غزة سمانظم أمس برنامج غزة للصحة النفسية والجامعة النفسية بغزة ورشة عمل متخصصة بعنوان "كيف نساعد المجتمع الفلسطيني: تنسيق الجهود المهنية في مجال تقديم خدمات الصحة النفسية بعد الحرب على غزة وآليات التدخل". وهدفت الورشة إلى تنسيق جهود مؤسسات الصحة النفسية المتخصصة وتحديد معايير التحويل بين الجهات المعنية ونقاش آليات بحثية حول التأثيرات النفسية للحرب على المجتمع الفلسطيني. وقد عُقدت الورشة في قاعة المؤتمرات بمبني طيبة بالجامعة الإسلامية بغزة، وحضرها العديد من مؤسسات الصحة النفسية ووزارة الصحة والمؤسسات الدولية العاملة في مجال تقديم خدمات الصحة النفسية، بالإضافة إلى العديد من المهنيين والأكادميين والمهتمين والطلاب.
وقد افتتح الورشة الأستاذ الدكتور سمير قوتة - رئيس قسم علم النفس في الجامعة الإسلامية، حيث استعرض أهم التأثيرات النفسية للحرب الأخيرة على المجتمع الفلسطيني بمختلف فئاته، وأوضح أن الهدف من الورشة هو تدارس كيفية مساعدة المجتمع الفلسطيني بشكل مهني متخصص، وتقديم خدمات نوعية في مجال الصحة النفسية. وقد عرض بعض من نماذج معانات الشعب الفلسطيني نتيجة العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة، والآثار النفسية على الأطفال وسلوكياتهم وما يترتب على ذلك من فقدان لحقوق الأطفال والظروف المعيشية الصعبة التي يعيشها الطفل الفلسطيني، وأكد على الخصوصية التي يتميز بها الطفل الفلسطيني نتيجة مروره بخبرات صادمة متعددة خلال الخمس سنوات السابقة نتيجة للعدوان الاسرائيلي المتكرر.
وفي كلمتها الإفتتاحية رحبت الدكتورة فتحية اللولو - عميد كلية التربية بالجامعة الإسلامية - بالحضور الكريم، وأثنت على صمود الشعب الفلسطيني أثناء العدوان، واستعرضت الآثار النفسية على سكان قطاع غزة، وشددت على ضرورة تقديم الدعم والمساندة لجميع فئات الشعب لضمان مواصلة واستمرار النضال الفلسطيني، وتقدمت بالشكر والإمتنان لبرنامج غزة للصحة النفسية على تعاونه مع الجامعة الاسلامية ومساعيه في تنسيق الجهود مع جميع المؤسسات التي تهتم بتقديم الدعم النفسي، وتمنت ان تؤتي هذه الورشة ثمارها من أجل خدمة المجتمع الفلسطيني لتعزيز صموده ضد المحتل.
وألقى الدكتور ياسر أبو جامع - المدير التنفيذي لبرنامج غزة للصحة النفسية - كلمة البرنامج التي استعرض من خلالها العديد من النشاطات التي يقوم بها البرنامج، وشكر الجامعة الاسلامية ووزارة الصحة والمؤسسات المحلية والدولية على سعيهم وجهودهم المبذولة من أجل تنسيق الجهود لخدمة أبناء شعبنا في مجال الصحة النفسية، كما تقدم بالشكر من الدكتور سمير قوته وجميع القائمين على فكرة هذه الورشة التي تهدف في نهاية المطاف إلى تسهل عملية تقديم خدمات نفسية مميزة ونوعية لأبناء شعبنا.
وبعد ذلك انقسمت الورشة إلى جلستين حيث ترأس الجلسة الأولى الدكتور سمير قوتة الذي تحدث في ورقته الأولى عن الأسس العلمية في التدخل، واستعرض الوسائل التي يلجأ إليها الفلسطينيين للحصول على الخدمة النفسية، وأوضح كذلك أسباب لجوء الناس إلى طلب الخدمة النفسية وكيفية التعامل مع تزايد الحاجة إليها في في المجتمع الفلسطيني، كما أنه سلط الضوء على اهداف الخدمة وكيفية مساعدة الناس في حل وإدارة مشاكلهم بأنفسهم، وكيفية مساعدة المريض على تغيير نمط حياته. وقد أشار إلى مجموعة من الأبحاث العلمية العالمية التي تناولت موضوع طرق العلاج وأوضح مدى الاستفادة منها في المجتمع الفلسطيني. واستعرض أيضاً دور المعالج النفسي في قدرته على تقديم الخدمة النوعية للمرضى ودور الفريق متعدد التخصصات في تقديم الخدمة بشكل أمثل، وكذلك أهمية الحرص على تعدد التخصصات في فريق الواحد، وألا يتم اتباع النموذج الطبي البحت في تقديم الخدمات النفسية.
