غزة / سما / قال القيادي في حركة المقاومة الإسلامية حماس المستشار د.أحمد يوسف إن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو ساق إسرائيل إلى حرب خاسرة في قطاع غزة، مؤكدا أن غزة انتصرت بصمودها ومقاومتها وستبقى شوكة في حلق المتآمرين.
وأشاد يوسف خلال حوار خص به الوطن بالموقف القطري من العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، قائلا: «إن ما قدمته قطر من جهد دبلوماسي، وما أظهرته من مواقف سياسية ودعم إنساني صادق للفلسطينيين، قد أغاظ الإسرائيليين وجدع أنوفهم».
وفيما يلي نص الحوار: بعد أكثر من خمسين يوماً من المواجهات الدامية في معركة العصف المأكول، وانتهاء الحرب التي نظر الجميع إليها كانتصار للمقاومة، ما هي رسالتكم لأمتكم العربية والإسلامية؟
- في الحقيقة كان الموقف العربي على المستوى الرسمي في منتهى السلبية والخذلان، وسيجلب الخزي والعار للكثير من الدول التي كانت حكوماتها تتمحك بأن فلسطين هي قضيتها المركزية، ولكنها- للأسف– خذلت شعوبها عندما تقاعست عن القيام بوجب الدعم والنصرة، ولم تسمح في معظمها للجماهير حتى بالخروج إلى الشارع للاحتجاج، والتعبير عن استنكارها للمجازر الدموية، التي ارتكبتها إسرائيل بحق الفلسطينيين في قطاع غزة. ربما كان الاستثناء في المشهد العربي هو ما قامت به دولة قطر الشقيقة من جهد سياسي على المستوى الدولي لوقف العدوان بالتنسيق مع تركيا أردوغان، حيث اعتبر هذا التحرك الدبلوماسي مع بداية العدوان على قطاع غزة هو المحرك لكل الجهود التي أعقبت ذلك.. إن شعبنا ومقاومتنا تقول لكل الذين خذلوها من العرب: شكراً لكم، لقد صبرنا وصابرنا ورابطنا وواجهنا التحدي، وخضنا ملحمة الجهاد والمقاومة وحدنا، وصنعنا بإمكانياتنا العسكرية المتواضعة، وبدماء أطفالنا ونسائنا وكل عزيزٍ علينا ما عجزت عنه جيوشكم الجرارة في معارك سابقة مع إسرائيل، وقهرنا بأسطورة الصمود على ثرى غزة الطهور نتانياهو وجيشه الذي لا يقهر، وذلك في الإلياذة الفلسطينية المعاصرة، والتي غبتم عن نيل شرف المشاركة فيها، بل إن بعضكم كان بمثابة الشريك المتآمر.
إن هذه الحرب أظهرت لنا أننا للنصر والتحرير أقرب، وأن معركتنا المقبلة سنمضي بها عندما تتهيأ أمتنا العربية والإسلامية كي نخوضها معاً.. نعم؛ أمتنا اليوم تبدو مكلومة ومتعثرة، والكثير من دولها مشغولة بهمومها الداخلية وغياب الاستقرار فيها، ولكننا نطمع أن تتعافى في الغد القريب لنمتشق الحسام معاً، وننادي يا خيل الله اركبي.
إن هذه الحرب العدوانية السافرة التي بدأتها إسرائيل الدولة المارقة في الثامن من يوليو الماضي، وارتكب فيها جيش الاحتلال أبشع الجرائم بحق الإنسانية، التي طالت البشر والحجر والشجر في مشاهد دامية حية، التقطت نبضاتها كاميرات أكثر من ألف صحفي أجنبي وفلسطيني، كانوا يلاحقون بعدساتهم دقائق العدوان وأبعاد الجريمة في كل حي ومدينة، وهي كلها شواهد كافية لملاحقة إسرائيل ومطاردة جنرالات الحرب فيها في المحاكم الدولية لسنوات مقبلة.
