشريك والحليف المتوج بعضوية حلف الناتو قيد الأَورَبَه.
أقول كل هذا ليس من باب التأليب والتحريض، بقدر ما هي دعوة واقعية لرؤية وقراءة الحقائق كما هي، لا كما نحلم ونتمنى، لكي نعرف قدر أنفسنا وموقعنا وموطئ أقدامنا، فنحدد بدقة أكثر أهدافنا الممكنة وفرص قبولنا مع حفظ مقامنا على الخارطة الجديدة وفي زحمة المصالح المحملة على إحداثياتها، بعيداً عن خسارة أو استعداء من لهم تأثير حاسم في مصالحنا، وعن الهوبرات والعنتريات الفارغة التي أثقلت كاهلنا سنين طوال ولم تزل. وبالآخر بنقول: اللي جابتو القَرعَه توخذوا إم الشَّعَر.

asefqazmouz@gmail.com