تحالف يضم أكثر من خمسين دولة تقف على رأسها الولايات المتحدة. طيارون وطائرات من مختلف بقاع الأرض. صواريخ عابرة للقارات والبحار، وآخر ما توصلت إليه تكنولوجيا العصر في عمليات الرصد والتدمير.. والنتيجة أن الحرب على دولة الخلافة "داعش" تحتاج الى سنوات لتظهر نتائجها الإيجابية، هذا ما يقوله الحلفاء!.
الحرب لهزيمة "داعش"، يقول ديفيد كاميرون، رئيس وزراء بريطانيا، "قد تستغرق أكثر من ثلاث سنوات"، مضيفاً، نأمل خلالها "أن نستطيع تحقيق النجاح بشكل أسرع من ذلك، ولكن قد يستغرق الأمر وقتاً أطول".
مدير العمليات في هيئة الأركان المشتركة في البنتاغون الجنرال وليام مايفيل قال: إن "الضربات الجوية" ضد داعش "ليست سوى بداية لحملة طويلة من شأنها أن تستمر بشكل متقطع لعدة سنوات". ورئيس هيئة أركان الجيوش الأميركية، الجنرال مارتن ديمبسي يقول: "هزيمة داعش تتطلب جهدا متواصلا على مدى فترة طويلة من الزمن، إنها مشكلة أجيال". الحرب إذاً قد تستغرق ثلاث سنوات، ربما خمس، ومن يدري فقد تمتد عبر جيلين إن لم يكن أكثر.
لم تكبر وتمتد "داعش" داخل العراق وسورية بعيداً عن أعين وكالات الاستخبارات الأميركية والغربية عموماً. على العكس، الحدود وخصوصاً الحدود التركية فتحت لها، وأموال العديد من الأنظمة العربية وصلت لها إن لم يكن بشكل مباشر فقد تم بطريقة غير مباشرة من خلال الحملة المنظمة لجمع الأموال من "أصحاب الخير" لدعم "المعارضة" في سورية. وأسلحة "داعش" لم تسقط عليها من السماء ولكن وصلت إليها من الجهات التي عملت وتعمل على إسقاط النظام السوري، وأيضاً، إن لم يكن ذلك بشكل مباشر، فقد كان عبر تسليح المعارضة "المعتدلة" التي تمكنت "داعش" من هزيمتها ومصادرة أسلحتها.
المساهمة في توفير الظروف المادية لخلق "داعش" ومن ثم الادعاء بأن القضاء عليها يحتاج الى سنوات في الوقت الذي تشترك فيه دول العالم جميعها في هذه الحملة، بما فيه، النظامان السوري والعراقي، يطرح السؤال التالي: هل فعلاً هدف حملة التحالف الدولي هو القضاء على "داعش"؟
بلا شك يرى الجميع في "داعش"، كما هو حال "القاعدة"، خطراً حقيقياً يهدد أمنها ومصالحها. لكن في المخاطر توجد دائماً فرص يمكن استغلالها والاستفادة منها. وهنا تأتي فكرة الحرب الممتدة لسنوات!.
القضاء على "داعش" في العراق، وعليها وعلى "النصرة" في سورية، يعني تحرير النظامين السوري والعراقي، ومعهما حزب الله وإيران، من الاستنزاف المستمر لمواردهما منذ ثلاثة سنوات. يعني تحويل هذه المصادر الى المكان الذي يجب أن تذهب إليه: إعادة بناء الدولة واستعادة قوتها الاقتصادية والعسكرية وتكريس نفوذها أو حضورها الإقليمي على الأقل.
منع ذلك يتطلب ليس القضاء على الحركات "التكفيرية" تماماً لأنها القوة التي تم استخدامها لإضعاف هذا النفوذ خلال السنوات الماضية، وقد نجحت في ذلك إلى حد بعيد، ولكن خلق توازنات لا تسمح بانتصار التنظيمات "التكفيرية"، ولا تعطي مجالاً للدولتين السورية والعراقية والحركات المتورطة معهما مثل حزب الله والمستهدفة من الصراع مثل إيران من تحرير مصادرها لاستعادة قوتها. التوازنات المطلوب خلقها على الأرض يجب أن تضمن بقاء انشغال الطرفين بالصراع دون السماح لأي منهما بالانتصار.
