ليبرمان لم يعد يقتنع بدور الرجل الثالث أو الثاني في الحكومة، وبات مقتنعاً أن الظروف الحزبية والسياسية الداخلية في إسرائيل باتت ملائمة له الآن للتنافس على كرسي زعامة إسرائيل؛ فقد بدأ يؤهل نفسه لهذا الدور، فقطع شوطاً كبيراً في تغيير جلده، من ليبرمان الذي هدد بقصف سد أسوان إلى ليبرمان المتصالح مع إطار كيري، وأخيراً المطالب بتبني المبادرة السعودية، سوية مع احتفاظه بلقب ليبرمان المهدد والرهيب.
في ذروة الحرب العدوانية على القطاع؛ فاجأ ليبرمان الصحفيين بمطالبته الحكومة بتبني مبادرة السلام السعودية، بالإضافة الى مبدأ تبادل الأراضي والسكان، واستنكر سياسية المحافظة على الوضع الراهن في ظل التغيرات الكبيرة التي تعصف بالمنطقة، صحيفة "هآرتس" في حينه تساءلت عن جوهر خفايا التصريح، وطالبته بإثبات جديته عبر طرحه على الحكومة والخروج منها في حال رفضها للمبادرة والذهاب للانتخابات على أجندة سياسية تقوم في أساسها على تبني المبادرة العربية.
وزير الأمن الداخلي أهرونوفيتش قبل أيام، وفي لقاء اعلامي في مدينة بئر السبع، أعلن ان ليبرمان هو رئيس الحكومة القادم، ويعتبر هذا الإعلان هو الإعلان الرسمي الأول لرغبة ليبرمان في التنافس على مقعد رئيس الحكومة، بغض النظر عن عزم نتنياهو التنافس أم لا، وهو يعتبر حنث بوعد قطعه ليبرمان لنتنياهو انه لن يتنافس أمامه على رئاسة الحكومة.
ليبرمان يغير جلده
ليبرمان الذي هاجر الى إسرائيل سنة 78، وعاش حتى اليوم كمستوطن في مستوطنة "نوكديم"، وانتمي الى "الليكود" وصادق وأصبح مقرباً من نتنياهو، الذي عينه مديراً للحزب سنة 92، ثم مديراً عاماً لمكتب رئيس الحكومة سنة 96، وأسس لاحقاً حزب "اسرائيل بيتنا"، ثم تحالف أكثر الأحزاب يمينية وعنصرية (موليدت وتكوما والجبهة القومية، بالشراكة مع غلاة المستوطنين والعنصريين)، وتبنى قولاً وفعلاً شعار الترانسفير لفلسطيني الـ 48، وفرض أجندة عنصرية على الكنيست وعلى الحكومات التي شارك بها، حيث دفع باتجاه إقرار وسن الكثير من القوانين العنصرية ضد العرب (الولاء، وقانون النكبة... الخ)، وهدد مصر بتفجير سد أسوان، وأمر نائبه أيالون بإجلاس السفير التركي على كرسي منخفض في إطار حملة عدم المساومة فيما يتعلق باحترام الكرامة الوطنية الإسرائيلية، والذ لم يحظ بأي لقاء مع وزير خارجية أمريكا كلينتون في ولايته الأولى كوزير خارجية؛ هذا الليبرمان يبدو أنه بدأ مسيرة تغيير اضطرارية لها علاقة بالمكانة التي ينوي الوصول اليها.
ربما كان المؤشر الأول لبدايات هذا التغير وصفه لمبادرة إطار كيري على أنها المبادرة الأفضل التي يمكن ان تحظى بها إسرائيل، على عكس موقف نتنياهو وزعامة "الليكود"، وتلى ذلك الكثير من التصريحات والأقوال عن ضرورة بناء وتعزيز علاقات عربية اسرائيلية للتصدي لمحاور التطرف والإرهاب، ودعا أكثر من مرة العرب لإظهار علاقتهم السرية مع اسرائيل الى العلن، متبنياً وصف مسؤول الموساد السابق دغان ان "العرب يستمتعون بالعلاقة معنا في السر كالاستمتاع مع العشيقة، ويخشون افتضاح العلاقة" وقال "سئمنا هذه العلاقة"، مطالباً بضرورة إخراجها للعلن.
