خبر : مَنْ يتقدّم على مَنْ ؟ بقلم: د. عبد المجيد سويلم

الخميس 16 أكتوبر 2014 08:55 ص / بتوقيت القدس +2GMT



أصادف كثيراً من الآراء التي تعبّر عن حالة "خطرة" من الإحباط واليأس والتي "باتت" على قناعة تامة من أن المشروع الفلسطيني (أقصد المشروع الوطني) يتبدد يوماً بعد يوم، إن كان لجهة "تكريس" الوقائع الإسرائيلية على الأرض في كل مكان من الضفة وخصوصاً في القدس أو لجهة مرارة الواقع العربي، وما وصلت إليه التطورات على هذا الصعيد من تدمير للبنى السياسية والاجتماعية والثقافية، إضافةً إلى مستويات مرعبة من التدمير الاقتصادي.
ولا تعوّل هذه الآراء وهي تعبّر عن حالة الإحباط واليأس هذه على ما يعرف بالمجتمع الدولي ولا تبني أية آمال تذكر على ما يعرف بالمعركة القانونية والدبلوماسية، وهي قبل كل ذلك لا تراهن على ما يعرف بالمقاومة الشعبية وتعتبرها شكلاً "عاجزاً" على ردع إسرائيل أو وقف مخططاتها. وفي أغلب الأحيان تتعلق "بقشة" العمل المسلح كحالة "فشة خلق" أكثر منها حالة واقعية قادرة في المديات المرئية على إحداث تغيرات فعلية في واقع الصراع القائم وتوازنه على الأرض.
وكتعبير مباشر عن حالة اليأس والإحباط بدأنا نتلمس "هجرة" بأشكال مختلفة نحو حل "الدولة الواحدة" أو الكثير من الاطروحات التي "تنظر" لعودة الاحتلال المباشر كوسيلة مباشرة لتحميل هذا الاحتلال المسؤولية المباشرة عن حياة الفلسطينيين في الأرض المحتلة، باعتبارها (أي الوسيلة) الطريقة الأجدى للتخلص من سلطةٍ ليس لها سلطة، ومن سلام لا يأتي أبداً، ومن عملية سياسية تحوّلت إلى هدف بحدّ ذاته، بعد أن تم على يد إسرائيل وعلى يد الولايات المتحدة إفراغها من أي مضمون يمكن أن يشكل حصيلةً وطنية للأهداف والحقوق الوطنية.
لا يملك أحد أن يلوم الناس على ما وصلوا إليه من استنتاجات، ولا يملك أحد إجابات شافية عن أسئلتهم وعن هواجسهم ومشاعرهم.
إن غياب اليقين السياسي، وتراجع فرص الآمال وكذلك انسداد الافق لا ينتظر ان يؤدي الا الى ذلك.
في المقابل أحيانا وبالتوازي أحيانا اخرى، يغيب الطرح المقنع الذي ينظّر بصورة منهاجية متماسكة للآفاق الإيجابية الفعالة الكامنة في كل المعارك التي أشرنا إليها على صعيد المقاومة الشعبية، وعلى صعيد المعركة القانونية والدبلوماسية، وعلى صعيد دور المجتمع الدولي والصيرورة التي باتت تتعاظم بصورة غير مسبوقة لدور وأهمية كل هذه المعارك في إعاقة تقدم المشروع الإسرائيلي وما سينطوي عليه من فتح آفاق جديدة لتقدم المشروع الفلسطيني.
واضح أن حالة الانقسام وتعثر المصالحة على مدى السنوات الطويلة الماضية وصعوبة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية كلها عوامل ساعدت على غياب أو تغييب الطرح المقنع لتقدم المشروع الوطني أو على الأقل إمكانيات تقدم هذا المشروع.
وواضح أيضاً أن ترهل الحركة الوطنية الفلسطينية وما وصلت إليه فصائل العمل الوطني من شيخوخة فكرية وتنظيمية، وما تعانيه من فقر مدقع على الصعد الثقافية ومن تراجع كبير في القدرة على التحشيد، قد ساهم بصورة مؤكدة في تغييب الفكر السياسي الفلسطيني الذي يبني الهياكل القادرة على حمل المشروع الوطني وتحمّل أعبائه والدفاع عنه.
لو أن فصائل العمل الوطني الفلسطيني أعادت النظر في أوضاعها وعملت فعلاً ومن خلال خطط وبرامج عملية لتجاوز واقعها وشرعت في الانخراط التام والكامل في مشروع الشراكة الوطنية القائمة على وحدة البرنامج والوسيلة والهدف، ولو أن هذه الفصائل أرست قواعد ثابتة وراسخة لخوض المعارك الوطنية على كل الصعد، بحيث تتحول كل حياة الفلسطينيين إلى مقاومة بكل ما هو متاح وكل ما هو شرعي وكل ما يساهم في عزل ومحاصرة الاحتلال.. لو أن الحركة الوطنية أصبحت هي التي تحمل وتتحمل المسؤولية المباشرة عن هذا المشروع، فإن المشروع الإسرائيلي سيعزل، ويتفكك مشروعها الاحتلالي بأسرع مما هو متصور. المشروع الإسرائيلي لا يملك احتياطات فعلية على التطور، أما المشروع الفلسطيني فهو مفتوح على احتياطات هائلة للتقدم.
المشكلة أو الأزمة أو المأزق هو مؤقت بانتظار أن تحدث حالة النهوض الوطني المطلوبة، وعندها فإن انهيار منظومة الاحتلال تصبح حتمية ومرئية، وسيتحول مشروع الاستقلال الوطني إلى واقع مؤكد.