هذا لا يتطلب القضاء على "داعش" و"النصرة" كلياً، ولكن منعهما من الانتصار حتى لا يتوسعا باتجاه الأردن ودول الخليج العربي. وهو أيضاً، يتطلب حرمان النظامين السوري والعراقي من الانتصار حتى لا يتم تحرير إيران من عملية الاستنزاف المستمر لمواردها التي يذهب جزء مهم منها لدعم صمود النظامين السوري والعراقي ومعهما حزب الله.
التوازنات تبقي الصراع في نطاقه الجغرافي الحالي، لا تمكنه من التمدد، ولا تنهيه لأن في بقائه مصلحة، فرصة، لا يجب إضاعتها. محور الخطر الحقيقي قبل ثلاث سنوات لم يكن القاعدة التي تم ضربها في أفغانستان والعراق وباكستان، ولكن ذلك المحور الممتد من إيران الى غزة. هذا المحور تم إشغاله بالحرب الدموية في سورية والعراق، وتمزيقه طائفيا بين سنة وشيعة.
لكن ثلاث سنوات من الحرب لم تكف إلا لتحييد أطراف منه (سورية تحديداً) في حين أن حزب الله وإيران لا يزالان يحتفظان بقوتيهما. ثلاث الى خمس سنوات أخرى، قد تكون كافيه لتحييد ما تبقى من أطراف هذا المحور. بعدها فقط تصبح مهمة القضاء على "داعش" مستعجلة لأن "المنطقة" ستحتاج الى ترتيبات جديدة تكرس الحقائق الجديدة على الأرض.
عندها فقط ينتصر الجيش السوري الحر ليقوم بمهمة المطارد لبقايا التنظيمات "الجهادية" وأنصار النظام القديم، معتمداً على المساعدات الغربية. وخلال ذلك يصبح السلام مع إسرائيل ضرورة أمنية لا تتطلب عودة الجولان كلياً أو جزئياً لأن سورية "الجديدة" لديها مشاكل أهم بكثير من إسرائيل التي ستتحول الى حليف داعم للدولة الجديدة. وعندها فقط يمكن الدفع بمقاربات في العراق تسمح لأبنائه بالحياة قد تكون من نتائجها إنشاء دولة كردية ودولة للعرب السنة وأخرى للعرب الشيعة.
هذه السياسة، سياسة خلق التوازنات دون تمكين أحد من الانتصار، ليست جديدة. خلال الحرب بين العراق وإيران، قدمت خلالها الولايات المتحدة مساعدات عسكرية مدفوعة الثمن للطرفين. العراق حصل على الحصة الكبرى منها، لكن نال إيران بعض المساعدات العسكرية المهمة من خلال ما يعرف بقضية إيران-غيت. حيث اتفق "الشيطان الأكبر" حسب التوصيف الإيراني لأميركا على توريد عدوه إيران آلاف الصواريخ من نوع تاو وهوك. الأسلحة سلمتها إسرائيل لإيران، وأثمانها حولت لمساعدة عصابات الكونترا في نيكاراغوا. الحرب بين البلدين التي استمرت ثماني سنوات، لم ينتصر فيها أحد، لكنها أجهزت على الخزينة العراقية وحولتها الى دولة مثقلة بالديون، خائفة من شعبها، وكان ما كان من احتلال للكويت واستدعاء لتدخل خارجي مباشر يكمل ما لم تتمكن سياسة خلق التوازنات من تحقيقه. حيث تم تدمير العراق وإخراجه من معادلة القوة خلال حربين قادتهما الولايات المتحدة.
سياسة خلق التوازنات تهدف عادة الى إضعاف الطرفين بدفعهما لتحويل مواردهما من التنمية حيث تكمن القوة الحقيقية للدولة إلى الحرب. وكلما طالت الحرب، شحت الموارد، وضعفت الدولة أكثر وأكثر. وكلما انكفأت الدولة أيضا أكثر وأكثر داخل حدودها تصبح فعلياً غير قادرة على حمايتها وهذا حال سورية والعراق اليوم.
البعض يحلم بعالم مبني على العدل والقانون الدولي الإنساني ويرغب بأن يعطي بعداً أخلاقياً لسلوك الدول الكبرى التي تتحدث دائماً عن حقوق الإنسان والديمقراطية. لكن سياسات الدول الخارجية عبر التاريخ، لم تكن قائمة على البعد الأخلاقي، ولكن على حساب دقيق لمصالحها يحركها في ذلك أن ضعف الدول الأخرى أو إضعافها هو مصدر ديمومة قوتها. لذلك لا غرابة في أن يتم العمل على تكريس واقع يسمح باستمرار الحرب في سورية والعراق إلى أن يشاء الله تبديلاً.