وبات ليبرمان يتبنى أكثر فأكثر نظرية ان القضية الفلسطينية ليست المشكلة، فهي بالنسبة له تمثل مشكله في العلاقة مع الاتحاد الأوروبي، أما العرب بالنسبة لليبرمان فلا تعنيهم القضية الفلسطينية ومشكلتهم الرئيسية هي مخاطر التطرف والإرهاب، الذي تمثله حسب ليبرمان، دول محاور ومنظمات، وان اسرائيل تستطيع ان تقدم الكثير للعرب، ويستطيع المال العربي ان يقدم الكثير للتكنولوجيا الإسرائيلية، ويشخص ان ما يمنع خروج العلاقة الى العلن مجرد حاجز نفسي.
ويبدو ان تصريحات ليبرمان الأخيرة الداعية لتبني المبادرة السعودية لها علاقة بإزالة الحاجز النفسي، كما لها علاقة بتعزيز مكانته الزعامية باعتباره صاحب رؤية وأجندة سياسية، "مشكلتنا ليست مع الفلسطينيين وحدهم، المشكلة مع العالم العربي، إنها مشكلة ثلاثية الأبعاد مع الدول العربية، والفلسطينيين، وعرب إسرائيل، ومن أجل الوصول لاتفاق يجب التوصل لحل مع جميع الأطراف في وقت واحد".
طريق ليبرمان للزعامة
ثمة من يرى في ليبرمان نسخة مكررة عن شارون باستثناء انه ليس جنرالاً عسكرياً، لكنهما يشتركان في التطرف والبرغماتية الكبيرة والعلمانية وضعف الأصول الأيديولوجية، لكن شارون ثابر على التمسك بنظرياته الأمنية، وليبرمان لا زال متمسكاً بدوافعه العنصرية (يهودية الدولة، والتخلص من عدد كبير من سكان الـ 48).
يبدو ان ليبرمان وجد في الظروف الحالية، وتحديداً بعد الحرب على غزة وتداعياتها المعروفة، وجمود مفاوضات التسوية؛ فرصة مناسبة له لطرح نفسه كزعيم بديل لزعامة نتنياهو المتآكلة، في ظل غياب الزعامات الحقيقية البديلة لخلافة نتنياهو.
وقد استغل العدوان على القطاع كرافعة تقدمه كزعيم منافس لأول مرة أمام نتنياهو وأمام ورثته المحتملين في "الليكود" يعلون وساعر، وحاول ان يقدم نفسه كزعيم قادر على تمثيل التيار المركزي واليميني الذي يريد دولة يهودية بدون العرب، ويتطلع لتامين مستقبل إسرائيل في المنطقة كدولة قائدة مهيمنة، ومستعد لأن يتحدث عن أفق سياسي في ظاهره جدي وفي جوهره إفراغ لأي مضمون حقيقي.
لا نعتقد ان ليبرمان الذي لا زال يحب ان يظهر كـ "ايفيت الرهيب" ينوي حقاً التبني الفعلي للمبادرة السعودية لحل الصراع العربي الاسرائيلي حتى بدون عودة لاجئين، لكنه يستخدمها في إطار توظيفي لتسويق نفسه على المستوى الداخلي والخارجي كزعيم له أجندة سياسية ورؤية اقليمية برغماتية قادرة على ان تخرج اسرائيل من حالة الجمود السياسي وتجنبها الصدام مع الأسرة الدولية وتقدم أفقاً للتعاون الاقليمي في كل قضايا المنطقة.
وعليه؛ نعتقد ان ليبرمان حزم أمره للتنافس على رئاسة الحكومة، وبات أكثر ثقة من أي وقت، انه الشخص الأكثر قدرة على خلافة نتنياهو، وان هذا أصبح ضعيفاً ومجروحاً وغير قادر على كسب ثقة الجمهور ثانية بعد ان فقدت زعامته بريقها وتحطمت صورته كالرجل الأكثر قدرة على تحدي الإرهاب.
ويمكن التوقع ان تصريحات ليبرمان وسلوكه داخل الحكومة وعلاقاته الحزبية ونشاطه الاجتماعي سيوظف في خدمة تأمين طريقه الى الزعامة وسيكون محكوماً بذلك، وسيسعى ان يفرض بشكل دائم على السجال الداخلي سجالاً ذي أجندة أمنية سياسية، سجال يتهرب منه نتنياهو وليبرمان يجد به رافعته الوحيدة.