خبر : الرئيس العاشر لإسرائيل .. متطرف تحت عباءة ديمقراطية

الخميس 12 يونيو 2014 11:13 ص / بتوقيت القدس +2GMT
الرئيس العاشر لإسرائيل .. متطرف تحت عباءة ديمقراطية



انتخبت الكنيست، يوم أول أمس الثلاثاء، رؤوفين ريفلين، ابن الخامسة والسبعين، رئيساً عاشراً لدولة إسرائيل؛ ليخلف الرئيس الحالي بيريس، الذي ستنتهي ولايته رسمياً في السابع والعشرين من تموز المقبل، وعادة لا تكتسب انتخابات الرئيس من قبل أعضاء الكنيست المائة وعشرون سوى أهمية رمزية، نظراً لرمزية مكانة الرئيس وطبيعتها الفخرية، حيث صلاحيات الرئيس ذات طبيعة تشريفية واحتفالية، والحكم يستند الى الأغلبية البرلمانية.
إلا أن هذه الانتخابات اكتسبت أهمية أكبر بكثير من سابقاتها، سواء من حيث كثافة التغطية الاعلامية لفترة طويلة من الوقت، وما شاب الحملات الانتخابية للمرشحين من طعن وتشهير، وفتح تحقيقات جنائية، اضطرت اثنين للانسحاب أو العدول عن الترشح، لكن أهميتها فضلاً عما سبق تكمن في:
هذه هي المرة الأولى التي تجري فيها الانتخابات لرئاسة الدولة بعيدا عن الاصطفافات المعهودة بين الائتلاف الحاكم والمعارضة، فلم يكن للائتلاف ولا حتي لحزب "الليكود" الذي يرأس الائتلاف مرشحاً واضحاً ومعلناً، كما لم يكن للمعارضة مرشحاً خاصاً بها، فغابت الأيديولوجيا والسياسة الحزبية لصالح العلاقات الشخصية وحسابات العداوات الشخصية، وغابت عنها المعسكرات الحزبية، مما أضفى عليها حالة من التوتر الشديد والتعقيد وعدم القدرة على التوقع، حتى ان الفائز قبل لحظات من إعلان فوزه سلم بهزيمته، ومن الطرائف التي توصف قصة الصراع الشخصي على كل صوت أن أحد أعضاء "شاس" كان قد نذر نذراً أنه سيصوت للمرشحة داليا إيتسيك أو لمن ستوصي به في حال عدم صعودها للجولة الثانية، وهي كانت قد أوصت من انتخبها في الجولة الاولى بانتخاب مئير شطريت، وعندما توجه أنصار حملة ريفلين لإقناعه بانتخاب ريفلين أبلغهم انه ملتزم بنذر، فما كان منهم إلا أن قاموا على عجل بالشروع في عملية فك النذر عبر محادثة تلفونية جماعية مع ثلاثة حاخامات أفتوا له بفك النذر.
ومن بين الأمور الأكثر دلالة على حالة غياب المنطق الانتخابي أن نتنياهو زعيم "الليكود" كان يقف صراحة ضد ترشح ريفلين، الذي هو عضو كنيست من "الليكود" الذي يتزعمه نتنياهو، بل ولم يخفِ مساعيه لإحباط ترشحه والعمل ضده، سواء عبر مقترحة بإلغاء منصب الرئاسة أو تأجيل الانتخابات أو دعوته لدافيد ليفي وايلي فيزيل للترشح للرئاسة.
يعتبر المشهد الانتخابي لرئيس الدولة بما انطوى عليه من غياب للأجندات العامة المؤطرة، وغياب الاصطفاف الحزبي، والانتخاب بناء على معايير شخصية (يسار صوتوا لممثل اليمين وممثل أرض اسرائيل الواحدة، ويمين صوتوا لشطريت مؤيد حل الدولتين)، يعتبر امتداد لمشهد الانتخابات العامة للكنيست التاسعة عشر التي كان فارسيها نجم تلفزيوني (لبيد) ورجل الهايتك اليميني (بينيت)، وهي أشبه بحالة من السيولة الحزبية التي تغيب فيها الاجندات وتنتهي فيها الاصطفافات الحزبية على أسس أيديولوجية، وتغيب تلك الفوارق وتبهت الهويات والايديولوجيات، وتتحطم الأحزاب الكبرى وتغيب القيادات الكاريزماتية.
هذه المسيرة لم تبدأ بالأمس، فربما يؤرخ لبداياتها منذ ان حطم باراك حزب "العمل"، وحطم شارون حزب "الليكود" وأسس "كاديما"، وسيطرت جماعات الضغط على اختلاف أنواعها وتوجهاتها على مراكز الأحزاب ومراكز صنع القرار.

