خبر : نتنياهو ودموع التماسيح داخل الأمم المتحدة ...بقلم: عطاالله مهاجراني

الإثنين 06 أكتوبر 2014 08:29 م / بتوقيت القدس +2GMT




في مسرحية «أنطونيو وكليوباترا»، تحديدا الفصل الثاني - المشهد السابع، يصور لنا شكسبير بقلمه حديثا مهما دار بين لبيدوس وأنطونيو حول تمساح! خلال الحديث، يشرح أنطونيو كيف أن دموع التماسيح خادعة، لا تعدو كونها قطرات من الماء.

وقد تذكرت هذا المشهد لدى رؤيتي حديث نتنياهو عن الأطفال الفلسطينيين الذي تظاهر خلاله بالألم لمقتل أطفال فلسطينيين في غزة، بينما حرص في الوقت ذاته على إعلان تقديره للقوة العسكرية الإسرائيلية باعتبارها أكثر جيوش العالم أخلاقية. وخلال كلمته، شدد نتنياهو مرارا على القيم الإنسانية والعدالة والسلام. وقد أثار كل هذا الحديث في ذهني صورة دموع التماسيح. لقد كان من الصعب للغاية على نتنياهو إخفاء يديه الملطختين بالدماء. لذا تبقى المفارقة الكبرى بين عين التمساح المغرورقة بالدموع ويديه الملوثتين بالدماء.

بعد 51 يوما من الحرب ضد غزة والفلسطينيين، وقتل أكثر من 500 طفل فلسطيني، لا بد أن نتنياهو واجه تحديات عدة في إلقائه هذا الخطاب أمام الأمم المتحدة. ورغم دموع التماسيح التي ملأت عينيه، ينبغي أن يبقى تركيزنا منصبا على يديه.

للوهلة الأولى، يبدو حديثه منظما للغاية. وكالعادة جاء حاملا عددا ضخما من الصفحات معه، بحيث تحمل كل صفحة عبارة واحدة من خطابه. ومن الواضح أن هذا التنظيم للصفحات تم على يديه أو من جانب مكتبه، وبدا مدركا تماما لأي الجمل بحاجة لتشديد نبرة صوته عند قراءتها وما إلى غير ذلك.

وجاءت كل عبارة بمثابة غصن نحيل في خطابه، لكن أين جذور وجذع الخطاب؟ بمعنى آخر، شكلت كل صفحة أو عبارة قطعة من الفسيفساء تخلق صورا تزخر بمختلف الألوان، وتجمع الصور ما بين جمل حادة وأخرى ناعمة لرسم صورة عامة لجهود حكومته وتبرير جرائمها ضد البشر في غزة.

في الواقع، إن قتل الأطفال الفلسطينيين يبقى عبئا هائلا على كاهل نتنياهو والجيش الإسرائيلي. لذا فإنهم يسعون بدأب لتبرير جريمتهم. قبل نتنياهو، حث الحاخام شامولاي بوتياك، الذي اشتهر بتأليفه كتاب «الجنس المباح»، إيلي ويزل على كتابة مقال ضد «حماس» لتبرير قتل الأطفال الفلسطينيين. وجاء جوهر هذا المقال مطابقا لما ورد بخطاب نتنياهو. علاوة على ذلك، فإن الصورة المستخدمة في إعلان إيلي ويزل في «نيويورك تايمز» و«واشنطن بوست» و«وول ستريت جورنال» مشابهة لتلك التي أظهرها نتنياهو خلال خطابه أمام الجمعية العمومية للأمم المتحدة. خلال الإعلان الذي أطلقه، ندد إيلي ويزل بـ«حماس» لاستغلالها الأطفال كدروع بشرية، وهو الادعاء الذي كرره نتنياهو.

بيد أن سحب الأكاذيب المعتمة ليس بمقدورها إخفاء شمس الحقيقة الساطعة خلفها للأبد. والآن، من بمقدوره إزالة قناع الكذب والغش؟ أولا وأخيرا، اليهود النبلاء والمبجلون الذين نشروا خطابا ردا على مزاعم إيلي ويزل.

حمل الخطاب توقيع 327 من الناجين من الهولوكوست وأبنائهم وجاء تحت رعاية «الشبكة اليهودية الدولية المناهضة للصهيونية»، واتهم ويزل بـ«سوء استغلال التاريخ» لتبرير الأفعال الإسرائيلية بحق قطاع غزة.

