خبر : الذهاب إلى غزة والانضمام لوثيقة روما ..حسين حجازي

الإثنين 06 أكتوبر 2014 09:05 ص / بتوقيت القدس +2GMT



توقعت بيني وبين نفسي وربما كثيرون غيري من الفلسطينيين والغزيين على وجه الخصوص، ان الرئيس أبو مازن والذي هو في مقام الأبوة للفلسطينيين جميعاً او هكذا ينظر الى مقام الرئاسة، وبعد ان يفرغ من إلقاء خطابه في الأمم المتحدة والذي كان فيه أصدق تعبيراً عن شقاء شعبه ومناصرته، ان يختار وقد كسر في هذا الخطاب جراراً كثيرة مع إسرائيل، العودة الى غزة فاتحاً هذه المرة ومستقبلا من لدن هؤلاء الغزيين الأبطال بالورود والرياحين، بعد ان قام بتطييب خاطرهم في خطابه عن ان إسرائيل لن تفلت من العقاب هذه المرة على جرائمها، وانه لا غفران او نسيان او تسامح بعد الآن.
لماذا يا سيادة الرئيس تبدو متردداً كلما حانت اللحظة المناسبة بشد الرحال الى هذه المدينة؟ حتى ولو على طريقة قول الجدات في الخرافات القديمة عن شوق البلاد لأهاليها، كناية عن عودة الأبطال إليها. وقد كانت المدينة التي هي اليوم مفتاح البلاد تستحق هذه العودة الفورية بعد حرب ضروس لا سابقة لها.
لست اعرف ما هي حسابات الرجل، وان كان في ظني أن الرجل وان كسر الجرة بالفعل مع إسرائيل هذه المرة، الا انه لم يقطع بعد الشعرة الأخيرة التي تسمى عادة شعرة معاوية، وهذه الشعرة ربما ليس قوامها الراهن فقط وقف التنسيق الأمني، وإنما أيضا دلالات زيارة او عودة الى غزة لن تقتصر دلالاتها في هذا الأوان على رمزيتها، وإنما تكون بمثابة تغيير خطوط سير ومسارات بل وخيارات تكون بمثابة رسم خارطة طريق جديدة. هل تأجيل القرار بالإقدام على هذا الحدث الذي يعادل أو يوازي عودة عرفات لأول مرة الى غزة العام 1994، ولكن بصورة انقلابية أو عكسية في العام 1994، لتدشين اتفاقية أوسلو وفي المرة الثانية مع خليفة عرفات لمغادرة آخر ما تبقى من تركة أوسلو، وإذن هي الحرب المفتوحة؟ وتدشين أسس التحالف الذي لا بد منه في آخر المطاف مع حماس علنا وعلى رؤوس الأشهاد. وهل لهذا السبب وما زلنا في مجال الافتراض ان هذه العودة سوف تكون بمثابة إخراج السيف من غمده، مع التوقيع المنتظر على الانضمام لميثاق روما ومحكمة الجنايات الدولية، وهو القرار الذي ينتظره الفلسطينيون وكل مناصري الشعب الفلسطيني وقضية اتخاذه على أحر من الجمر.
هكذا تبدو لي المسألة، والواقع أنني دعوت الرئيس او مازن مبكرا، لأن يحسم الوضع ويأتي الى غزة قبل بضع سنوات، والمسألة ليس فقط انه على قيادة الشعب الفلسطيني ان تتحرر من الضغوط المباشرة، التي تبدو فيها في واقع الأمر وكأنها تحت رحمة الاحتلال بالمعنى المادي او الجسدي، ولكن لأن السلطة بوجود ثقلها المادي والجسدي في الضفة هو ربما العائق أمام إطلاق يد حتى المقاومة الشعبية، ولا اقول المسلحة في وجه إسرائيل، وبالتالي تدفيع إسرائيل الثمن، وحيث ان وجدت المقاومة في الضفة سبيلها، فإنها ستكون اكثر تطورا وابداعية واشد من المقاومة الغزية. وعند هذه النقطة من التحول سوف لن ينهار الاحتلال وإنما الاستيطان ينتهي شذر مذر، وعندئذ يكون التفاوض الحقيقي والوحيد هو على تنظيم الانسحاب من الضفة وإقامة السلام الحقيقي بين الشعبين.
