خبر : منع عميرة هاس يطلق حواراً ساخناً ...مهند عبد الحميد

الثلاثاء 30 سبتمبر 2014 02:08 م / بتوقيت القدس +2GMT



مطالبة مجموعة صغيرة من بعض العاملين في جامعة بيرزيت ومركز دراسات التنمية، للصحافية اليسارية عميرة هاس مغادرة قاعة المؤتمر والحرم الجامعي كان لها مدلول عميق تجاوز حدود رفض قرار الطرد أو تأييده. ما حدث أطلق أسئلة مهمة حول التحالف والصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين. موقف طرد هاس من قاعة المؤتمر استند الى "قرار" يطال كل اليهود الإسرائيليين ولا يشمل اليهود غير الإسرائيليين الذين يأتون الى الجامعة دون اعتراض. وأسجل هنا تحفظي على ربط يهودي بإسرائيلي الذي يخدم يهودية الدولة بمفهوم حصري يربط يهود العالم قاطبة بدولة دينية خلافا لحقهم في الاندماج داخل بلدانهم ويستثني ايضا العلمانيين اليهود والمواطنين غير اليهود الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية، ويقطع الطريق على مشروع دولة لكل مواطنيها".

 "قرار" جامعة بيرزيت الذي يشكك كثيرون بوجوده، يضع كل اليهود الإسرائيليين في كفة واحدة يتساوى فيها المستوطن والجندي والمتطرف العنصري باليساري والمناهض للاحتلال والرافض لكل المنظومة الاستعمارية، يتساوى فيها "إيلان بابه" الذي يطالب بتطبيق حق عودة اللاجئين الفلسطينيين، مع "افغدور ليبرمان" الذي يطالب بطرد الفلسطينيين. ينعدم المنطق في التعامل مع الإسرائيليين اليهود كرزمة واحدة يتحملون مسؤولية واحدة عن كارثة الشعب الفلسطيني. ما هو غير معلن لدى أصحاب موقف رفض التعاطي مع كل الإسرائيليين اليهود الذين يعيشون على أراضي فلسطين التاريخية بصرف النظر عن مواقفهم العدائية او المؤيدة للحقوق الفلسطينية، هو الموقف المبدئي المطلق من المشروع الإسرائيلي، الموقف الذي يتعامل مع اليهودي الإسرائيلي الجيد باعتباره الشخص الذي يغادر المشروع ويعود من حيث أتى. 

لا يوجد موقف وسط او نسبي فرضه النظام الدولي كما نرى. لا يكفي رفض اليهودي الإسرائيلي لاحتلال 67 والاعتراف بحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته وتقرير مصيره ولا حتى إقراره بالمساواة بين الفلسطينيين والإسرائيليين. بل يتعين عليه الإقرار بأن فلسطين هي كل الأراضي التي كانت تحت الانتداب البريطاني. 

هذه المواقف لا تصلح لإطلاق نضال مشترك وتحالفات ضمن برنامج الحد الأدنى المشترك. مستوى آخر من الشروط المطلوبة من "اليهودي الإسرائيلي" كي يكون مقبولاً هي التطابق مع أصحاب تلك المواقف، كأن يتبنى الكفاح المسلح الذي لا يوجد عليه إجماع فلسطيني، وإذا ما تبنى المقاومة السلمية التي اعتمدها الشعب في الانتفاضة الاولى، فإن ذلك يعد تواطؤاً مع الاحتلال، واذا طالب الإسرائيلي عدم ضرب أهداف مدنية والتفريق بين المدنيين والعسكريين بين الاطفال والجنود، فإن ذلك شكل من تبني الاحتلال العسكري ويصب في خدمته. مطلوب من الاسرائيلي أن يتبنى حق العودة من غير مفاضلة بين العودة او التعويض بحسب قرار 194 الذي يتعامل مع حق بشقين. ويلتزم بالقراءة الفلسطينية الخاصة - بهذا الاتجاه - للقرارات والمواثيق الدولية فضلاً عن أشكال النضال. وإذا لم يلتزم ويقر بذلك فلا مكان له في اي تحالف ولا يكون وجوده مقبولاً على الأرض الفلسطينية وفي الحيز الخاص بالجامعات وبخاصة جامعة بيرزيت. 

