يوم الاحد الثاني عشر من اكتوبر 2014 سيعيدنا إلى الثاني من مارس 2009 عندما اجتمع العديد من دول العالم ووعدوا بدعم السلطة الفلسطينية بمبلغ 4.7 مليار دولار لاعادة اعمار غزة بعد حرب الرصاص المسكوب التي شنتها اسرائيل ضد القطاع بالرغم من ان مطالبة السلطة كانت 1.3 مليار دولار , وفي ذلك المؤتمر وعدت المملكة العربية السعودية بالتبرع بمليار دولار لاعادة الاعمار , الا انها في المؤتمر الثاني غدا وعدت بالتبرع بنصف مليار دولار بالرغم من ان الدمار هذه المرة يعادل خمسة اضعاف الدمار في حرب 2009 وهذا لايبشر بخير . غالبية الوعود بعد حرب الرصاص المسكوب لم يتم تفيذها والقليل من الدول العربية والغربية التزمت بدفع الاموال التي التزمت بها او بعضها , اما الدول الاخرى وخاصة الغربية منها لم تقم بالالتزام بدفع الاموال التي وعدت بالتبرع بها وقامت بدلا من ذلك بدعم بعض المؤسسات الدولية التي قامت باعادة بناء بعض المباني لمواطنين هدمت بيوتهم خلال تلك الحرب ,
ولكن مازال العديد من اصحاب المباني التي هدمتها الحرب مازالوا في انتظار اعادة بناء بيوتهم ومعهم اولئك الذين دمرت بيوتهم خلال الحروب والاجتياحات الاسرائيلية ضد قطاع غزة والتي بدأت شراسة بعد اختطاف الجندي الاسرائيلي " جلعاد شاليط" مرورا بحرب 2008/ 2009 وحرب 2012 ثم الحرب الاخيرة في يوليو /اغسطس 2014 والتي كانت نتيجتها تدمير عشرات الالاف من المنازل والمؤسسات والمساجد والمدارس والمصانع والمؤسسات التجارية ومشاريع المياه والصرف الصحي والطرق . بالعودة إلى المؤتمر الذي سيعقد غدا في شرم الشيخ , فان كافة الانباء والحقائق تشير إلى عدم التفاؤل بكرم الدول العربية والغربية , وربما كانت الدول العربية ستكون في مقدمة الدول التي ستعد بالتبرع لاعادة اعمار قطاع غزة , ولكنها ستبقى وعود إلى ان يتم البدء بالاعمار والذي – حسب رايي – تاخر كثيرا , حيث كان من الضروري ايجاد ماوى لاولئك الذين فقدوا بيوتهم واعزائهم خلال الحرب الاخيرة على القطاع .
لقد قامت العديد من المؤسسات الحكومية والدولية بعمليات حصر للخسائر التي خلفتها الحرب , والتي اختلفت في معاييرها في طريقة الحصر مما خلف لدى المواطن حيرة وشك في امكانية القرب في عملية اعادة الاعمار العملية الاغاثية لقد قامت بعض المؤسسات والوزارات الفلسطينية بالتعاقد لتصنيع كرافانات من الصفيح لاسكان من فقدوا بيوتهم التي تهدمت بفعل الحرب الاخيرة على قطاع غزة , ولعل هذا كان اسهل الحلول , الا انه يعتبر من اخطرها لما له من تاثيرات سلبية على المجتمع الفلسطيني وعلى القاطنين في مثل هذه الكرافانات التي لاتقي حر الشمس ولا برد الشتاء وتعيدنا الى سنوات النصف الاول من القرن السابق , بالاضافة الى ان نشر تلك الكرافانات يستهلك الكثير من الارض ولا يعطي خصوصية لمن يسكنه خاصة للحياة المعيشية التي يحياها شعبنا المحافظ . كان من المتوقع ان تبدأ حكومة التوافق في اقامة مباني عالية ( مكونة من 10 طوابق مثلا في كل طابق 4 شقق سكنية يتم تاجيرها لمن فقدت بيوتهم بمبلغ رمزي يعادل 10 دولارات في السنة مثلا الى حين ان يتم اعادة بناء بيوتهم مع التعهد بالاخلاء بعد اتمام بناء بيوتهم ) .
كل بناية عالية تحتوي على 40 شقة سكنية تشغل مساحة من الارض تساوي تلك التي تشغلها 4 كرافانات لاربعة عائلات !! ومن الممكن انجاز العشرات من هذه البنايات في وقت يتراوح بين 4-6 شهور عند البدء بادخال مواد البناء .
