غزة سمابعيداً عن توترات بيئة العمل الصحفي، وضغوطات الأحداث اليومية، وجد إعلاميون وإعلاميات مجالاً للتفريغ النفسي، والحديث عن تجاربهم التي عايشوها خلال العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة والذي استمر 51 يوماً، وما زالت مشاهده عالقة في أذهانهم.
كان ذلك خلال لقاء نظمته مؤسسة فلسطينيات بالشراكه مع هينريش بول الالمانية في فندق الكومودور بمدينة غزة، صباح اليوم تحت عنوان "الصحفيون يتحدثون"، تضمن العديد من تدريبات التفريغ النفسي،
واكدت مديرة مؤسسة فلسطينيات ، وفاء عبد الرحمن خلال مداخلتها أن حجم العدوان على قطاع غزة ، شكل ضغطاً كبيراً وهائلاً على سكان القطاع ، ولأن الصحفيات والصحفيين كانوا على إحتكاك مباشر ، ومتابعة مستمرة للأحداث ، فهم الشريحة الأكثر التي تأثرت نفسياً ومعنوياً بالاحداث ، وشهاداتهم عن العدوان يجب أن توثق ، وتتابع بشكل جدي للاستفادة منها.
وقالت عبد الرحمن أن الكثير من النشطاء كانوا في الميدان وغطوا الأحداث حتى قبل وسائل الإعلام العادية، أولئك جميعاً يستحقون الشكر والتكريم بطريقة مختلفة.
واثنت عبدالرحمن على الصحفييات اللاتي عشن تجارب قاسية ، على الصعيد الفردي ، وتحملن تبعات القصف والتوغل ، وهجرن من اماكن سكناهم ، وأصبحن نازحات بعيداً عن أسرهن ، ورغم ذلك واصلنا تغطيتهن للاحداث ، دون إنقطاع ، هات الصحفييات تستحقن كل تقدير وإحترام وتكريمهن واجب أخلاقي ووطني .
من جهته د. جميل عبد العاطي، المدرب في مهارات العقل والجسم، والذي أدار جلسة التفريغ النفسي للحضور قال:" أن الصحفيين عايشوا وشاهدوا وسمعوا الكثير من المشاهد الصادمة، أثرت بشكل كبير على سلامتهم النفسية بالتالي يحتاجوا إلى تفريغ هذه الضغوطات كي لا تنعكس على أفكارهم وأدائهم المهني وعلاقاتهم الأسرية".
وأضاف أن هذه اللقاءات مهمة لتحسين أدائهم وكفاءتهم، وهي عبارة عن مقدمة في مهارات العقل والجسم تحتاج فيما بعد إلى لقاءات أكثر عمقاً.
وبدأت بعد جلسة التفريغ النفسي ، الاستماع الى شهادات عن العدوان من الصحفييات والصحفيين فقالت إسراء البحيصي مراسلة قناة العالم، إنها عانت خلال العدوان من التهجير كونها تسكن الشجاعية، كما تعرضت لمشاكل صحية كونها مارست عملها الصحفي وهي حامل، وكانت مسئولياته مضاعفة تجاه نفسها وجنينها ، ورغم قسوة الظروف وخطورة الأحداث ، إلا أنها تغلبت على إحساسها بالعدم ونجحت بإرسال رسائلها "الفضائية" عبر قناة العالم ، وسلطت الضوء بمهارة واضحة وإحساس حيّ على الظلم الكبير الذي وقع على سكان قطاع غزة ، وفضحت الاحتلال ، بممارساتها الوحشية التي دبرها عن قصد بحق الأطفال والنساء والمدنيين .
وفي شهادة الصحفي هشام ساق الله الشخصية والمهنية ، من لحظة الطلب منه إخلاء شقته في برج الظافر4 الى أن تم تدميره كامل البرج ، وهو ينظر الى شقته وما احتوته من ذكريات ومذكرات ومقتنيات له ولأسرته ، الى أن حشر وأسرته حشراً في شقىة شقيقته ليعيش حياة مختلفة ، جرب بالكتابة أن يخرجها كشهادات حية وصادقة عن معاناة سكان قطاع غزة ، واستطاع ساق الله أن يعبر بحنكته عن لحظة اقتراب الانهيار المعماري ، وبقاء النفس صامدة في مواجهة العدوان البربري .
وشهادة المصور تامر زيارة، كانت في ميزان المعاناة لكثافة ما شاهده من موت ، وما عايشه من تجربة ، جعلت منه ، شاهداً صارخاً عن دم سال وسفك بالجملة ، بدون مبرر يذكر سوى عطش الاحتلال ، و تحدث عن استمرار معاناته نتيجة لمعايشته حادث مجزرة رفح، حيث استشهدت نحو 50 امرأة، بضربة واحدة وعلى مرأى منه، ويؤكد أنه حتى اللحظة ما زال يتذكر تفاصيل مع جرى.
بدوره الصحفي فتحي صباح ، مراسل الحياة اللندنية ، واجه بشهادته إنسيال دموعه فكان صادقاً بما شاهده من لحظة تقاسم جيرانه للحم ضحاياهم لدفنها متساوين بالمأساة ، وكيف عرف جاره جثة ابنه ، من بعد أن اعتقد الأخر أنها جثة ابنته ، ليوفق الوقت بعد خمسة أيام كلا الجاران الى معرفة جثث ابناءهم والتعرف عليها ، مشهد بالغ القسوة ، سكب الصحفي عليه بعض دموعه ، ليروي عن العدوان معايشة بالغة الوجع.
صحفييات وصحفيون غيرهم قالوا شهاداتهم اثناء العدوان ، وكان إيقاعها الوجع بدون تكلف أو تصنع ، ليخرج كل منهم بعد ذلك بنفس طويل من صدر حشر الاحتلال فيه كثافة معقدة من الأحزان ، ربتها اشلاء الشهيدات والشهداء ، وصور الجرحى الخراب الواسع الذي تركه عدوان لا يجيد سوى فن القهر والتدمير ، وقتل كل ما هو إنساني وبريء .