والآن لنبدأ الحديث عن المفاوضات، والتي أعلن عن فشلها في الجولة الأولى بالقاهرة.. برأيك لماذا فشلت تلك المفاوضات؟
- إن فشل مفاوضات الجولة الأولى بالقاهرة جاء نتيجة للتعنت الإسرائيلي، حيث إن حكومة نتانياهو كانت تريد أن يرضخ الجميع لشروطها، وأن حالة الوهم بالانتصار هي ما دفعها إلى الاعتقاد بأن شوكة المقاومة قد انكسرت، وأن حجم الأرواح التي أزهقت، والدماء التي سالت، والدمار الهائل الذي طال الحجر والشجر سوف يدفع الفلسطينيين للتراجع عن مطالبهم بوقف العدوان ورفع الحصار. إن إسرائيل راهنت على الموقف العربي الرسمي المتخاذل، والذي ظهر– وا أسفاه- وكأنه متواطئ مع الحكومة اليمينية المتطرفة في إسرائيل باستهداف المقاومة الإسلامية، وإخراج حركة حماس من مربع الحكم والسياسة، ورسم ملامح لمستقبلها بأنها كانت وراء ما لحق بالفلسطينيين من قتل ودمار.
للمقارنة فقط؛ ففي نوفمبر 2012م، وفي ظل أجواء الربيع العربي والإحساس بأن هناك أمة عربية تقف خلف المقاومة في فلسطين، لم تجرؤ إسرائيل على التوسع في عدوانها على قطاع غزة، إذ كانت النتيجة بعد أسبوع واحد من الحرب هي الاندحار والانسحاب الذليل، وتوقيع اتفاق حقق للمقاومة شروطها. كان الاتفاق برعاية مصرية، حيث كانت الوقفة الشجاعة للرئيس محمد مرسي – آنذاك - وبإسناد من دول عربية وإسلامية كتركيا وقطر، لمؤازرة أهل غزة والعمل باتجاه التأثير على الرأي العام الغربي، وتحريك المجتمع الدولي لممارسة الضغط على إسرائيل، وإجبارها على وقف الحرب والتفاوض على شروط المقاومة.
غياب الموقف العربي الموحد، والتواطؤ الذي ظهر عليه البعض وكأنه خنجر في خاصرة المقاومة، هما السبب وراء تمادي إسرائيل في عدوانها وفشل مسعى المفاوضات، وفي الجولة الثانية أدركت إسرائيل أن المقاومة عصية على الكسر، لذلك تراجعت عدة خطوات، وعادت لقبول ما سبق لها أن رفضت النقاش حوله والاتفاق عليه.
هل كانت حماس فعلاً وراء فشل الجولة الأولى من المفاوضات، وذلك من خلال إصرارها على شروطها؟
- إن الشروط المعروضة– آنذاك- على طاولة التفاوض كانت هي مطالب مشروعة، وهي تعبر عن الموقف الموحد للكل الوطني والإسلامي، وإن ما كانت تحاول بعض الأطراف تظهيره وكأنه موقف خاص بحركة حماس هو شيء منافٍ للحقيقة.. إن مقترح الاتفاق الذي تم تداوله قبل أن تنكث إسرائيل التهدئة بساعات كان يحمل بعض التطمينات والإشارات الإيجابية، وقد صدرت الكثير من التصريحات التي تشي بذلك من عددٍ من شخصيات وفد التفاوض، ولكن يبدو أن إسرائيل استغلت وصولها إلى معلومات استخباراتية حول مكان تواجد القائد العام لكتائب القسام، الأخ محمد الضيف وآخرين من القادة العسكريين، فنقضت العهد، وأحبطت ما كان لدى البعض من تفاؤل بقرب التوصل لاتفاق.
إن عملية الترويج التي قام بها بعض المغرضين بتحميل حماس فشل مفاوضات الجولة الأولى، إنما هو محاولة بائسة للتضليل والتدليس على الفلسطينيين، بهدف إيغال صدورهم على الحركة التي قادت مشروع الجهاد والمقاومة، وقد كانت رد فعل الشارع بعد توقيع الاتفاق هي تصويت شعبي واسع على مكانة المقاومة ومنزلتها بين الفلسطينيين.
