خبر : تصميم محدود الضمان \ بقلم: عاموس هرئيل \ هآرتس

السبت 21 يونيو 2014 06:54 م / بتوقيت القدس +2GMT



بعد سنة في المنصب، في موعد ما هناك في الثمانينيات، قال أحد مسؤولي الادارة المدنية الاسرائيلية في الضفة الغربية لضباطه "فهمت ما نفعله هنا: نحن نغلق مكاتب كي يكون لنا في المستقبل ما نفتحه، ونفتح مكاتب كي يكون لنا هنا ما نغلقه".

هذا هو بايجاز ما تفعله اسرائيل الآن في بداية الاسبوع الثاني من حملة "عودوا أيها الاخوة" في المناطق. وحتى أمس ليلا لم يتحقق الهدف الاساس من العملية – العثور على الفتيان الثلاثة الذين اختطفوا في غوش عصيون والمس بخلية الاختطاف من حماس. في الجيش والمخابرات لا يزالون يبحثون عن اختراق في الطريق، قطعة معلومات ذات صلة أو ايقاف بالصدفة لأحد المارة في الحواجز يأتي في أعقابه حل لغز القضية. كانت لحظات هذا الاسبوع بدا فيها تحقيق الهدف قريبا، ولكن الأمل تبدد. اذا كان الخاطفون مسوا بالفتيان وهؤلاء لم يعودوا على قيد الحياة مثلما حصل في الكثير من حالات الاختطاف السابقة في الضفة، فمن شأن استكمال لوحة اللغز الاستخبارية أن تكون أصعب.

كلما كان الانجاز المطلوب الاساس يتأخر تتعاظم الحاجة، لدى القيادة السياسية ولكن بقدر ما العسكرية ايضا، لعرض انجاز بديل. وهكذا ولدت المعركة ضد حماس ومعها اجتياحات مكاتب الجمعيات الخيرية، اتحاد الطلاب ومحطات الاذاعة. لا شك أن معظم الاهداف التي اجتاحها الجيش الاسرائيلي في الايام الاخيرة ترتبط بحماس والاغلبية الساحقة من الـ 300 معتقل فلسطيني في الاسبوع الاول من الحملة هم اعضاء الحركة. ولكن يمكن الاثبات بأن قلة قليلة فقط منهم ضالعة في الارهاب بشكل فاعل. واغراق الضفة بقوات الجيش جاء لزيادة احساس الامن لدى المستوطنين وبث الفعل العملياتي. أما صلته بايجاد الخاطفين فهزيلة. هذه الجهود تجري أساسا في المحور الذي بين المخابرات، شعبة الاستخبارات في الجيش والوحدات الخاصة وتتركز بقدر ما هو معروف في منطقة الخليل. في هذه الاثناء، في ظل غياب المخطوفين، ينشغلون بالاحصاءات: كذا وكذا مشبوهين اعتقلوا، كذا وكذا مكاتب أغلقت وحواسيب صودرت.

الادعاء بأن الامر سيؤدي بالضرورة الى اضعاف حماس ليس مقنعا. والمصلحة الاكثر وضوحا في مكافحة النشاطات المدنية – السياسية لحماس هي للسلطة الفلسطينية. وقد فعلت ذلك جيدا في الفترة ما بين 2008 و2013 ولهذا فان اسرائيل لم تتدخل في ذلك تقريبا وركزت على اعتقال اعضاء الذراع العسكري لحماس (ليس جميعا على ما يبدو استنادا الى الاختطاف الاخير). وابطأت السلطة الوتيرة في الاشهر الاخيرة، على خلفية اتفاق المصالحة. يحتمل أن تستأنف الجهود بسبب غضبها على حماس التي ورطتها في قضية الاختطاف. ولكن اعلان الحرب الاسرائيلية على حماس يجب أن يكون مسنودا بتخطيط بعيد المدى وبصبر، وهما خصلتان لا تبديهما اسرائيل بشكل عام. وينبغي أن نعزي لاعلانات القيادة عن التصميم والمثابرة بأنها محدودة الضمان. فالظروف تتغير والتعقيدات التي لم يتم توقعها مسبقا يمكنها أن تؤثر على استمرار الحملة. قطاع غزة مثلا لا يزال هاديء نسبيا، ولكن نشر بطاريات القبة الحديدية في الجبهة الداخلية يشهد على أن الجيش الاسرائيلي غير مقتنع بأن الاجواء هناك ستبقى مشابهة. والاحباط الاسرائيلي من انعدام النجاح في الضفة كفيل هو الآخر بأن يؤدي الى إثقال اليد على حماس في غزة.