وقال الخطاب: «...نشعر بالغثيان والغضب الجم من سوء استغلال تاريخنا من جانب إيلي ويزل عبر هذه الصفحات لتبرير ما لا يمكن تبريره، ألا وهو مجمل الجهود الإسرائيلية لتدمير غزة وقتل أكثر من 2000 فلسطيني، بينهم عدة مئات من الأطفال. لا شيء يمكنه تبرير قصف ملاذات الأمم المتحدة والمنازل والمستشفيات والجامعات. ولا شيء يمكنه تبرير حرمان الناس من الكهرباء والمياه» (صحيفة «هآرتس»، 23 أغسطس/ آب 2014).

من ناحيته، لجأ نتنياهو للعبارة المعتادة القديمة والمهترئة بأن كل من ينتقد الحرب الإسرائيلية ضد غزة وقتل الأطفال (بما في ذلك مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة) يعاني من وباء معاداة السامية.

وقال: «لقد سمعنا بعض الزعماء الوطنيين يقارنون بين إسرائيل والنازية، وهذا ليس نتاجا للسياسات الإسرائيلية، وإنما للعقول المريضة. وهذا الوباء يعرف باسم: معاداة السامية».

في ثنايا هذه العبارة، كان نتنياهو يلمح إلى رئيسة الأرجنتين التي نددت بشجاعة بمذبحة غزة، انطلاقا من رؤيتها وشعورها بالمسؤولية تجاه حماية حقوق الإنسان.

ويعني ما سبق أن القناع قد أزيح من على وجه نتنياهو، ذلك أن أحدا لا يستطيع الزعم بأن جميع الـ327 الناجين من الهولوكوست ورئيسة الأرجنتين وليفي جيدين (الذي عقد مقابلة رائعة مع برنامج «هارد توك» بقناة «بي بي سي») يعانون جميعا من العداء للسامية!

وإنما يعني ذلك أن نتنياهو بحاجة لتغيير آرائه فيما يخص قضية فلسطين، فليس من العسير ترتيب مسألة نيل تصفيق وإشادة عدد من المشاركين بالجمعية العامة، خاصة أن إدارة نتنياهو سبق أن رتبت مثل هذا الأمر مرارا من قبل، لكن تبقى الحقيقة أمرا آخر تماما.

يزعم نتنياهو أن جميع الأطفال الفلسطينيين الـ500 الذين قتلوا خلال الـ51 يوما خلال الحرب ضد غزة جرى استخدامهم كدروع بشرية، بينما نتذكر جميعا كيف اغتال الجيش الفلسطيني الطفل محمد الدرة الذي أطلق عليه النار بينما كان يحاول الاختباء بين ذراعي والده. فهل كان محمد الدرة درعا بشرية لأحد؟!

يعشش في حضن والده طائر خائفا

من جحيم السماء: احمني يا أبي

من الطيران إلى فوق! إن جناحي

صغير على الريح... والضوء أسود

أما كذبة نتنياهو الكبرى الثانية فهي مبالغته الهائلة في الدور الإيراني بالمنطقة. ونادرا ما نجد سياسيا حصيفا يستخدم 3 صيغ للمبالغة في عبارة واحدة، حيث زعم نتنياهو أن: «إيران، أخطر دولة في العالم وأخطر دولة بالمنطقة، ستحصل على أخطر أسلحة العالم».

وقد أولى نتنياهو اهتمامه خلال الأعوام العشرين الماضية للطموح الإيراني النووي لامتلاك الأسلحة النووية. ويدعي أنها ترغب في صنع أسلحة نووية، بينما غفل أن يذكر ولو لمرة واحدة امتلاك بلاده لأسلحة نووية! فكيف يمكنه تبرير هذه المعايير المزدوجة؟

لقد أصبح العالم قرية صغيرة بحق، فعندما يقتل الجيش الإسرائيلي الأطفال الفلسطينيين، يشاهد سكان العالم المقاطع المصورة والصور عبر الهواتف الذكية والحواسب الآلية وشاشات التلفاز وما إلى غير ذلك. لذا فإن أحدا لا يقبل أسف نتنياهو تجاه سقوط الأطفال الفلسطينيين قتلى، لأن أحدا لا يصدق دموع التماسيح.

عن الشرق الأوسط السعودية