وبدوره قدم مدير البرنامج الدكتور ياسر أبو جامع – طبيب نفسي - كلمة بعنوان "الآثار النفسية للحرب على غزة والمجتمع الفلسطيني"؛ حيث استعرض العديد من الاحصائيات المتعلقة بالعدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة بكافة أشكاله، واستعرض تقارير لمؤسسات دولية تشير إلى مدى المعاناة التي يعيشها سكان قطاع غزة في كافة المجالات. وقد ركز على فئة الأطفال ومدى الحاجة إلى تقديم خدمات نفسية عاجلة لهم من أجل التخفيف من آثار الحرب عليهم. وقد استعرض بعض نماذج من سلوكيات الأطفال ومنها التعلق بالآباء ومشاكل النوم والتبول اللإرادي والمشاكل الجسدية والحرمان. كما أشار إلى سياسة الترهيب والتخويف التي اتبعتها قوات الاحتلال خلال العدوان الأخير على غزة. وتحدث الدكتور أبو جامع عن الآثار النفسية بعيدة المدى للفقدان والحرمان التي يعيشها سكان قطاع غزة، وعبر عن قلقه من أن يكون القادم أسوأ نتيجة الظروف المعيشية الصعبة والحصار الخانق على غزة. واستعرض نتائج دراسة بحثية أجراها برنامج غزة للصحة النفسية بعد العدوان الآخير في 2012، حيث وجدت هذه الدراسة أن 30% من الأطفال الذين تعرضوا لأحداث صادمة لازالو يعانون من أعراض اضطراب ما بعد الصدمة، وأكدت الدراسة كذلك على أن ظهور هذه الأعراض عند الأطفال مرتبط بالموارد الموجودة لدى الأسرة، حيث أنه اذا كانت الأسرة قادرة على توفير الجو المناسب لاطفالها، فان احتمالات استمرار الاعراض لدى هذا الطفل يكون أقل منه عند طفل آخر وضع أسرته غير سليم.
ونوه الدكتور أبوجامع أن الخدمات النفسية المتخصصة يجب ان تصل الجميع وألا تقتصر فقط على مناطق محددة دون الأخرى. وفي كلمة أخيرة شدد على ضرورة ادراك اننا نقدم خدمات صحة نفسية مجتمعية ويجب الا ان نفكر في اعادة الإعمار المالي والمادي، ولكن يجب ان نضع بعين الاعتبار ان هذا الاعمار هو عامل مساعد واساسي لإمكانية تحسن هذه الحالات، وقد تنبأ بانه في حال عدم رفع الحصار سيكون الوضع النفسي أصعب على فئات مختلفة من المجتمع الفلسطيني.
وفي ختام الجلسة الأولى تم فتح باب النقاش للمشاركين للإستفسار والإستيضاح وتم الإجابة على الأسئلة المطروحة، وشكر الدكتور سمير قوتة الحضور على حسن استماعهم ومشاركتهم الفاعلة.
وفي بداية الجلسة الثانية، قدم الدكتور ياسر أبوجامع موجزاً حول آلية ادارة ومجريات الجلسة للمشاركين، حيث تم تقسيم المشاركين إلى ثلاث مجموعات. حيث ناقشت المجموعة الأولى طرق التنسيق بين المؤسسات، والمجموعة الثانية وسائل التحويل، والمجموعة الثالثة آليات البحث العلمي. وبعد النقاش استعرضت كل مجموعة توصياتها. وقامت المجموعة الأولى "مجموعة التنسيق" بعرض توصياتها وكان من أهمها اعادة تفعيل اللجنة الوطنية العليا للصحة النفسية وتشكيل لجنة تنسيقية مشتركة بين وزارة الصحة وبرنامج غزة للصحة النفسية. أما بالنسبة للمجموعة الثانية والتي تناولت موضوع التحويل بين مستويات الجهات المتخصصة، ناقشت معايير التحويل وآلياته، ودعت إلى عقد مؤتمر وطني مهني لمناقشة هذا الموضوع باستفاضة. أم المجموعة الثالثة والتي ناقشت آليات البحث العلمي فقد أوصت بتفعيل المركز الوطني للبحث العلمي وضرورة العمل على الأبحاث المسحية وتصميم نموذج علاجي فلسطيني يراعي الثقافة والظروف الخاصة بشعبنا، وأهمية توجيه الجهود لتدريب الباحثين، وتخصيص ميزانيات للبحث العلمي وخلق جسم من الأبحاث من الأكادميين والجامعات ووزارة الصحة والمؤسسات المعنية.
وفي نهاية الجلسة الثانية تم عرض التوصيات العامة التي خلصت إليها الورشة وهي تفعيل اللجنة الوطنية للصحة النفسية، وتشكيل لجنة تهتم بالخدمات العلاجية، ولجنة أخرى معنية بالخدمات الإرشادية، حيث تضم اللجنة الأولى وزارة الصحة وبرنامج غزة للصحة النفسية والجامعة الإسلامية وبعض المؤسسات المقدمة للخدمات العلاجية، وتضم اللجنة الثانية الجامعة الإسلامية وبرنامج غزة للصحة النفسية إلى جانب العديد من المؤسسات المحلية والدولية، واتفق الحضور على عقد اجتماع أولي لتلك اللجنتين خلال الأيام القليلة المقبلة للبدء بخطوات عملية.
وفي ختام الورشة شكر الدكتور سمير قوتة المؤسسات المشاركة وبرنامج غزة للصحة النفسية وعمادة كلية التربية بالجامعة الإسلامية على جهودهم المبذولة من أجل انجاح هذه الورشة المتخصصة بهدف مساعدة المجتمع الفلسطيني من خلال تقديم خدمات الصحة النفسية بعد الحرب على غزة.


