القدس المحتلة سمافي الجلسة الأسبوعية للحكومة؛ ناقش الوزراء قضية تعويضات سكان الجنوب "غلاف غزة" في أعقاب الحرب التي انتهت لتوها، وزيرة القضاء تسيبي ليفني سارعت بعرض موقف سيء الحظ من نوع ما "أؤيد هؤلاء السكان لأنهم سيبقون هناك الى الأبد" قالت ليفني، وقصدت على كما يبدو مواطنين آخرين في أماكن أخرى من المتوقع ان عليهم المغادرة في حال حدث اتفاق نهائي مع الفلسطينيين، والذي سيشمل أيضاً تبادل بعض المناطق.
كلمات ليفني أحدثت نوعاً من الجدل في الحكومة "ما هذا الكلام الفارغ" صرخ الوزير يسرائيل كاتس في وجهها، "أنت شخصياً أردت القيام بتبادل هذه الأراضي تحديداً، وإلا فأين توجد مناطق أخرى لنبادلها؟ إذا اقحمت السياسة في النقاش إذاً فأنت تفهمين اليوم ماذا يعني إعادة مناطق من غلاف غزة الى الفلسطينيين، أنت بذلك تقصرين لهم مدى المدفعية والأنفاق".
حاولت ليفني أن تشرح وبحق أنها تتحدث عن وضع اتفاق شامل بين الأطراف، وهنا تكالب عليها التجمع اليميني القابع في الحكومة برئاسة بينيت وأريئيل؛ كلاهما، ومعهما كاتس، هاجموا ليفني، وما أوشكت الحرب ان تنتهي في غزة لتتحدث عن اتفاق سياسي وأمام عالم عربي ممزق، وفلسطينيين يقتتلون فيما بينهم.
ليفني شعرت انها في بث معاد لجلسة الكابنيت التي عقدت الخميس قبل ثمانية أيام؛ حيث صرخ في وجهها وزير الحرب يعلون بعد ان اقترحت ان تقوم إسرائيل بعرض مبادرة سياسية قد تفكك الهجوم الدولي والقضائي الكبير بعد 51 يوم من الحرب الطاحنة في غزة، وفي ظل ما يجري في الجولان السوري واعدامات داعش في العراق لا مكان لسوق الآراء الحرة.
اليسار يشعر اليوم نفس شعور اليمين بعد مقتل رابين؛ لا يستطيعون رفع رؤوسهم، حتى وان كان لديهم ما يقولونه، وحتى ان كانت رسائلهم مهمة وضرورية، فالأجواء المتوترة والعنصرية أحياناً تجابه بشظايا الحرب التي أنتجها اليمين وتعيد المعتدلين في الشعب سريعاً الى الصفوف الخلفية "الحرب لا تفتح عملية سياسية، انما تطوي مخطوطات العملية السلمية القائمة" أعلنت عضوة الكنيست ايليت شاكيد، وهي نصف بينيت الثاني، كما لو أنها تبث بشرى للشعب لا انها تبشر بكارثة كبيرة قادمة باتجاهنا ما لم يكن اتفاق سلام.
حتى رئيس الوزراء نتنياهو انجر الى هذه المسيرة الخطرة، حيث كانت أقواله أثناء الحرب عن الأفق السياسي الجديد والفرصة الدراماتيكية في الشرق الأوسط هرطقة مستحيلة ووعود كاذبة على حدود الاحتيال، في الشجارات الأخيرة في الحكومة والكابنيت بين يعلون وكاتس وبينيت واريئيل من جهة، وبين تسيبي ليفني من الواضح لجانب من يقف نتنياهو.
متمترسون بالوضع الراهن
في ظل هذه الأجواء المتشددة التي تضرب باتجاه واحد يستطيع نتنياهو مصادرة 3800 دونم من الأراضي في الضفة الغربية لصالح توسيع سلسلة المستوطنات من "غوش عتصيون" وحتى القدس، وتحت رداء الحرب سمح نتنياهو لنفسه برفض كل تغريدة سياسية، حتى وان وقف وراءها كيري، في أعقاب الحرب يستطيع نتنياهو ويعلون ان يظلا متمترسيْن بالوضع الراهن الذي يعشقانه بشدة.
نتنياهو ويعلون غير معنييْن بالضائقة الفظيعة في غزة، وهي السبب في آثار الحرب الأخيرة، وهي التي ستسبب الجولة القادمة من الحرب، ان الذي يتحدث عن نزع سلاح غزة مقابل التأهيل الاقتصادي يعرف انه لا يستطيع تحقيق هذا الهدف إلا عبر مسيرة سياسية عميقة هو نفسه غير معني بها، لذلك في محادثات خاصة يتحدث نتنياهو ويعلون كأنهما شخص واحد عن تجميد الاتفاقيات التي تمت من أجل وقف إطلاق النار؛ يعلون مقتنع انه لن يخرج أي شخص للقاهرة مرة أخرى، وانه لن تكون هناك مفاوضات، وهكذا ستفرض على الأرض صيغة "الهدوء يقابل بالهدوء"، أبو مازن عاد بعد انقشاع سحب المعركة الى موقف اللاشريك، لم يجلس معه أحد ليقدم له عملية سلمية جدية، نتنياهو ويعلون يرسلانه الى الجحيم، عفواً الى غزة "لكي يثبت نفسه قبل كل شيء هناك".
ولا يواجه الرجلان معارضة حقيقية؛ فيائير لبيد غير معني حقاً بمصير العملية السلمية، حتى وان بث نصف عبارة هنا أو هناك ضد تأميم المنطقة في "غوش عتصيون"، ليفني تبدو خاملة بالستة مقاعد خاصتها في الكنيست، ورأينا ما حدث لها عندما رفعت أنفها قليلاً من تحت الماء.
نتنياهو أيضاً يتحرك من خلال مخاوفه الوجودية؛ ففي نهاية الاسبوع المنصرم أرسل أوامر نصية عبر الـ SMS لنشطاء مركزيين في "الليكود" مقتبساً نتائج استطلاع شعبيته الأخيرة، وخصوصاً عدد المقاعد المعتبر الذي حصده هو لصالح "الليكود"؛ النص كان متخفياً وغير مباشر ولكنه واضح "أنا الرجل الذي سيجلب لكم النصر مرة أخرى عبر صناديق الاقتراع، لم أذهب لأي مكان، بقيت في اليمين لا يجوز لكم استبدالي".
بهذا الشأن يمكن ان نقتبس عن أحد المقربين من نتنياهو، وقد تحدث عن أفعى برأسين، نهض ليلدغه من الأمام والخلف، ويقصد الرجل جدعون ساعر، الذي حاول ان يرش عليه البوتاس بسبب مواقفه المعتدلة أيام الحرب وداني دانون رئيس مركز "الليكود" الذي حاول ان يلدغه بعد الحرب.
سيجمع دانون مركز "الليكود" بعد أسبوع ونصف الأسبوع في عسقلان، ولكن في حدث يتوقع ان يكون فاشلاً، فنتنياهو لن يقف على صفحتهم، فهو لم ينضم الى "السلام الآن"، بل على العكس، فحتى موشيه فيغلين لم يخرج ضده بعد ان هجر العملية السياسية وضم 4000 دونم لصالح المستوطنات، فمع أصدقاء مثل هؤلاء الذين يحولون الدولة الى ثنائية القومية؛ من يحتاج الى أعداء؟>
ترجمة: أطلس للدراسات