هناك من يقول بأن مصر هي من شددت الحصار على قطاع غزة، من خلال هدم الانفاق، وهي كانت تميل للجانب الإسرائيلي خلال المفاوضات في محاولة للضغط على حماس.. كيف تعقب؟
- في الحقيقة، مثل هذه الأقوال يتم ترديدها بشكل كبير في الكثير من وسائل الإعلام العربية، وكذلك داخل الشارع الفلسطيني في الوطن والشتات، والذي يغذي مثل هذه الأقوال– للأسف– ويمنحها القبول والمصداقية، هو ذلك الإصرار من قبل الجانب المصري على تقييد حركة المسافرين من وإلى قطاع غزة عبر المعبر، وكذلك وضع القيود أمام دخول المساعدات الإنسانية، وعدم السماح لحملات التضامن المقبلة من العديد من البلاد العربية والإسلامية والدول الغربية لنصرة الشعب الفلسطيني بالوصول إلى قطاع غزة.. والشيء المثير للاستغراب والعجب، أن إسرائيل كانت تظهر التسامح- أحياناً- لبعض قوافل الإغاثة المقبلة من تركيا والكويت والبحرين بالمرور، من خلال معبر كرم أبوسالم الخاضع للسيطرة الإسرائيلية.! في حين كان يأتي الرفض من جهة الشقيقة مصر!.
فيما يتعلق بهدم الأنفاق، وأثر ذلك على تشديد الحصار الإسرائيلي الظالم على قطاع غزة، فهذه مسألة لها بعدان، الأول؛ وهو الخاص بالأمن القومي المصري، وهذه قضية لا نعترض عليها وأظهرنا تفهماً ورغبة عالية بالتنسيق للحفاظ على أمن مصر واستقرارها، والثانية أن الأنفاق تمثل الآن شريان حياة اقتصادي للفلسطينيين، وإغلاقها دون توافر البديل سيجعلنا نعاني من ضغوطات الحصار وويلاته. ولكن– للأسف– لم تجد مناشداتنا تلك طريقاً لآذان الأشقاء في مصر، وهذا ما يجعل الكثير من الفلسطينيين يتشككون في جدية الوساطة المصرية ونزاهتها، والنظر إلى مصر- ودورها كوسيط- باعتبارها جزءاً من المشكلة، وليست الطريق إلى الحل.
الاحتلال عمد خلال التهدئة الـتي سبقت قصف منزل القيادي بالقسام محمد ضيف إلى خرق تفاهمات القاهرة عبر انسحابه المفاجئ وخرق التهدئة.. برأيك هل الاحتلال أراد من ذلك تحجيم الدور المصري؟
- في الحقيقة أن تكرار اللجوء إلى التهدئة دون التوصل إلى أية حلول، قد تسبب في حدوث ترهل أمني أدى إلى انكشاف خطوط التواصل مع بعض القيادات، وتوجيه ضربات قاتلة لهم، وهذا الانسحاب المفاجئ لوفد التفاوض الإسرائيلي، وما أعقبه من عودة إلى ساحات المواجهة والعدوان، إنما هو تعبير عن غياب حالة التقدير والاحترام لطرف الوساطة المصرية.. للأسف، كانت هناك شخصيات إسرائيلية تردد بأن هناك دولاً عربية متواطئة معها للقضاء على حماس، وتذكر مصر على وجه التحديد، ولم نسمع اعتراضاً مصرياً على ذلك، وهذا كان بالنسبة لنا إهانة لمصر لا نرضاها.
فيما يخص الهدنة التي تم إعلانها قبل التوصل إلى قرار وقف النار النهائي، هناك من قال إن موقف كتائب القسام لم يكن متسقا تماما مع موقف وفد حماس المفاوض في القاهرة؟
- إن حماس هي حركة تؤخذ قراراتها عبر مؤسساتها الشورية، ومكتبها السياسي فيه تمثيل واسع للجميع، فليس هناك قرار عسكري أو موقف سياسي يتم دون مشاركة الجميع.. وكل ما سبق الإعلان عنه من أشكال التهدئة إنما جاء عبر اتفاق الوفد الفلسطيني الموحد، والتي لوفد حماس حظ وافر فيه. لكن جرت العادة في مثل هذه الظروف الصعبة أن تقوم جهات مشبوهة بترويج مثل هذه الادعاءات، وذلك بهدف خلق بلبلة داخل الصف الحمساوي، وإظهار حركة حماس وكأنها ليس على قلب رجل واحد أو موقف موحد.