كما ان هناك امكانية لاستيراد المعدات وعناصر تلك المباني ( مباني جاهزة من الحديد مثلا ) ليتم اقامتها خلال فترات قصيرة جدا (وهنا انصح بضرورة تعويض اصحاب المنازل المهدمة لاختيار المقاولين لاعادة بناء بيوتهم بالطريقة القانونية والسليمة حسب مايرونه مناسبا لهم مع الاخذ بعين الاعتبار ان التعويض سيكون للمساحات التي هدمت اثناء الحرب والتي يتم صرفها ضمن آلية محددة حسب تقدم العمل ولضمان التنفيذ حسب شروط الرخصة الممنوحة وباشراف هندسي كامل ). بعد انتهاء مجموعة المواطنين القاطنين في هذه البنايات من بناء بيوتهم المدمرة يتم اعادة تاهيل تلك البنايات ليتم بعد ذلك طرحها للبيع للازواج الشابة ولمن ليس له بيت باسعار معقولة ومدعومة في ظل النقص في عدد الشقق والمسكن المطلوبة والذي كان يبلغ قبل الحرب الاخيرة على غزة بين 50000 – 60000 شقة سكنية ..وهنا من المطلوب تفعيل قانون الرهن العقاري في غزة حتى يستطيع اصحاب الدخل المحدود والموظفين بشراء مسكن خاص بهم بالتقسيط المريح , فلا يعقل ان يتم تنفيذ هذا القانون في الضفة الغربية وعدم تطبيقه في الجزء الآخر من الوطن .
الاونروا واعادة الاعمار
منذ يومين كان هناك تصريح لمسئولي الاونروا بانها على استعداد لبناء 14000 وحدة سكنية خلال عامين , واعتقد ان امكانيات الاونروا وعلاقاتها التي تسمح لها بادخال مواد البناء تساعد على ذلك ,وقدمت مثالا للمشروع السعودي الذي تم بناؤه على ارض فراغ تملكها الدولة , ولكن الاونروا لم تحدد في التصريح ان كانت هذه الوحدات السكنية سيتم بنائها ضمن مشروع موحد يوحد تلك الشقق على غرار المشروع السعودي ومكان انشائها , فهل يقبل صاحب البناء المهدم ان يتم اعادة بناء بيته ضمن مخطط يوحد تلك المباني او حتى يعيد بنائه كما كان في السابق !! الاونروا كغيرها من المؤسسات الدولية تر يد ان تكون لها الحصة الكبرى في عملية اعادة الاعمار , لاسيما وان هذه المؤسسات الدولية تتقاضى مبالغ تصل الى 20% من التكاليف كبدل ادارة وتصميم واشراف .
دور المؤسسات الوطنية والاهلية
ان هناك العديد من المؤسسات الوطنية والاهلية والمكاتب الاستشارية وشركات المقاولات التي عانت الكثير خلال الاعوام الماضية وهي تصر على ان يكون لها دور فعال في اعادة الاعمار ولاتقبل ان تقوم بدور هامشي في هذا العمل لاسيما وان لديها من الخبرات التي تمكنها من المساهمة بشكل كبير في اعادة بناء المباني الخاصة والعامة ومشاريع البنية التحتية ,وهناك العديد من المشاريع الكبيرة التي قامت بتحقيقها سواء بالاعتماد على الخبرات المحلية او بالائتلاف مع شركات عالمية , لاسيما وان هذه المؤسسات عانت الكثير خلال الاعوام الماضية , لذا فهي تتوقع من حكومة التوافق ان يتم تكليفها بالمساهمة باعادة الجزء الاكبر من اعادة الاعمار . مواد البناء والمعدات الثقيلة في اجتماع ضم رئيس الوزراء الفلسطيني والممثل الخاص للسكرتير العام للأمم المتحدة ومسئول الادارة المدنية في غزة والضفة الغربية , تم الاتفاق على ادخال مواد بناء ومعدات ثقيلة الى قطاع غزة ضمن ضوابط واشتراطات, وسوف يتم استقدام 500 مراقب دولي وتركيب كاميرات واقامة مخازن خاصة لهذا الغرض لضمان عدم تسرب مواد البناء – خاصة الاسمنت – الى جهات اخرى , و من المقرر ان يتم البدء بادخال الاسمنت ومواد البناء للقطاع الخاص هذا الاسبوع . الخطة الحكومية لاعادة الاعمار نامل ان يستطيع الوفد الفلسطيني للمؤتمر ان يقنع المانحين بالخطة الحكومية لاعادة الاعمار التي وضع لها سقف 4 مليارات دولار من