نتنياهو الخاسر الأكبر
على الرغم من فوز رجل اليمين لمنصب الرئاسة؛ فإن أحزاب الوسط والمعارضة تستطيع أن تنتشي بما قدمته من تحدٍ، لا سيما في الجولة الأولى من الانتخابات عندما حظي مرشحيها معاً (إيتسيك وشطريت ودورنر) باثنان وسبعين صوتاً، مقابل أربعة وأربعين لريفلين، وبالمقابل تخبط أحزاب اليمين وانقسامها، مما قد يشكل ريح إسناد للدعوات لانتخابات مبكرة.
من جهة أخرى؛ يجمع المراقبون أن نتنياهو زعيم "الليكود" هو الخاسر الأكبر، فقد تآكلت زعامته كثيراً، ولم يعد محط اجماع الليكوديين، وفقد الكثير من نفوذه وتأثيره عليهم، فلم يستطع أن يمرر أي من اقتراحاته حول الرئاسة، كما لم يستطع أن يمنع فوز خصمه ريفلين، ويؤكدون أن الشخص الثاني حسب الانتخابات التمهيدية في "الليكود" وزير الداخلية (جدعون ساعر) ظهر كصاحب الانتصار الكبير على مستوى انتخابات الرئيس، بما قدمه من دعم واسناد لريفلين، وعلى المستوى الليكودي الداخلي، فقد ظهر كزعيم لليكود في ظل غياب دور الزعيم نتنياهو، ولا يستبعد المراقبون أن ساعر يبني نفسه لمنافسة نتنياهو على زعامة "الليكود" في الانتخابات التمهيدية القادمة.
وبعبارة أخرى؛ يمكن القول ان الليكود الذي كسب انتخابات الرئاسة بفوز أحد اعضاءه قد خسر وحدته الداخلية، خسر انسجامه الداخلي، وأعراض ذلك ستظهر قريباً عبر التعسكر وتقوية أجنحة مركز الحزب، والظهور للعلن غياب الاجماع على شخصية نتنياهو.
نتنياهو من جهته كرئيس وزراء، وفي ظل التأزم السياسي مع الفلسطينيين ومع البيت الأبيض والاتحاد الأوروبي، كان يفضل رئيساً أشبه ببيرس، يشكل له ورق توت وطوق نجاة، فهو شديد الامتنان لما قدمه بيريس له من دعم وتسويق وعلاقات عامة على المستوى الدولي، ساعدته في خدمة التضليل الدولي، فهو بحاجة الى من يوازن حالة التطرف، ويعتمد عليه في فرملة الاتجاهات اليمينية، ولا سيما في ظل اشغال اليمين المتطرف لمعظم أركان الحكم (رئاسة وزراء وخارجية ودفاع ورئاسة الدولة)، فاليمين اليوم يطبق على كل مقاليد الحكم، الأمر الذي سيضطر نتنياهو لأن يتصدى بنفسه لانفلات اليمين، وهو أمر يبغضه شديد البغض.

رجل أرض إسرائيل الكاملة
رؤوفين ريفلين الرئيس العاشر لإسرائيل، من مواليد القدس سنة 1939 من عائلة هاجرت من لاتفيا في أوائل القرن التاسع عشر، والده بروفيسور في التاريخ ومعروف كمستشرق، ومن بين أعماله ترجمة القرآن الى العبرية، ريفلين خدم في الجيش في سلاح الاستخبارات وسلاح المدفعية ووصل لرتبة نقيب، وثم التحق بالجامعة العبرية ودرس القانون، انضم مبكراً لحركة حيروت ثم "الليكود"، شغل مناصب عديدة في مؤسسات وجمعيات، بما في ذلك نائب رئيس بلدية القدس المحتلة، قبل أن يدخل للكنيست عن حزب الليكود سنة 1988، وشغل بعد ذلك مناصب عديدة، أهمها رئيس الكنيست لدورتين ووزير الاتصالات.
ينتمي ريفلين الى الجناح الأيديولوجي اليميني المتشدد داخل حزب "الليكود"، ومعروف عنه عدم تأييده لحل الدولتين، وبالمقابل ينادي ويدعم مشروع دولة اسرائيل الواحدة على كل أراضي الـ 48 والضفة، وكان قد رفض في الماضي خطة شارون للانفصال، ورفض خطاب بار ايلان لنتنياهو، ويمجده الاعلام الاسرائيلي كديمقراطي كبير.

اطلس للدراسات