في 2001، في السنة الاولى من الانتفاضة الثانية، انطلق الجيش الاسرائيلي الى حملة رد في شمال القطاع بعد النار الاولى من غزة نحو سدروت. قائد العملية، العميد يئير نفيه، سُئل كم من الوقت ستستغرق. "قدر ما يلزم: ايام، اسابيع وحتى اشهر"، أجاب نفيه، وفقا للرسائل التي تلقاها من قادته. بعد بضع ساعات، تدخلت الادارة الامريكية وحكومة شارون اضطرت الى التراجع. في غضون أقل من يوم كانت كل القوات خارج القطاع. لاحقا، ولا سيما بعد عمليات 11 أيلول في الولايات المتحدة، جاءت عمليات طويلة وكثيفة أكثر بكثير قام بها الجيش الاسرائيلي في القطاع، ولكن هذه باتت قصة اخرى.

الى جانب محاولة العثور على المخطوفين، فان "عودوا أيها الاخوة" هي ايضا حملة تحركها رغبة الثأر على جريمة وحشية ضحاياها فتيان صغار. ولكن ينقص اسرائيل اهداف للهجوم. فلم يتبق في الضفة الكثير من المطلوبين من الذراع العسكري لحماس ممن هم معروفون للمخابرات الاسرائيلية؛ وإلا فقد كانت اسرائيل أو اجهزة أمن السلطة قد اعتقلتهم منذ زمن بعيد. والآن تضغط القيادة السياسية في اسرائيل على جهاز الامن كي يرفع لها اهدافا جديدة وهو يعثر على مزيد فالمزيد من مكاتب "الدعوة"، البنية التحتية الخيرية المدنية لحماس.

تبدو الفرضية الاساس للخطوة مهزوزة. فالذاكرة الجماهيرية قصيرة. اسرائيل بادرت الى حملات واسعة ضد "الدعوة" في الضفة حتى بعد اختطاف جلعاد شليط في 2006 وسيطرة حماس على القطاع بعد نحو سنة. بعض من صناديق الوثائق التي صودرت في حينه لم تُفتح بعد. وتوجد صعوبة كبيرة في ترجمة المعلومات التي ستُجمع في هذا المجال الى أدلة قانونية أو مكسب اعلامي. مطلوب لذلك محققو مخابرات، شرطة، رجال نيابة عامة وناطقات باللسان، ولكن الاجهزة لا تنسق بينها حقا والأولان على الأقل منشغلان الآن وعن حق، في مطاردة الخاطفين.

معقول أنه في غضون بضعة ايام سيبدأ محامو رجال حماس في رفع الالتماسات الى محكمة العدل العليا والمطالبة بتحريرهم واعادة الحواسيب المصادرة. "الجهاز الفلسطيني متقن جدا. وحماس تعرف كيف تخلف قليلا من الآثار في الاعمال المالية"، يقول ضابط انشغل في ذلك سنوات عديدة. "الضربة الواسعة للاهداف المدنية لن تُقبل على مدى الزمن بهدوء من الجمهور الفلسطيني. وهذه العملية ستعزز فقط وصمة العمالة التي تلصقها حماس بالسلطة".

