ها هي إحدى أكبر مخاوف إسرائيل قد تحققت فعلاً، ما عبرت عنه الدولة العبرية من قلق حقيقي جراء إعلان السويد الاعتراف بالدولة الفلسطينية، إشارة واضحة إلى أن العناد الإسرائيلي والوقوف في وجه الإرادة الدولية واتخاذ سياسة الأمر الواقع كخطة لإفشال مساعي السلام وقيام الدولة الفلسطينية، هي سياسة فاشلة لم تؤد سوى الى زيادة الحصار الدولي، الشعبي ثم الرسمي على دولة العدوان العبرية.
على رمزية الاعتراف البريطاني إثر تصويت كاسح لمجلس العموم، فإن الأمر يتجاوز هذه الرمزية، كان التصويت فردياً وشخصياً بدون أي التزام من النائب بموقف حزبه، هناك حرية في التصويت وليس إلزاماً بمواقف الحزب، التصويت الكاسح يتعدى موقف أحزاب البرلمان البريطاني إلى الأعضاء، تشخيص دقيق لموقف الشعب البريطاني على اتساع وبلا رقابة وإلزام حزبي، من هنا تأتي آلية التصويت الذي جرى في مجلس العموم البريطاني، وإذا كان رئيس الحكومة يؤكد أن هذا التصويت إنما هو تصويت رمزي لا يلزم، إلاّ أن ذلك لا يعني أن الحكومة البريطانية ستدير ظهرها لهذا التصويت ونتائجه، بل سيشكل هذا التصويت حافزاً لدى أعضاء في حكومة الائتلاف البريطانية لكي تجعل من مسألة الاعتراف بدولة فلسطين على جدول أعمال الحكومة بشكل دائم، كما أن هذا التصويت سيشكل هادياً لمواقف الحكومة البريطانية إزاء التفاعلات على الملف الفلسطيني ـ الإسرائيلي، خاصة فيما يتعلق بالتسوية السياسية والاستيطان والقدس والتوجه إلى الأمم المتحدة، لا تستطيع الحكومة البريطانية بعد هذا التصويت "غير الملزم" أن لا تلتزم بنتائج هذا التصويت بشكل غير مباشر.
عضو مجلس العموم البريطاني غراهام موريس، صاحب المبادرة، أشار بوضوح إلى أن مسألة التصويت، رغم أن نتائجها غير ملزمة، إلاّ أنها الطريقة التي ينبغي أن تفرض نفسها على طريقة تفكير المشرع البريطاني والحكومة البريطانية، إذن نحن أمام منهج تفكير، يؤدي إلى تصحيح الظلم التاريخي، أو الاقتراب من هذا التصحيح من خلال طريقة تفكير غير تقليدية اتسمت بالتزمت الفكري والسياسي والوقوف الآلي المتكرر إلى جانب إسرائيل والالتحاق بتبعية بغيضة بالموقف الأميركي، الأمر الذي اعتبره عدد من النواب البريطانيين، قبل التصويت، يضع الكثير من الغبار على استقلالية الموقف البريطاني وسياسة دولة الانتداب صاحبة وعد بلفور الذي سجل باكورة الظلم التاريخي لشعب وأرض فلسطين.
نتيجة التصويت في مجلس العموم البريطاني، جاءت لترد على بعض الأصوات القليلة، التي قالت إن الوقت غير مناسب لمثل هذا الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وان مثل هذا الاعتراف سيقوض عملية السلام، وهو موقف إسرائيل بالضبط، على العكس، فإن هذا التصويت يشير إلى أن بريطانيا تأخرت كثيراً في إزالة بعض من الظلم الذي مارسته ضد الشعب الفلسطيني، وكما اشار موريس، صاحب المبادرة، فإن التصويت ما هو إلاّ صرخة مدوية في سبيل لفت الانتباه إلى الملف الفلسطيني ـ الإسرائيلي والتعامل معه بجدية واستقلالية.
والواقع أن فرنسا سبقت بريطانيا في الإيحاء بضرورة الاعتراف بدولة فلسطين، غير أن آليات التصويت في مجلس العموم، تمكن الحكومة البريطانية بعدم الالتزام بمثل هذا التصويت، بخلاف فرنسا، إذ سبق أن أكدت باريس بأن هناك ضرورة ملحة لتحقيق تقدم في حل الدولتين، ويتعين "في وقت ما" الاعتراف بالدولة الفلسطينية، كان هذا التصريح الصادر عن الخارجية الفرنسية، تعقيباً على إعلان السويد نواياها بالاعتراف بالدولة الفلسطينية، الناطق بلسان الخارجية الفرنسية رومان نادال، أضاف أن هذا الأمر "يعبر عن الموقف الدولي" أي أن هناك اجماعاً دولياً بات متحققاً وملتزماً بالاعتراف بالدولة الفلسطينية، والأمر يتعلق بمسألة الزمن والتوقيت، وجاء التصويت في البرلمان البريطاني ليحدد هذا الزمن والتوقيت.. الآن وليس غداً!!
وحسب الأمم المتحدة، فإن هناك 112 دولة تعترف رسمياً بدولة فلسطين، بينما تقول السلطة الفلسطينية إن عدد هذه الدول هو 134 دولة بينها سبع دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي، بعضها كان معترفاً بدولة فلسطين منذ عهد الحرب الباردة، وقبل انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي.
ونعتقد أن هناك أكثر من دافع وراء هذا التحرك الدولي باتجاه الاعتراف بدولة فلسطين، منها قسوة الحرب الهمجية التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة للمرة الثالثة خلال خمس سنوات، ومنها استمرار إسرائيل في إدارة الظهر لإدانة المجتمع الدولي لسياستها الاستيطانية في الأرض المحتلة، ومنها فشل الجهد الأميركي في الضغط على إسرائيل للالتزام باستحقاقات العملية التفاوضية، وقد يكون منها التحرك الفلسطيني السياسي والدبلوماسي!!
Hanihabib272@hotmail.com
هاني حبيب