بينها 2.4 مليار مخصصة لاعادة اعمار المباني , حتى يمكن البدء باعادة الاعمار في وقت قريب لاسيما وان هناك مئات الالاف من المشردين من ابناء قطاع غزة يعيشون في ظروف صعبة , وفي ظل غياب الكثير من متطلبات الحياة الاساسية من مسكن وكهرباء ومياه وصرف صحي اننا نعلم ان القضية الفلسطينية لم تعد القضية الاولى في العالم وان هناك قضايا اخرى تشغل العالم وخاصة في الغرب , حيث ابلغني احد المسئولين في الاتحاد الاوروبي بانه لايتوقع التبرع بالكثير من الاموال في مؤتمر شرم الشيخ غدا لاعادة الاعمار لاسيما وان الغرب والولايات المتحدة مشغولون بقضايا اوكرانيا وداعش والعراق وسوريا واليمن وليبيا . إن عملية إعادة الإعمار تحتاج إلى العديد من الأمور المطلوبة من كل الجهات والتي بدونها لا يمكن البدء بعملية إعادة الاعمار في كل المجالات(الإسكان، البنية التحتية، المباني الحكومية، والمؤسسات العامة ,الصناعة , الزراعة , البيئة , وغيرها من الاضرار التي اصابت كل شيء , ولكن كان هناك البعض من القادرين على اعادة اعمار ما خربته الحرب عندهم لعدم تمكنهم من الانتظار هذه المدة الطويلة ,كما جرى بالنسبة للقطاعين الصناعي والزراعي والقطاع الخاص,الذي مازال البعض منهم ينتظر صرف باقي التعويضات التي تم اقرارها بالفعل من قبل اللجان المختصة للحروب السابقة حتى الان ) , وهذه الأمور المطلوبة تتلخص – حسب رايي - فيما يلي:-
منح الصلاحيات اللازمة لحكومة الائتلاف الوطني التي تم تشكيلها في 2/6 /2014 وضرورة الاعتراف بها من قبل المجتمع الدولي واسرائيل ضمان الدعم الدولي لاعادة الاعمار من خلال مؤتمر المانحين المزمع اقامته في شرم الشيخ في الثاني عشر من اكتوبر .
ضرورة الحصول على ضمانات من اسرائيل بعدم التعرض لما يتم اعادة بنائه تشكيل هيئة فنية فلسطينية متخصصة مستقلة لاعادة اعمار غزة وبالتوافق مثلما تم ذلك عند تشكيل حكومة التوافق وضع القوانين والقرارات اللازمة لحماية الشركات الفلسطينية المحلية من الشركات الاخرى .
نجاح المفاوضات الغير مباشرة بين اسرائيل وحركة حماس والتوصل الى هدنة طويلة والتي ربما تؤدي الى اقامة ميناء بحري واعادة بناء مطار غزة والذي لم تشمله خطة الاعمار الحكومية. اعادة فتح المعابر بشكل كامل لضمان ادخال اكبر كمية من مواد البناء والمعدات الثقيلة اللازمة لاعادة الاعمار , وازالة القيود التي تفرضها اسرائيل في هذا المجال وخاصة فيما يتعلق بالمراقبين الدوليين .
هذا بالإضافة إلى أمور اخرى تتعلق بتنمية قطاع غزة و هي لا تقل أهمية عن الأمور السابقة ولكنها ليست شروط مسبقة لاعادة الاعمار مثل : اعادة الدراسة لاقامة منطقة صناعية ثلاثية حرة في رفح للاستفادة من الاعفاء الجمركي والتصدير للولايات المتحدة امكانية تحويل قطاع غزة الى منطقة تجارة حرة دولية متميزة ضرورة فتح ممر آمن بين الضفة الغربية وقطاع غزة وتسهيل عمليات الاستيراد والتصدير بين المنطقتين دراسة التوسع في عمليات توليد الكهرباء وتشجيع استخدام الطاقة الشمسية في المنازل والطرق والمباني العامة ضرورة دراسة امكانية تزويد قطاع غزة بالمياه الصالحة للشرب , اما باقامة محطة تحلية لمياه البحر بكلفة تصل الى 500 مليون $ او استيراد المياه تمويل اقامة محطات معالجة مياه الصرف الصحي في كل من غزة وخان يونس ورفح لاستخدام المياه المعالجة في الري وضخ المياه الزائدة في المخزون الجوفي لتعويض الاستهلاك ومنع استمرار تدفق مياه البحر للمخزون الجوفي .
وان غدا لناظره لقريب م. علي ابوشهلا غزة 11 اكتوبر 2014