ولقد كان خطأ عرفات القاتل انه أراد إدارة هذه اللعبة بحضوره الجسدي في المقاطعة، مراهنا على شرعيته الدولية. وكان ذلك بمثابة الوقوع في الشرك حيث كان قرار شارون بالأول في ذروة الانتفاضة المسلحة محاصرته في المقاطعة ومنعه الخروج منها بأي حال، ومن ثمة قتله وما كان ممكنا حدوث ذلك في غزة او اقله بهذه السهولة. واليوم كما كان الوضع بالأمس وفي المستقبل حذار على القيادة الفلسطينية خوض الحرب مع هذا العدو وإشهار السكين فيما تكون تحت رحمته، واليوم كما الأمس والمستقبل فان جوهر الصراع والحرب إنما هو على مصير الضفة الغربية وليس على غزة، وعليك أن تهاجر الى المدينة لكيما تستطيع فتح مكة، وان غزة اليوم هي المدينة المسورة والقلعة، التي يمكن للعدو ان يدمرها لكنه لا يستطيع اقتحامها. وهي بهذا المعنى "هانوي" وقد تكون هي ميدان المعركة ولكنها ليست هدف الصراع او الحرب، وفي هذا التصور ليس ثمة اختراع فكري او نظري، وإنما اتباع القوانين والسنن التي مرت بها كل حركات التحرر الوطني والثورات، ولنا قبل كل هذا أسوة حسنة بالرسول محمد الذي كان استراتيجيا وتاكتيكيا من طراز رفيع وعبقري.
قال أبو إياد مرة في لبنان: ممنوع إهانة قيادة الشعب الفلسطيني، بعد حوار مع الرئيس اللبناني سليمان فرانجية أوائل السبعينات، وبعد ذلك بسنوات قليلة كانت المقاومة الفلسطينية واللبنانية تحكم لبنان. واليوم لا يجوز الصمت أو غض الطرف عن أقوال ليبرمان المعتوه والذي يواصل تكرار هذه الأقوال عن أن القيادة الفلسطينية هي تحت حماية إسرائيل، لا يجوز الصمت على هذا الكلام.
والرد الآن بوقف هذه المهزلة المفارقة وتصحيح الوضع الخاطئ، لكي نعرف بعد ذلك من يحمي من؟ حينما نتخذ القرارات الصحيحة بجعل الاحتلال باهظ الثمن بدل الوضع الحالي رخيص الثمن. والذي يشجع نتنياهو على التمادي في الاستيطان، وليبرمان الاستمرار في تكرار هذه الأقوال المهينة للشعب الفلسطيني.
لقد بانت واتضحت أوجه القضية منذ وقت بعيد وما كان لنا ان ننتظر ونصبر كل الوقت، حيث خسارة على الوقت لكي نتحقق ونعرف انه عبثا نحاول بلوغ الهدف النهائي عبر هذا الطريق او هذه الوسيلة، التي تفترض بأن العالم سيقدم لنا الدولة الفلسطينية على طبق من الفضة، وانه آن الأوان الاعتماد على انفسنا وان نضع العالم نفسه في الزاوية، اذا كان العالم نفسه هو الذي بصورة غير مباشرة وغير مقصودة يقدم لنا الوسيلة.
لا لا لا يجب أن نقايض مبدأ العدالة والمحاسبة مقابل اي موقف سياسي او ثمن. ان المأساة الفلسطينية في أحد أوجهها المدعاة للغضب والحنق المحكم، انما تكمن في غياب المحاسبة والمسائلة منذ العام 1948 وحتى الآن، وان ما كان من شأنه إنقاذ كل هذه الضحايا في الحرب الأخيرة، ليس القبول بالمبادرة المصرية في الأيام الأولى للحرب، وإنما لو كنا موقعين وعقدنا العزم مبكرا على الانضمام لوثيقة روما ومحكمة الجنايات الدولية، ولكانوا فكروا مئة والف مرة قبل ان يقدموا على ما اقدموا عليه في الشجاعية وخزاعة وبيت حانون.
واليوم لنهتدي بمعادلة إسحاق رابين : محاربة الإرهاب كأنه لا توجد عملية سلام، والمضي في السلام كأنه لا يوجد إرهاب. وترجمة ذلك معاقبة إسرائيل الآن بتوقيع وثيقة الانضمام للجنايات الدولية وميثاق روما كأنه لا يوجد سلام ممكن. والمضي في هذا الحوار البيزنطي حول فرص السلام بمعزل او بموازاة هذه الحرب السياسية لملاحقة إسرائيل على جرائمها، فالكل الفلسطيني يعلم انه بعد ثلاثة أسابيع لن يقدموا لنا الدولة على طبق، وفي غمرة هذه الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسورية، التي لن تنتهي قبل مئة عام. لنجرب أن نختصر الوقت والجهد بالسير على اقصر الطرق، وهي الخط المستقيم وان نلقي بأوراقنا القوية على الطاولة وقلب الطاولة على حد سواء، لأنه بغير هذه الطريقة لن ننتصر.