قالت مصادر امنية لـ "هآرتس" أمس إنه بتقدير الاستخبارات الاسرائيلية أحدث الاختطاف شرخا بين السلطة وحماس سيؤدي عمليا الى توقف مسيرة المصالحة الفلسطينية. ولا يزال يبدو أن على اسرائيل أن تكبح جماح توقعاتها. فهل لن تتوقف الحملة الى أن يتراجع عباس علنا عن اتفاق المصالحة؟. شخص أدى في الماضي مناصب رفيعة المستوى جدا في أسرة الاستخبارات قال في هذا الاسبوع إن توسيع الانشغال الاستخباري الى المعركة المدنية ضد حماس يمس بالجهود للعثور على المخطوفين. "فايجاد الفتيان هو الهدف رقم واحد وعليه يجب تركيز كل الجهود. كل ما تبقى هو صرف للانتباه، يفوت الامر الأساس"، إدعى قائلا. بتعبير آخر – فان هذا ادعاء له اسناد ايضا داخل الجيش – هدفا الحملة يتعارض الواحد مع الآخر.

لقد تم توسيع اهداف الحملة دون أي رقابة جماهيرية. وبمرور اسبوع لم يكلف رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو نفسه عناء عقد لجنة الخارجية والامن في الكنيست. هذه عودة الى الايام البشعة للرقابة البرلمانية الصفر في حرب لبنان الثانية. النائب ايتان كابل من العمل قال أمس إنه "نشأ الانطباع بأن نتنياهو يفعل كل ما في وسعه كي يتملص من واجب تبليغ اللجنة. في ازمة بهذا الحجم كنت أتوقع أن يتحدث معنا". في الكنيست كان هذا الاسبوع من فحص ووجد أن في حرب يوم الغفران، خلافا لما هو الان، جاءت لرئيسة الوزراء غولدا مائير الى اللجنة منذ اليوم الثاني من القتال – وفي حينه كان الحديث يدور عن معركة حياة وموت، وليس في التردد في مسائل سياسية – استراتيجية اساسا، مثل استمرار العملية واهدافها او خطة الخروج الاسرائيلية.

مخربون – الجيل الجديد

عماد القواسمي كان رئيس الذراع العسكري لحماس في الخليل. وكان مسؤولا عن اطلاق مخربين انتحاريين الى عملية في بئر السبع في 2004، حيث قتل 16 شخصا. بعد نحو شهرين من ذلك اعتقلته قوة من الجيش الاسرائيلي. وليس كمعظم رفاقه في قيادة الارهاب في تلك السنوات، سلم القواسمي نفسه دون قتال. نشرت صورته، وهو يخرج في لباسه الداخلي ومرفوع اليدين نحو الجنود مما الحق حرجا ما لحماس في حينه. وكان القواسمي اختبأ لفترة طويلة في فضاء ضيق حفر تحت بيت في قصبة الخليل. طفل فلسطيني فضولي لاحظ نشاطا مشبوها تحت البيت ادى بالخطأ الى القبض عليه.

مدينة الخليل والقرى المحيطة بها مليئة بمثل هذه الفضاءات والكهوف، يمكنها أن تشكل اماكن اخفاء للمطلوبين والمخطوفين. قبل بضع سنوات اكتشف الجيش الاسرائيلي نفقا طويلا حفر من مركز المدينة الى شمالها واستخدمته حماس. في حالة اخرى اكتشف فضاء تحت ارضي كبير استخدام للتدرب على اطلاق النار بالمسدسات. وكانت خلايا حماس العسكرية في منطقة الخليل مسؤولة عن الكثير من العمليات الفتاكة في الانتفاضة الثانية وقبل ذلك، في عهد الاتفاقات المرحلية في التسعينيات. وتبين مرات عديدة بانهم عملوا من تلقاء ذاتهم. فقد جاءت التوجيهات من القيادة في الخارج، ولكن الخلايا نفذتها بالالوان التي تريحها. واكتسب رجال حماس من الخليل عند المخابرات الاسرائيلية سمعة المحقق معهم المتصلبين الذين لا يسارعون الى التطوع بالمعلومات.