هل تعتقد أن حكومة نتانياهو أمام مأزق بسبب طول مدة الحرب على غزة؟
- هذه قضية لا يختلف عليها اثنان، فهناك وجهات نظر إسرائيلية متضاربة في مواقفها، ويشهد على ذلك تلك التصريحات المتنافرة، والتي يحاول فيها كل طرف حزبي داخل التحالف الحاكم أو في الكابينيت (المجلس الأمني الاستشاري المصغر) توجيه الاتهام إلى نتانياهو وتحميله إخفاق الحملة العسكرية من تحقيق أهدافها، وعجزها عن التقدم وإعادة احتلال قطاع غزة. لا شك أن حجم الخسائر التي تكبدها الجيش الإسرائيلي خلال الحرب البرية، وارتفاع نسبة القتل في الأطفال والنساء، والاستهداف العشوائي للمدنيين في مجازر هي بمثابة جرائم حرب وانتهاك فاضح للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، سوف تضع نتانياهو وجنرالات حربه أمام تحقيقات ستطيح بأركان حكمه من ناحية، وستجر الكثير من المسؤولين السياسيين والعسكريين الإسرائيليين إلى محاكم جرائم الحرب في أوروبا، كما أن صورة إسرائيل التي تم تسويقها عبر ماكينتها الإعلامية كدولة ديمقراطية تحترم حقوق الإنسان، أصبحت- الآن- في مهب الريح، حيث أظهرت الصور التي تناقلتها وسائل الإعلام الفلسطينية والغربية حجم الجرائم والمجازر، التي ارتكبها جيش الاحتلال بحق سكان قطاع غزة، والتي تفوقت في دمويتها وبشاعتها كل ما سبق من حروب لدول استعمارية مارقة عبر التاريخ.
برأيك ما الخيار الأمثل أمام نتانياهو للخروج من هذا المأزق؟
- ليس هناك اليوم أمام نتانياهو أية خيارات لإنقاذ نفسه أو حكومته.. وعندما تضع الحرب أوزارها بشكل كامل، وتبدأ المراجعات ولجان التحقيق عملها، فسيجد نفسه أمام أسئلة الشارع الإسرائيلي التي لا تنتهي، حيث لم يحقق لهم الأمن والأمان، بل عمل على تعميق الجرح مع الفلسطينيين، وفشل في تحقيق السلام مع الرئيس أبومازن، بالرغم من كل التنازلات التي قدمها الجانب الفلسطيني له، وساق إسرائيل وجيشها إلى مواجهات خاسرة مع المقاومة، أذهبت بهيبته، وتلاعبت بأسطورته كجيش لا يقهر، كما أنها عمقت أشكال الكراهية والعداء لدى الفلسطينيين، وأعادت الصراع إلى بداياته الأولى كصراع وجود، منطوقه «إما نحن أو هم».
هناك من يقول إنه كان يجب على حماس ألا تقبل بوساطة عربية وأن تلجأ لوسيط آخر مثلا تركيا وجنوب أفريقيا؟ هل تعتقد أنه كان بالإمكان اللجوء لوسيط آخر غير مصر؟
- الحقيقة أن تجاوز مصر كان سيعمل على تعقيد الموقف وإطالة أمد الحرب، وإفشال أي تفاهمات يمكن التوصل إليها، باعتبار مكانة مصر وموقع الجوار الجغرافي، وأننا جزء من ملف الأمن القومي المصري.. لقد كان أملنا أن نجمع إلى دور مصر وجهدها ما يمكن أن تقدمه كل من تركيا وقطر من عوامل تأثير وإسناد على المستويين الإقليمي والدولي، ولكن الخلاف القائم بعد إقصاء الرئيس محمد مرسي عن الحكم في يوليو 2013م، وما تم اعتباره والنظر إليه على أنه انقلاب على الشرعية، جعل من الصعوبة التنسيق بين هذه الدول الثلاث، لذلك عملت مصر وحدها، ونحن لم يكن لنا ضمن الموقف الفلسطيني الموحد اعتراض على ذلك، بالرغم من حساسية العلاقة مع الشقيقة مصر، والسهام التي تلقيناها بسبب انتمائنا الإسلامي وعلاقتنا التاريخية بحركة الإخوان المسلمين.