المواقف الفلسطينية الجذرية التي عادت للانتشار والظهور تعود لسياسة الاحتلال العدمية وللتواطؤ الأميركي والدولي معها، تلك السياسة التي قصمت ظهر الاعتدال والمعتدلين وقوضت برنامجهم ومشروعهم للحل. واذا كان ثمة ما يبرر محاولات بعض الاتجاهات السياسية والنخب للتحصن بمواقف مبدئية في مواجهة أعمال التطهير العرقي المتواصلة في محافظة القدس والأغوار والمناطق المحيطة بجدار الفصل العنصري، وفي مواجهة نظام الأبارتهايد الجديد، فإن الصراع المرير لا يبرر لهؤلاء احتكار صيغة واحدة وحيدة سواء في مجال الرؤية السياسية وقراءة التناقضات وطرح الحلول السياسية، أم في مجال أشكال النضال، والاهم النضال المشترك مع إسرائيليين. 

وإذا كان من حق هذا الاتجاه أن يعبر عن رأيه بحرية في إطار التعدد السياسي والثقافي الفكري، غير ان فرض المواقف وعدم احترام الرأي الآخر ينتج أصولية فكرية تشكل جزءاً من الأزمة الراهنة المتفاقمة. 

الموقف من عميرة هاس وترجمته "بطردها" من جامعة بيرزيت يقدم نموذجا مأساويا لهذه السياسة. نموذجاً ينكر دورها الموثق بمجموعة من المقالات والمقابلات والتحقيقات المناهضة للاحتلال والمدافعة عن حقوق الفلسطينيين الجمعية والفردية. دعونا نقيم تجربة صحافية إسرائيلية تعيش بين الفلسطينيين في غزة ورام الله منذ عام 1993. هل كشفها لخطة براور لطرد تجمع بدو الضفة الغربية وتبيان أهدافها ومخاطرها ووصفه بأنه كارثة إنسانية "قطع مع تراث عمره آلاف السنين" يخدم الاحتلال ويعبر عن سياسة استعمارية! هل دفاعها عن "مقاومة الفلسطينيين وصمودهم في مواجهة العنف المادي والمؤسسي للاحتلال وحقهم بضرب الحجارة على الجنود والمستوطنين المسلحين يخدم الاحتلال ويعبر عن سياسة استعمارية؟ هل دعوتها الشعب الفلسطيني لعدم الوقوع في شراك المحتلين الذين يقفزون عن القضايا الأساسية كربط قطاع غزة بالضفة الغربية وفك الحصار وحرية الحركة لمليون و800 الف وإنهاء الاحتلال عن بعد، ويناقشون تفاصيل وجزئيات، هل هذا يعد تدخلاً استعمارياً في الشأن الفلسطيني؟ هل كشفها جوهر الاحتلال ونقدها المجتمع الإسرائيلي يشكل ترويجا للسياسة الاستعمارية؟ تقول عميرة: "نتابع سلب العنز والتل وقطع الاشجار وتشجيع الهجرة والتسلح والخروج الى الحروب .. إلى أن يختفي كيان قومي وثقافي وسياسي يطالب بحقوقه"، وتضيف: "كم سيستمر سفك الدماء والمعاناة والكوارث إلى أن يتفكك نظام التمييز والفصل اليهودي والهيمنة والاستعلاء اليهوديين الذي طورناه في 64 سنة". 

وفي وصف نظام الحكم الإسرائيلي تكتب عميرة: لنظام حكمنا ثلاث دعائم هي: الاستيلاء على الأرض. رعاية الجيش الذي يحمي النهب والسطو. تحطيم مجتمع الرفاه. وتضيف: نحن اليهود نربح من هكذا نظام، لكن دولة رفاه اليهود فقط موجودة زاهرة في "يهودا والسامرة". وتختم مقالها: إن الفلسطينيين هم المجموعة الوحيدة التي تضربها دعائم النظام وتحاول ان تناضل لتغييرها. ما أود قوله، إن تجربة هاس حافلة بنقد الاحتلال والاستيطان والقمع، وحافلة بالدفاع عن حقوق الفلسطينيين أفراداً وشعباً. ومن يتشكك في ذلك، من له رأي آخر ليراجع كتاباتها ومواقفها المتوفرة بعدة لغات. 

إن ما حدث من قبل مجموعة صغيرة في جامعة بيرزيت يشكل إساءة للصحافية المتميزة ولأصدقائها ولكل الذين دافعت عنهم. لم يكن للسود غنى عن مشاركة البيض في النضال ضد الفصل العنصري، ولم يكن للشعب الجزائري غنى عن مشاركة فرنسيين في النضال من أجل تحرره، وبالمثل لا غنى للشعب الفلسطيني عن مشاركة إسرائيليين في النضال من أجل حريته. Mohanned_t@yahoo.com

مهند عبد الحميد