عندما بات القواسمي في السجن جاء قائد قوات الجيش الاسرائيلي في الضفة في حينه، العميد غادي آيزنكوت ليتحدث معه. السجين من حماس شرح لايزنكوت بان الشبكة ادارت شؤونها بشكل مستقل. قبل سنة من ذلك في آب 2003، اطلقت خلية خليلية اخرى من حماس انتحاريا فجر نفسه في باص قرب المبكى في القدس فقتل 22 شخصا. كانت هذه العملية التي فجرت "الهدنة"، وقف النار لشهر ونصف والذي بدا في حينه فرصة اولى لوقف التقتيل المتبادل في الانتفاضة. في هذه الحالة ايضا عملت الخلية بناء على رأيها الذاتي.

الظروف هذه المرة واضحة اقل. في الجيش الاسرائيلي ذكروا هذا الاسبوع خطابا لخالد مشعل في 20 ايار من هذه السنة في قطر، وعد فيه سجين حماس القديم حسن سلامة بان كتائب عز الدين القسام ستحرص على مساعدته في اعقاب رسالة بعث بها سلامة من السجن ووصلت الى مشعل. لا تزال هناك اتصالات بين النشطاء في الضفة والقيادة في الخارج. ومن غير المستبعد أن تكشف التحقيقات في الاختطاف دورا ما لمحرري صفقة شاليط، الذين اقام بعضهم قيادة عسكرية جديدة للمنظمة في قطاع غزة، تحاول توجيه النشاط في الضفة من هناك. تصريحات مشعل في الشهر الماضي كفيلة بان تفسر، في نظرة الى الوراء، كاعطاء الاذن العلني لمواصلة محاولات الاختطاف، رغم المصالحة بين السلطة وحماس. قيادة المنظمة في غزة امتنعت عن أخذ المسؤولية عن العملية نفسها. في البداية اثنت عليها ولكن بعد ذلك يخيل انها تحاول الحفاظ على مسافة منها، ربما كي لا توفر مبررا لعملية رد اسرائيلية ضدها. وكقاعدة، فان حماس أقل حماس لان تأخذ على عاتقها المسؤولية عن العمليات اليوم. فالى جانب محاولة التصعيب على التحقيق، يوجد هنا دليل على وضعها الاستراتيجي المركب في ضوء الضغط المصري على غزة. ولعل هذا ايضا صدى لاستراتيجية اسرائيل التي بذاتها لا تأخذ في السنوات الاخيرة مسؤولية علنية عن الهجمات خلف الحدود، مثل سلسلة التفجيرات التي نسبت لسلاح الجو في سوريا وفي لبنان. الجيل الجديد من مخربي الخليل، بعد عشر سنوات من عماد القواسمي يبدو هو ايضا عنيدا وذكيا للغاية. ولا شك ان مخططي الاختطاف استخلصوا الدروس من فشل العمليات السابقة ومن الشكل الذي اكتشفت فيه المخابرات الاسرائيلية آثار خلايا الاختطاف في الماضي. ويبدو أن لمفاجأتهم حصل المخربون على مساعدة اسرائيلية غير مقصودة. فالاستماع الى شريط المكالمة بين احد الفتيان وموظف الشرطة من لواء شاي في مركز الطوارىء هو تجربة باعثة على الصدمة. حسن فعل جهاز الامن عندما تقرر ان تسمع العائلات الشريط قبل أن ينشر على الانترنت. الشرطة ليست الوحيدة التي وفرت للخاطفين سلفة في الجدول الزمني. خمس ساعات مرت بين المكالمة التي لم يتخذ فيها أي اجراء والموعد الذي وصل فيه والد احد الفتيان للشكوى من تغيبه في شرطة موديعين. بعد ذلك ايضا بدا أن قوات الامن لم تسارع في البداية الى العمل ومرت نحو أربع – خمس ساعات اخرى الى أن فتحت غرفة عمليات ذات صلة في المخابرات وفي الجيش. هذه الفجوة الزمنية، نحو عشر ساعات من التأخير لم تتجاوزها اسرائيل حتى بعد اسبوع ايضا.