خبر : بين حاجزين: انفطر قلبي على كبدي ...بقلم: فتحي صبّاح

الجمعة 03 أكتوبر 2014 02:11 م / بتوقيت القدس +2GMT
بين حاجزين: انفطر قلبي على كبدي ...بقلم: فتحي صبّاح





مساء اليوم الخميس لا أحد سواي في البيت. عدت من حاجز "ايرز"، حاجز يفصل فلسطين عن فلسطين، وشرطي فصل بيني وبين فلذة كبدي بين كلي وبينها: بنتي ريما.
دوامة تعصف برأسي. قلبي يعتصر ألما. دموع ساخنة تسيل من عيني. أبكي كما لم أبكِ من قبل في حياتي.
أستذكر تلك اللحظات من مساء 21 تشرين الأول (اكتوبر) 2012، عندما أبلغني الطبيب بذلك الخبر المشؤوم، الذي وقع على رأسي كالصاعقة: مصابة بلوكيميا الدم الحادة.
بكيت، ثم توقفت حتى لا تعرف بمرضها.
عدت الى البيت حينها، أغلقت باب الغرفة خلفي ومعي زوجتي جيهان، بكينا سويا بمرارة. دموعنا صنعت جدولا، نهرا من الأحزان.
الآن، يكاد يُغمى عليّ من شدة حزني، أشعر، وهي ذاهبة اليوم الى المستشفى، وكأني أودعها للمرة الأولى، في حياتي، مع أنها ربما الخامسة أو السادسة.
لا أعرف لماذا أنا حزين؟ لماذا تهيأ لي أنها أصيبت بالمرض اليوم، وليس قبل عامين بالتمام والكمال.
لربما لأنه شهر تشرين الأول (اكتوبر) نفسه. ربما لأنها ذهبت، آنذاك، الى مستشفى المطلع في القدس المحتلة، لتلقي العلاج، للمرة الأولى بعد عيد الأضحى بيومين، والأن تذهب قبل العيد ذاته بيومين؟ وهذه المرة الأولى الى مستشفى اسرائيلي، والقلق يكاد يقتلني: هل سيكون الطبيب الاسرائيلي رحيما بها، أم أن قلبه متحجر كقلب ذلك الشرطي؟
هل أنا حزين لأن رجل الشرطة في حاجز "444" رفض السماح لي يومها، واليوم، أيضا بأن أذهب معها حتى حاجز "555"، لأكون الى جانبها حتى حدود فلسطين بكل حدود قلبي وجوارحي ومشاعري الأبوية؟ وصرخ في وجهي أن أخرج خارج المعبر اللعين، في حين سمح لعشرات آخرين بالذهاب والعودة!!
هل أنا حزين وخائف على ابنتي ريما، لهذه الدرجة، أم تراني حزين على شرطي قلبه من حجر؟ هل أصبحت قلوب رجال شرطة "حماس" متحجرة مثل أكوام ركام المنازل، التي دمرتها اسرائيل خلال عدوانها الآخير على قطاع غزة؟!
أم تراني حزين وخائف على نفسي من نفسي؟ خائف من عقلي الغاضب، الذي يحرض قلبي على أن أحقد عليه، وأن أدعو الله أن يصيبه بالسرطان كما أصيبت به ابنتي؟
أقسمت لصديقي الحميم من "حماس" على الهاتف بأنه لو كان معي مسدس لقتلت ذلك الشرطي ذي القلب المتحجر ليكون عبرة لكل من تسول له نفسه أن يظلم الناس ولا يشعر بشعورهم وألمهم وحزنهم وقهرهم.
الحمد لله أني لم أحمل سلاحا في حياتي قط. الحمد لله أني لم أتدرب على استخدام السلاح في حياتي قط. الحمد لله.
الحمد لله أني لم أدعُ الله للانتقام منه. لا، لن أفعل لن أدعو الى الله. سنوات طويلة وأنا أجاهد لأنزع أي حقد أو غِل أو كراهية، لأي أحد، من قلبي؟ لا لن أجعله ينتصر عليّ، لن أسمح له بأن يقتل الحب والتسامح في قلبي.
اذا كان هو، وغيره من بعض رجال شرطة "حماس" عديمي الانسانية والرحمة، فلن أتحول الى انسان منزوع الانسانية.
نعم. سأظل انسانا، لا أريد أن أكون "حيوانا ناطقا". فقط سأكتفى بأن أتوعده بأن أشكوه عندما نلتقي كلنا أمام الواحد الجبّار.
لن أسامحه أمام الله، وسأدعو القاهر الجبّار حينها أن يأخذ حقي وحق الاخرين ممن ظلمهم وقهرهم من دون أي وازع من دين أو أخلاق أو انسانية.
من الذي علم الشرطي قهر الناس وظلمهم؟! ألم يقرأ القرآن الكريم يوما؟ ألم يستمع الى أحاديث نبوية شريفة يوما؟ ألم تقل له أمه أو أبوه، يوما: لا تظلم الناس وتعامل معهم برفق وارحم المريض منهم؟
ألم يقرأ كتاب "دعاة لا قضاة" للشيخ حسن الهضيبي؟!
ألم يقرأ: "ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضّوا من حولك". (آل عمران 159)؟!