ما الخيارات المتاحة أمام حماس مستقبلا؟
- لا شك أن قدرة حماس على تحمل همجية العدوان كانت كبيرة، وعملت على تسديد ضربات موجعة عسكرية واقتصادية لإسرائيل وهذا سيردع أي محاولات مستقبلية لتهديد أمن غزة، وقد اكتشف الإسرائيليون في حروبهم الثلاث مع المقاومة الفلسطينية أن هناك تطوراً كبيراً على مستوى الإعداد العسكري والأمني والمفاجآت في ميدان المواجهات.
إن بإمكان المقاومة لو عادت إسرائيل الكرة أن تمضي في شل الحياة داخل إسرائيل، وخلق حالة من الفزع الدائم للسكان، واستنزاف قدرات إسرائيل الاقتصادية وتعطيل السياحة فيها، وجعلها تنزف بوجع خشية صواريخ المقاومة وكمائن الأنفاق كما ننزف نحن نتيجة الاحتلال والحصار.. إن القادم سيكشف بأن المقاومة كانت على حق، وأن إسرائيل لا يردع عدوانها بالفعل إلا القوة، وأن من حق شعبنا أن يعيش بكرامة، وأن يتحقق حلمه في التحرير والعودة.
وبالنسبة لخيارات حماس المستقبلية، فهي الحفاظ على وحدة الصف الوطني الفلسطيني، والعمل ضمن شراكة سياسية لا تستثني أحداً، وفي إطار توافق وطني وحرص على تعزيز التواصل مع العمق العربي والإسلامي، والانفتاح على المجتمع الدولي وتوطيد أواصر الصداقة مع منظمات المجتمع المدني وحركات التضامن في الغرب، وتفعيل كافة أشكال المقاومة المشروعة التي تشكل ضغطاً على الاحتلال، وتخدم مسارات التفاوض واستراتيجياته إلى أن يتحقق لشعبنا أمله في التحرير والعودة.
ما الجديد في أداء المقاومة الفلسطينية خلال الحرب؟
- ربما نجحت المقاومة هذه المرة في تقديم ثلاث مفاجآت كانت وراء هذا الصمود والتمكين لها في تحقيق ملحمة بطعم الانتصار، وهذه المفاجآت تتمثل في: أولا، قدراتها الصاروخية التي طالت كل المدن والبلدات الإسرائيلية، وهددت كل الأماكن الاستراتيجية والأمنية والمرافق الاقتصادية، كالمطارات ومنصات محطات الغاز في البحر، وكذلك المواقع والثكنات العسكرية في غلاف قطاع غزة، من خلال صواريخ M75، R160، J80، وهي قدرات لم تتوقعها إسرائيل، حيث إنها فرضت حصاراً على حركة حماس، وطاردت كل مصادر تمويلها في كل دول الجوار. ثانيا، الأنفاق الحربية وهي التي مكنت المقاومة من إخفاء تحركاتها، ونقل المعركة إلى العمق الإسرائيلي، والوصول إلى خلف خطوط القتال والدخول في مواجهات مسلحة وجهاً لوجه، وإيقاع خسائر فادحة في صفوفه. والأمر الثالث، أن العقيدة الأمنية للكتائب بأن هذه المعركة هي على طريق نيل الحرية والاستقلال، وأننا اليوم «نغزوهم ولا يغزوننا».. فالوحدات الخاصة كانت على كفاءة قتالية ونجحت في القيام بعمليات عسكرية نوعية، وتسديد ضربات موجعة لوحدات النخبة بالجيش الإسرائيلي.
هناك من قال إن إسرائيل وجهت ضربة كبيرة للقسام باغتيال ثلاثة من قياداته.. هل تتفق مع هذا القول؟
- أولاً هذه مقولة تفتقد إلى ما يثبتها، فلقد قدمت حركة حماس طوال مسيرتها الكثير من قادتها العظام من سياسيين وعسكريين، وأثبتت الوقائع أنه كلما نجحت إسرائيل في اغتيال قائد كان يخلفه من هو قادر على أن يأتي بالجديد في ميدان التصنيع الحربي وإدارة المعارك وصد العدوان؛ لقد اغتالوا يحيى عياش مهندس العمليات الاستشهادية، ليخلفه صلاح شحادة والدكتور عبد العزيز الرنتيسي، ثم كان هناك أحمد الجعبري ومحمد الضيف، حيث عملا معاً على تطوير إمكانيات الكتائب في مجال صناعة الصواريخ وحفر الأنفاق، وما زال هذا الجيل يقود المعركة ويحقق الإنجازات.. فغياب قائد مثل رائد العطار ومحمد أبوشمالة، وهما من الرعيل الأول لكتائب القسام، لن يؤثر إستراتيجياً على قدرات الكتائب، لأن هناك المئات ممن تدربوا على أيديهم، وهم اليوم حماة الثغور والمرابطون على خط النار.
عباس قال إنه سيفجر مفاجأة سياسية خلال أيام.. برأيك ماذا ستكون هذه المفاجأة؟
- من المعروف عن الرئيس أبومازن أنه لا يميل إلى المواجهات العسكرية، ولا يعتمد أشكال العنف في تناولاته السياسية، فليس معروفاً عنه أنه «مُسعِّر حرب»، فكل خياراته سياسية وليس بالضرورة عليها إجماع فلسطيني.. هناك حديث عن تأكيد الرغبة لطلب الحماية الدولية، وهناك تسريبات عن عرض سياسي لحل ينهي الصراع، ونحو ذلك.
ما ردك على اشتراط الاحتلال خلال المفاوضات السابقة نزع سلاح المقاومة؟
- هذا مطلب غير مشروع، إذ من حق شعبنا تحت الاحتلال أن يناضل بكل الإمكانات المتاحة لتقرير مصيره، وهذا ما منحه القانون الدولي للشعوب تحت الاحتلال.. لذلك فإن إسرائيل تعلم أن هذا شرط لا يمكن الوصول إليه عبر المفاوضات ولا في المحافل الدولية؛ لأن فلسطين الآن دولة محتلة.
كيف تنظر للموقف القطري خلال العدوان؟
- إن ما قدمته قطر من جهد دبلوماسي، وما أظهرته من مواقف سياسية ودعم إنساني صادق للفلسطينيين، أغاظ الإسرائيليين وجدع أنوفهم، لذلك كانت تلك الحملة المسعورة في الإعلام الإسرائيلي على سمو الأمير القطري الشيخ تميم بن حمد آل ثاني واتهامه بدعم الإرهاب.!! وكذلك على قناة الجزيرة الفضائية. ولقد كان مشهداً مثيراً للسخرية والضحك عندما وقف مندوب إسرائيل في الأمم المتحدة مطالباً المجتمع الدولي بمعاقبة قطر؛ باعتبار أنها تدعم حركة حماس (الإرهابية).!! وإذا كانت الدول في سياساتها كما الإنسان موقف، فإن التاريخ العربي سيسجل لقطر وأميرها الشجاع أنها وقفت معنا، وكان لها سهم خير فيما تم تحقيقه من انتصار.
كيف تقيم أداء قناة الجزيرة خلال الحرب على غزة؟
- من الجدير ذكره القول بأن فضائية الجزيرة قد تفوقت على نفسها بأدائها الرائع وأطقمها في الميدان، التي نالت السبق في كل التغطيات.. فالجزيرة اليوم هي الذراع الضارب للدفاع عن الحق الفلسطيني، وهي سهم المظلومين والمستضعفين في الأرض.
لقد شاهدنا تفوق فضائية الجزيرة في تغطية العدوان على غزة في عملية الرصاص المصبوب 2008 - 2009م، حيث نجحت في سد الفراغ الإعلامي بسبب منع إسرائيل لوسائل الإعلام الغربية من الوجود بقطاع غزة، ونالت الكثير من الاحترام والمصداقية لدى المشاهد الغربي الذي اعتمد تغطياتها باللغة الانجليزية وفضلها على مشاهدة كل من تليفزيون (BBC) وكذلك (CCN).
وفي حرب إسرائيل الأخيرة على غزة أو ما أطلق عليه عملية الجرف الصامد، أبدعت طواقم الجزيرة في قطاع غزة، وعبر كل محطات التغطية الخاصة بها في نقل مباشر للحرب على مدار الساعة، وتقديم قراءات وتحليلات مميزة للأحداث، وكانت عيون الجزيرة هي الشاهد الأول على حجم المجازر وجريمة العدوان الهمجي على قطاع غزة.
إن هذا التألق والإبداع والمهنية العالية في التغطية الميدانية لفضائية الجزيرة، يعتبر اليوم مدرسة للإعلاميين العرب، وفصلا متميزا يتم تدريسه في مادة الإعلام الدولي في الكثير من المعاهد والجامعات.
نتانياهو قال إن حماس لا تحظى بدعم عربي وإسلامي؟
- هذا قول مردود عليه، فالشعوب العربية والإسلامية تنظر لفلسطين باعتبارها قضيتها المركزية الأولى، ولطالما وقفت معنا بالروح والدم في أكثر من معركة سابقة، ولكن المشكلة في النظام العربي البائس، والمشغول بهمومه ومخاوفه الداخلية، وهو يتوجس من كل حراك شعبي يخرج إلى الشارع خشية الانقلاب عليه.. ولذلك، تجد الكثير من هذه الأنظمة قد وضعت من القيود ما يمنع مثل هذا الحراك، وبقطع الطريق أمام إظهار التعاطف الجماهيري الواسع مع الفلسطينيين، باستثناء دول مثل: تونس والمغرب والأردن واليمن، وإن كانت تحركات الاحتجاج في تلك الدول قد جاءت متواضعة وعلى استحياء، وليس بالقدر والانفعال والضخامة التي تعودنا عليها في حروب سابقة مع إسرائيل.
العالم يدير ظهره لحقوق الإنسان في غزة.. هل من كلمة في هذا الشأن؟
- هذا العالم ظالم في أحكامه وسياساته، وهو الذي أعطى الذريعة لإسرائيل لأن تتصرف كدولة فوق القانون، حيث لم تحاسب على جرائمها السابقة بالرغم من وجود الأدلة الكافية على ذلك، وقد شاهدنا في تقرير جولدستون كيف أدينت إسرائيل بارتكاب جرائم حرب ولكنها نجت من المتابعة والعقاب، ومن ناحية ثانية فإننا نتحمل أيضا جزءاً من المسؤولية لأننا حتى اليوم خارج بعض المعاهدات الدولية، والتي يؤهل توقيعنا عليها لجلب الإسرائيليين إلى محكمة الجنايات الدولية في لاهاي.
إن حجم جرائم الحرب التي ارتكبتها إسرائيل في عدوانها الأخير على قطاع غزة لن يدعها تفلت من العقاب هذه المرة.
لماذا برأيك يحاول نتانياهو دائماً اللعب بورقة الإرهاب، والربط بين داعش وحركة حماس؟
- نتانياهو ومنذ ظهوره السياسي في أوائل التسعينيات، وهو يحاول اللعب على ورقة التطرف والأصولية الإسلامية، باعتبار أن سقوط الاتحاد السوفياتي وانتهاء الحرب الباردة قد أفرغ إسرائيل من قيمتها الاستراتيجية كحليف لأميركا في منطقة الشرق الأوسط. لذلك، فهو المُنظّر لفكرة «الأصولية الإسلامية هي الخطر المقبل»، وقد تناول هذه الفكرة والادعاءات في أكثر من كتاب له.. ومنذ أحداث 11 سبتمبر 2001م، التي استهدفت برجي التجارة العالمي والحديث عن الإرهاب الإسلامي هو معزوفة نتانياهو المفضلة، وقد سبق له القيام بتشبيه حركة حماس بالقاعدة، والأخ خالد مشعل بأسامة بن لادن، ليُذكر أميركا بأن إسرائيل تشاركها حربها على الإرهاب.. كان نتانياهو يحرص- دائماً - على ربط إسرائيل بأميركا، والتأكيد على أن الطرفين يخوضان معركة واحدة في الحرب على الإرهاب.
اليوم في مشهد المواجهة مع الغرب، يقف تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) كتهديد للمصالح الأميركية بالمنطقة، ولذلك يحاول نتانياهو أن يبرر عدوانه على غزة وارتكابه جرائم حرب تحت ذريعة أنه يقاتل حماس (الإرهابية).!! كما تقاتل أميركا داعش بالعراق، وهذه لعبة مكشوفة لم تعد تنطلي على أحدٍ في العالم، حيث إن حماس هي حركة تحرر وطني براية إسلامية، وهدفها هو التخلص من الاحتلال، وهي بعيدة في ممارساتها السياسية عن كل مظاهر التطرف والإرهاب.


